مراد العمراني الزكاري

قصة كفاح شعب على جدران الزمن.

بقلم : مراد العمراني الزكاري برشلونة.

على الرغم أن الصين كانت أول من أسس دولة متحضرة على مستوى العالم ،فإنها قد تخلفت عن الغرب خلال القرون الثلاثة الماضية ، وحتى بالنسبة لجيرانها الآسيويين،فقد كانت الصين في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين،رجل شرق آسيا المريض،متخلفة عن اليابان و تعرضت لغزوات و حروب عديدة من قبل اليابان و بريطانيا العظمى سلبت مواردها وأفرغت خزائنها، إلى أن تم الإعلان عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، وبدأت رحلة البحث عن الذات داخل الموروث الثقافي للشعب الصيني، وبحلول سنة 2009 ، حينما تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين نظيره الياباني ، كانت الصين قد أسهمت بحوالي % 50 من الإقتصاد العالمي و النمو التجاري ،و بعد أن ظل النظام البنكي الصيني غارقا في الديون الهائلة متعثرة السداد ، فبحلول سنة 2010 ، كانت ثلاثة من بين أكبر خمسة بنوك عالمية، بنوكا صينية.
باتت مقاطعات في الصين مثل شانغهاي ، تصنف في المركز الثاني عشر في مجموعة العشرين، من حيث إجمالي الناتج المحلي، كما أن إقتصادثلاث مقاطعات في الصين ( شنغهاي-تشيجيانغ- جيانكسو)أكبر من إقتصاد كوريا الجنوبية أو الهند، وفاقت البنية التحتية للعديد من المدن الساحلية في الصين، نظيرتها في مدن جنوب أوروبا،وأصبحت أكثر إزدهارا في التبادل التجاري من أغلب الدول المتقدمة، واستطاعت الصناعة الصينية التفوق على نظيرتها الأمريكية في مجال المكونات الصلبة مثل بناء القطارات السريعة، والميترو،و المطارات، الموانئ، وفي مجال البرمجيات، بالإضافة إلى التسهيلات التجارية.
وفي سنة 1989، عندما خرج الآف الصينيين في ثورة حاشدة مطالبين بالحرية والحد من الفساد كان نصيب الفرد من إجمالي الناتج القومي يقدر بنحو 403 دولار سنويا ، والذي كان يعتبر متقدما آنذاك مقارنة بسنة1978 عندما كان يقدر ب 200 دولار سنويا، ومع نهاية سنة2014 أصبح نصيب الفرد يقدر بنحو 6000 دولار سنويا.
أصبحت الصين دولة حضارية ، وتحول التنين الأصفر في الآونة الأخيرة من حضارة ذات طبيعة برية إلى حضارة ذات طبيعة بحرية، ومن الحضارة الزراعية إلى الصناعية المعلوماتية ، ومن قوة إقليمية تنفتح على العالم إلى قوة عولمية ينفتح عليها العالم بفلسفة العولمة وفق النموذج الصيني، ومن سلحفاة كسولة تجرها كيانات اقتصادية تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى قاطرة ترغب في جر القارات الثلاث ( آسيا-إفريقيا-أوروبا)، عبر مبادرة الحزام الاقتصادي و طريق الحرير.
إحتلت التنمية الإقتصادية للصين عناويين الأخبار وكبريات الصحف العالمية ، في حين صمتت الآلة الإعلامية في الصين عن وصفها بالنهضة، بل كانت تتعمد الترويج لفكرة الصين، كدولة نامية ، لعدم لفت الأنظار وخشية إثارة ضغائن العالم الخارجي لها.
سلكت الصين مسارا سلميا في نهضتها دون اللجوء إلى حروب مع دول أخرى ،كما حدث في القرن التاسع عشر حينما تحققت الثورة الصناعية للدول الغربية على أنقاض الحروب والدمار والفوضى والتوسع الإمبريالي، وعانت شعوب هذه الدول من الظلم الإجتماعي والفساد والعنف والاضطهاد وإزدياد الفجوة بين طبقة الأغنياء و الفقراء.
وستعكف الدراسات في التاريخ المعاصر فترات طويلة قبل التمكن من فك شفرة النمط الصيني الأكثر تعقيدا.وستحكي شعوب العالم لأجيالهم القادمة قصة كفاح شعب يعيش في دولة أصبحت الآن الأولى عالميا من حيث المساحة، إحتلت صدارة العالم في غضون ثلاثة عقود فقط.
الصين الحديثة .الأولى عالميا من حيث معدلات النمو الاقتصادي ، وإجمالي الناتج المحلي ، وحجم الإحتياطي الأجنبي النقدي ، وتحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث القوة الإقتصادية بعد الولايات المتحدة الأمريكية قياسا بسعر الصرف، والاولى عالميا بمقياس القوة الشرائية.
كما تحتل الصين المرتبة الثالثة فضائيا.بعد الولايات المتحدة وروسيا، والقوة النووية الثالثة ،وتمتلك أضخم جيش في العالم ،بثاني أكبر ميزانية معلنة للدفاع بعد الولايات المتحدة الأمريكية، والمرتبة الأولى عالميا في تصنيع الذهب، وتتناوب المرتبة الأولى مع الولايات المتحدة الأمريكية من حيث حجم الإستثمار الأجنبي المباشر، وتميل كفة الفائض في ميزان التجارة الخارجية ناحية الصين.
ارتكازا على كل ما سبق ؛ يرى المراقبون أن الصين أصبحت الدولة القطبية ، وتمتلك من المقومات التي تؤهلها لأن تصبح قوة عظمى، وتستطيع ملء الفراغ الذي خلفه انهيار الإتحاد السوفيياتي،ومنافسة الولايات المتحدة الأمريكية على سيادة العالم.
وذهب البعض مهنم للتنبؤ بسنة 2025،سنة الصعود الصيني كقوة عظمى، بينما يتنبأ البعض الآخر بقيادة الصين للعالم في سنة 2050.

مقال كتب ستة 2018

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube