مراد العمراني الزكاري

بيادق على رقعة الاوراسيا

بقلم : مراد العمراني الزكاري ( الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية )

الغرب الأسد العجوزسأطرح عليكم في هذا المقال وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لإدارة ترامب، وسأكتفي بتعليقات مقتضبة على فقراتها إلى حين.في تقديري هي اخطر كثيرا من وثيقة (هاري ترومان) إبان الحرب الباردة لأنها تمثل اليوم المواجهة الأخيرة للأسد العجوز (يكون أو لا يكون) ..وفي مقالات لاحقة سأشرح كيف ترامب ينفذ ما جاء بهذه الوثيقة.جاءت الوثيقة الصادرة في دجمبر 2017 انقلاب ناعم على كل أدبيات نموذج الكونية للأباء المؤسسين. فقد جاءت الوثيقة من 67 صفحة غير معنية بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد.اشارت الوثيقة إلى توجه أمريكي جديد يهدف إلى عرقلة مساعي الصين وروسيا الرامية إلى تشكيل نظام عالمي جديد على رقعة الأوراسيا يعتمد على تعدد القطبية، بعيدا عن الهيمنة الأمريكية في عالم أحادي القطبية. وهو ما يفسر عصبية المصطلحات المستخدمة في هذه الوثيقة، التي أوصت بضرورة اجتياز أمريكا هذه الفترة التي أطلق عليها البنطاكون فترة (الضمور الاستراتيجي). حيث جاءت الكلمات على النحو التالي: “نحن مدركين أن ميزتنا العسكرية التنافسية قد تآكلت، واننا نواجه اضطرابا عالميا متزايدا يعمل على اندثار النظام الدولي الحالي.لم تضع الوثيقة مصطلح (الإرهاب) على رأس أولويات الأمن القومي الأمريكي مثلما فعلت وثيقتي بوش الابن، وباراك أوباما. ما يعني الإقرار الأمريكي بتواري استخدام أداة الإرهاب العالمي خطوتين للخلف، في مقابل اعتبار (المنافسة الاستراتيجية) بين الدول كأولوية أولى.الوثيقة استشعرت خطورة الموقف الأمريكي الذي تآكلت قدراته العسكرية التنافسية، وحتى الاقتصادية، لصالح تكتلات اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية، تقودها كل من الصين وروسيا. وعلى هذا فالمنافسة الاستراتيجية بين الدول التي أشارت لها الوثيقة ستأتي حتما وفق مبدأ (بول ولفوفيتز) مساعد وزير الدفاع في إدارة بوش الأب المطروحة سنة 1992 والتي نصت على أن : “هدفنا الأول هو منع عودة ظهور منافس جديد، إما على أراضي الاتحاد السوفياتي السابق، أو في أي مكان آخر. لمنع أي قوة معادية من السيطرة على منطقة يمكن أن تكون مواردها تحت السيطرة الموحدة، كافية لتوليد الطاقة العالمية. وتشمل هذه المناطق أوروبا الغربية، وشرق آسيا، وجنوب غرب آسيا، و الاتحاد السوفياتي السابق”.اما السعي الصيني إلى خلق تكتلات اقتصادية جديدة مبنية وفق مبدأ الشراكة والمنفعة المتبادلة بين الصين والدول المشاركة على طريق الحرير(مبادرة الحزام الاقتصادي وطريق الحرير). فقد نالت نصيبها من التشويه المتعمد داخل الوثيقة التي وصفت الاقتصاد الصيني بالاقتصاد المفترس الذي تستخدمه بكين لتخويف جيرانها، لا سيما مع تطور السمات العسكرية الصينية في بحر الصين الجنوبي، والتي تستهدف من وجهة نظر الوثيقة إعادة ترتيب منطقة الهند والمحيط الهادئ بما يخدم المصالح الصينية.أما روسيا فقد نالت نصيبها من الاتهامات أيضًا. بانتهاك حدود الدول المجاورة مثلما تفعل الصين. وأدانت الاستخدام الثنائي المتكرر لحق النقض (الفيتو) من قبل موسكو وبكين داخل آروقة الأمم المتحدة ضد مصالح هذه الدول الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية. في إشارة إلى عرقلة الفيتو المزدوج المتكرر منذ 2012، ضد خطط واشنطن ولندن وباريس السرية من أجل تقسيم واحتلال سوريا.كما اتهمت الوثيقة سعي روسيا إلى تفكيك حلف شمال الاطلسي، وتغيير الهياكل الأمنية والاقتصادية الأوربية، ومنطقة الشرق الأوسط، لصالح موسكو. واشارت إلى الخارج المجاور لروسيا، والنجاح التكنولوجي الروسي في تدمير قواعد الديمقراطية في جورجيا، وشبه جزيرة القرم، وشرق أوكرانيا. وكأن المطلوب من الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) أن يظل واقفا أمام نافذة الكرملين ينظر بحسرة على قوات حلف الناتو وهي تثبت أقدامها على عتبات روسيا الاتحادية.كما ربطت الوثيقة بين هذا الأمر والتوسع والتحديث النووي الروسي ووصفته بالتحدي الواضح. وكأن التوسع النووي الروسي لم يكن في مقابل التوسع بالدرع الصاروخي الدفاعي النووي الأمريكي الذي بات على مشارف الحدود الروسية، في استفزاز واضح، وخرق مباشر، لكافة المواثيق والمعاهدات المبرمة بين الجانبين منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.لم تخطأ وثيقة الأمن الأمريكي حينما أشارت إلى الصين وروسيا على أنها التهديد المركزي لاستمرار السيطرة الأمريكية على عالم أحادي القطبية. هذا العداء الأمريكي لكل من الصين وروسيا عبر عنه بشكل واضح وصريح (ويس ميتشيل)، مساعد وزير الخارجية الأمريكية لأوروبا وأوراسيا، في شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في 21 غشت 2018. في كلمته الافتتاحية أقر ميتشيل بفشل السياسة الأمريكية السابقة في احتواء الصين وروسيا قائلًا:”إن نقطة البداية في استراتيجية الأمن القومي هي الاعتراف بأن أمريكا دخلت في فترة التنافس بين القوى الكبرى، وأن السياسات الأمريكية السابقة لم تدرك بشكل كافٍ نطاق هذا الاتجاه الناشئ ولم تجهز دولتنا بشكل كافٍ للنجاح فيها”.وبشكل صريح أعلن ميتشيل الحرب على موسكو وبكين، حينما استطرد قائلًا: “خلافا للافتراضات المأمولة للإدارات السابقة. فإن روسيا والصين هما من المنافسين الجديين الذين يبنون المواد المادية والأيديولوجية التي تمكنهم من التنافس على سيادة الولايات المتحدة وقيادتها في القرن الواحد والعشرين. ولا تزال من بين أهم مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة منع سيطرة الدول المعادية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube