مستجداتوجوه من المهجر

مسارات للحلم في سفر “أحلام لقليدة”

إعداد ذ. يوسف سعدون

وجوه من المهجر ركن جديد من أجل الانفتاح على مجموعة من الطاقات المغربية البارزة بالمهجر وتهدف حرة بريس من وراء هذه المبادرة “نفض الغبار”على هذه التجارب التي فرضت نفسها في الكثير من المجالات والتعريف بها ورد الاعتبار لها.

موعدنا اليوم مع : الشاعرة والروائية أحلام لقليدة

” أحلام لقليدة ‘ … إسم أبدع في ترجمة المعنى بعمق التأمل وبلاغة السفر…إسم رأى النور على إيقاعات الحلم الجميل وعذوبة الاستعارات ومتعة الصور…
ولدت بمدينة الدار البيضاء ذات يوم وردي..ومن هذه المدينة ومحيطها انطلقت لكي تمارس عشق الحياة والأمكنة بكل تجلياتهاوتفاصيلها :
أحبت حجرة الدرس، وافتتنت بسحر الطبيعة وبالسمر وبالحكي المشوق للجد وبصور النساء المنهمكات في منجزاتهن اليدوية من غزل ونسيج وكد بالحقول..
عشقها البحر ولازال متيما بتأملاتها.أو بالأحرى هي من تعمل على إعادة نسج تفاصيله عبر أحلامها..هو ذاك البحر الذي مارس عليها إبهارا لامحدودا من خلال جبروت الموج وبلاغة الهدوء…ومن ثمة زرع فيها عشقا مزدوجا يتأرجح بين القوة والسكون…قوة التأمل وسكون الاستعارات…وهي بهذا التماهي تتقمص الطبيعة من أجل كتابة قصائد تارة صامتة وأخرى صارخة…فتتملك لحظتها صورة البحر/الشاعر.


إحساس آخر سكنها في مراحل دراستها الأولى، شعور بكونها تكبر أقرانها. كانت تميل للعزلة في مكتبة المؤسسة.وعبر هذا الفضاء مارست القراءة والكتابة.. فكانت أول تجربة لها هي كتابة مسرحية فازت بها بالمرتبة الأولى على صعيد الثانوية…ولازال عنوانها راسخا بذهنها : “مات الشهيد يوم سؤاله عن الشهيد.”وكأنها بهذه المقاربة انتصرت للإنسان/للوفاء/للقيم النبيلة التي آمنت بها…
في مرحلة الجامعة اختارت شعبة القانون..وانخرطت في نضالات وفعاليات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في التسعينيات.وعمقت عندها هذه المرحلة مناصرة القضايا الكبرى للوطن.وكثيرا ما كانت تتفاعل مع هذه القضايا إبداعيا..

وكعادة كل حاملي الشهادات..بدا أمامها السبيل للوظيفة في تخصصها مستعصيا..لهذا غيرت وجهتها حيث عملت بالمجال السياحي…ففتحت لنفسها آفاقا جديدة للتواصل مع وافدين بخلفيات حضارية مختلفة..ليغير القدر لعبته للانتقال للعيش بباريس مدينة الجن والملائكة كما قال عنها طه حسين . بعد زواجها من فرنسي.
الزواج فتح لها فرصة الوقوف على ثقافة مغايرة..ثقافة حداثية تؤمن بالإنسان وبالجمال…تؤمن باحترام الاختلاف .
وباريس هذه..بخصوصياتها الحضارية والثقافية والجمالية..بمقهى الرحيل بسان ميشيل ومقهى السلام بالاوبرا..والسين ملاذها عندما تضيق بها دروب المدينة..باريس -بكل هذه المواصفات- عمقت عندها عشق الإبداع والكتابة.وفي سبيل ذلك اخنزلت الزمان والمكان من أجل تحقيق اندماج كامل في المجتمع الفرنسي مع حفاظها على جذورها الثقافية ..
وبحكم عمل زوجها..تمكنت من اكتشاف العالم عبر اسفاره المتعددة..وهذا السفر عمق فيها طقوس الإبداع بنفحة الحلم….فكان ميلادها السلس ككاتبة وشاعرة رقيقة ومجددة..
وعبر سفرها..كانت تنسج علاقة متفردة بمختلف دول العالم..علاقة قوامها استطعام نكهة الروائح :
رائحة الوطن التي تسكنها…وروائح العالم التي تلهمها..وأما رائحة باريس،فتنعشها وتمنح لها الأمان والانتماء المتعدد..
متحت تجربتها الإبداعية من كل هذه المؤثرات.وأسست لنفسها أسلوبا في الكتابة الشعرية يعتمد التحرر من كل الضوابط انسجاما مع ما يمنح لها المكان والزمان من حرية الاكتشاف والاقتحام والتمثل الفني..هي -أيضا- تكتب حسب إغراءات الجنس الأدبي ..يستهويها تارة الشعر بفضائه المؤطر بتفاصيل الصور والاستعارات..وتغويها الرواية التي تجد فيها فسحة أكبر لرحابة تفاصيل الزمان والمكان والشخصيات والأحداث..(هي حاليا بصدد كتابة رواية تعكس فيها صورا من العزلة في زمن الجائحة !)
وبهذه الروح.أصدرت أول ديوان شعري لها هو أجراس السماء..و كان بعد وفاة والدها الذي ترك لها فراغا كبيرا وتساؤلات فلسفية عميقة حول الوجود والحب والحياة …تجربتها كذلك مع ابنها المصاب بالتوحد عمقت اختياراتها في الكتابة و الحياة.. فضمنت هذه التفاعلات ديوان “رحى الأحلام” لتليه بعدها رواية “راعية الذئاب “ثم ديوان !”هجير المعاني”وكلاهما ترجما للغة الفرنسية.كما نشرت العديد من المقالات في مختلف المجلات والجرائد العربية..


وبموازاة مع هذا الزخم الإبداعي..عملت أحلام على الانخراط في العمل المدني حيث
أسست العديد من المنتديات الثقافية :
منتدى الآداب والتبادل الثقافي بباريس.ثم جسور التبادل الثقافي..كما تقلدت مسؤوليات متعددة كالمسؤولة الثقافية لمركز الدراسات والأبحاث بباريس .وهي أيضا عضوة باتحاد الكتاب العرب والصحفيين بأوروبا.
ولها أنشطة ثقافية وفنية وحضور مستمر في الملتقيات الثقافية والفكرية في أوروبا وفي المغرب وفي دول عربية بجانب أسماء وازنة في الساحة الثقافية العربية .


كما حضيت بتكريمات متعددة من طرف اتحاد كتاب المغرب فرع الجديدةومهرجان دكالة الثقافي ومجموعة مدارس الدار البيضاء وغيرها من المبادرات.
احلام لقليدة تبدع أيضا في تعاملها مع واقع الغربة بإحساس الحلم والتملك …الحلم بانتماء مفتوح على كل الأوطان..وتملك لقدرة الاندماح السلس.
ومع هذا فالحنين للوطن الأم يلازمها أينما حلت.هو الحنين للذكرى والمنبت والدفء…
هي هكذا أحلام لقليدة..إنسانة متعددة وحالمة بالجمال في مختلف تجلياته ومرجعياته وانتماءاته…وبهذه الصيغة المتعددة للحلم..تبدع لنا أرقى صور الاستعارات والصور والحكايا..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube