وجوه من المهجر

الهجرة بطعم التعدد في تجربة مصطفى القرقري

إعداد ذ. يوسف سعدون

وجوه من المهجر ركن جديد من أجل الانفتاح على مجموعة من الطاقات المغربية البارزة بالمهجر وتهدف حرة بريس من وراء هذه المبادرة “نفض الغبار”على هذه التجارب التي فرضت نفسها في الكثير من المجالات والتعريف بها ورد الاعتبار لها.

موعدنا اليوم مع :
مصطفى القرقري (الفاعل المدني والحقوقي والمحامي بهياة المحاماة بإشبيلية )

هي الصدفة التي فتحت أبواب الهجرة في وجه مصطفى القرقري..او لعلها لعبة السياسة من رسمت له هذا الأفق :

علاقته بإسبانيا ابتدأت مع حضوره ضمن وفد شبيبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمغرب في فعاليات المهرجان الدولي للشباب خلال التسعينيات..،فكانت فرصته للوقوف على عوالم حضارية مختلفة !!! وهذه الوقفة لم تمارس عليه لعبة الإغراء لأنه كان حاسما في أفق مستقبله بالوطن…لكن القدر كان له رأيا آخر حيث فتح له أبواب الهجرة على مصراعيه..
ابتدأت حياته الجديدة حينما اقترح عليه احد قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المرحوم مصطفى القرقري استكمال دراسته العليا بإسبانيا والعمل بالموازاة مع ذلك على بناء الامتداد التنظيمي للحزب بإسبانيا…
هنا كانت نقطة التحول، ففي سنة 1993,بدأ مشواره الدراسي بمدريد،بكلية الحقوق، لجامعة complutense, شعبة فلسفة القانون.
وفي نفس الوقت عمل على تشكيل فروع الحزب بكل من مدريد، وكتالونيا، واشرف عل تجديد فرع غرناطة، ليتم عقد المؤتمر الاقليمي، في يونيو 94.


في تلك المرحلة، طلب منه الحزب العمالي الاشتراكي أن يلتحق باللجنة الوطنية للهجرة، الى جانب الكاتبة المكلفة بالهجرة، المناضلة Matide Fernández، حيث عمل مع هذا الإطار على تأسيس العديد من جمعيات المهاجرين، خاصة النسائية منها.واثتاء هذه المرحلة تعرف على الفاعلة الجمعوية والمناضلة ثوريةالتي اختارها كرفيقة للحياةبإشبيلية…
اشتغل -ايضا- بالعمل الجمعوي لمدة ثماني سنوات، بعدها التحق للعمل في الإدارة المركزية servicio andaluz de empleo, كمستشار في قضايا الهجرة، وكيفية إدماج المهاجرين في سوق الشغل من خلال اعادة التكوين، خاصة المرأة العاملة.
الى جانب هذه المهام، تحمل كذلك مسؤولية كتابة الهجرة في الفرع المحلي للحزب الاشتراكي بإشبيلية.
وفي سنة 2008، التحق بهيئة إشبيلية للمحاماة، حيث كان أول مهاجر مغربي يمارس هذه المهنة مناصرا لحقوق المهاجرين والمواطنين الإسبان وذلك ضمن اعرق هيآت المحامين بإسبانيا (هياة إشبيلية )…


ورجوعا إلى مرحلة اشتغاله بالعمل الجمعوي ،فتجدر الإشارة إلى أنه اهتم بمحورين: المحور الأول تعلق بإبراز الجانب الإيجابي في الهجرة المغربية، وذلك بالتعريف بها في المجتمع الاسباني، كمكون جديد للمجتمع الاسباني، بما يحمله من الإيجابيات الاقتصادية، والثقافية التي من شأنها ان تغني المجتمع الاسباني وتجعله اكثر انفتاحا على الثقافات الأخرى. وفي نفس الوقت كان يساعد المهاجرين المغاربة على الاندماج..
واما المحور الثاني فصب فيه الاهتمام على بلده الأصلي وذلك من اجل تقريب الشباب و كل الطامحين للهجرة للصورة الحقيقية لبلدان الاستقبال وإشكاليات الاندماج بها. وعبر هذين المحورين، انجز مصطفى القرقري في إطار عمله الجمعوي الكثير من المبادرات والزيارات الميدانية موظفا الإعلام المكتوب والمرئي للقيام بتحقيقات حول ظروف المهاجر..كما حاور لأجل نفس الغاية الكثير من المسؤولين الحكوميين ورؤساء البلديات وغيرهم من المعنيين بالهجرة.. وشكل موضوع الهجرة اهتمامه الرئيسي حيث انصب اشتغاله مع الإدارة العمومية على الجانب القانوني والتقني، وخاصة المساطر الإدارية، المتعلقة بنقل اختصاص الإدارة المركزية في مجال الهجرة الى الحكومات الجهوية، كذلك اشتغل على تطوير برامج التكوين المهني بما يجعلها تلائم

خصوصيات العمال الأجانب المقيمين بالأندلس..
ومن أجل تحقيق كل هذا الحلم الكبير بنجاحاته وبإنجازاته..قطع مصطفى القرقري أشواطا من المعاناة عبر مسار لم يكن مفروشا بالورود..وتحدى الكثبر من الصعوبات والإكراهات خصوصا أثناء البدايات في المرحلة الطلابية.حيث ابدع في ضمان قوت يومه بإصرار لكون القانون الإسباني لا يسمح اللطلبة الأجانب بمزاولة الأنشطة المذرة للدخل،فاضطر إلى بيع السجائر والحلويات، بشارع Orense، شارع الملاهي الليلية.لكنه كان يعاني من مطاردة الشرطة له ولأمثاله ..فاضطر بعدها لبيع منتوجات الصناعة التقليدية المغربية.وهذا كله موازاة مع الدراسة.

وعبر هذا المسار المتسم بجدلية التحدي والطموح،عايش مصطفى القرقري تجاذبات الهجرة بكل تجلياتها.فعايش تلك المفارقة الغريبة بكونه طالبا للسلك الثالث منحدرا من اسرة متوسطة بكلية الحقوق بجامعة complutense, بمدريد والتي يدرس بهاء أبناء الأعيان، وكبار المحامين،وفي نفس الوقت كان يعايش رواد الملاهي الليلية، ويبيع السجائر..ويقطن في بقايا منزل مع اسرة مغربية بالحي العمالي التاريخي، Vallecas،
مفارقة اخرى رسمتها له مسؤولياته ضمن عوالم الهجرة : كان وهو المناضل والممثل لتنظيم الاتحاد الاشتراكي بإسبانيا،و الذي يقضي الليل بائعا للسجائر..ومطاردا من البوليس،كان يذهب في بعض المواعيد الصباحية لحضور اجتماعات لجنة شؤون الهجرة، تحت رئاسة وزيرة سابقة، في مقر الحزب الحاكم للبلاد آنذاك..وكثير من تلك الاجتماعات حضرها دون تناول وجبة الفطور…..


هو هكذا مصطفى القرقري.مناضل صلب وثابت على المواقف..ولم ينل منه القمع الذي عانى منه ايام نضاله السياسي بالمغرب بما في ذلك الاعتقال.( وقفت شخصيا على هذه الصفات حينما جمعتنا مدرسة الاتحاد الاشتراكي)وبهذا الصمود والطموح الذي سكناه..مضى بعيدا يحلق في فضاء الغربة ليؤسس لنفسه مكانة مرموقة في المجتمع المدني والحقوقي بإسبانيا..تلك الدولة التي عشقها بسحرثقافتها وفنونها وفضاءاتها..فضاءات تنطق بسحر حديقة Prado و محطة القطار السريع Atocha، وخاصة el Jardín botánico وكذا المكتبة الوطنية، بمدريد،…
عشق أيضا انعرج به لثقافة وفنون الإسبان خصوصا احتفالات الاندلسيين الدينية و الفلكلورية خاصة Romeria و Semana Santa والتي تلتقي في بعض خصوصياتها مع بعض المواسم بمنطقةاجبالة شمال المغرب التي ينحدر منها..
هو هكذا مصطفى القرقري.نموذج للإنسان المتعدد الذي جعل من العمل السياسي والمدني سبيلا لمد جسور من التعايش بين الشعوب…

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube