مراد العمراني الزكاري

ترامب يدمر اقتصاد السوق الحر

بقلم مراد العمراني الزكاري (الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية )

ترامب رئيس استثنائي بمعنى الكلمة. فبينما جاءت وثيقة بيل كلينتون ومن بعده بوش الابن ثم باراك أوباما، تؤكد على تعزيز التوسع في اقتصاد السوق الحر؛ وهو ما دفع بيل كلينتون إلى تأسيس (منظمة التجارة العالمية) سنة 1995، كسلطة ثالثة جنبا إلى جنب مع مؤسسات بريتون وودز، من أجل تحرير التجارة العالمية ودمج اقتصادات العالم في فضاء اقتصادي واسع.
تشهد هذه الحقبة من عصر ترامب الانقلاب على السلطة الثلاثية. وبداعي الحمائية قام بفرض تعريفة جمركية جديدة بقيمة (25%)على واردات الصلب وبقيمة (10%) على واردات الألومنيوم، القادمة من الاتحاد الأوروبي والصين وتركيا لحماية الصناعة المحلية، في مخالفة صريحة لقوانين السوق الحر. فالرجل لا يكترث بهذه الهرطقات العالمية، ويدرك جيدا أن هذه العولمة مثلما اغتالت رفاه شعوب العالم لصالح مجموعة من الكوربوقراطية، فهي أيضًا تحولت إلى سيف مسلط على رقبة المواطن الأمريكي، بعد أن حولت الولايات المتحدة من قوة صناعية كبرى إلى نادي للديون العالمية. حينما اتخذت قواعد التصنيع الأمريكي منذ بداية سبعينيات القرن المنصرم منصات خارجية لها، ونقلت كبرى الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات صناعتها خارج حدود الولايات المتحدة بحثا عن الأيدي العاملة الرخيصة والتكاليف المنخفضة. ومع انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في تسعينيات القرن الماضي اتجهت شركات ومصارف أمريكية عديدة إلى هذا السوق الواعد، يأتي على رأسهم شركات مثل( جنرال إلكتريك – آبل – نايكي).
وعلى هذا أدت الحرب التجارية العالمية التي يقودها ترامب لا من أجل منع ظهور أي قوة معادية تسيطر على رقعة الأوراسيا فحسب، فهي أيضًا محاولة جدية لاستعادة أمريكا الصناعية التي كانت في مصاف الدول الصناعية الكبرى بعد الحرب العالمية الأولى، وقدمت نفسها للعالم كأكبر قوة صناعية بعد الحرب العالمية الثانية. ولهذا جاء شعار الحملة الانتخابية لترامب (أمريكا أولًا).
وفي سبيل هذا يتم فرض تعريفة جمركية مجحفة على الواردات الأمريكية من المنتجات الصناعية القادمة من حلفاء واشنطن التقليديين (الاتحاد الأوروبي – كندا – المكسيك – اليابان) قبل الأعداء (الصين – روسيا – تركيا)، من أجل تشجيع الصناعة المحلية.
وأيضًا فرض قانون ضرائب مخفضة لصالح الشركات الأمريكية العابرة للحدود، من أجل تشجيع رأس المال الخارجي للعودة إلى أرض الوطن. وكذلك الانسحاب من اتفاقية المناخ تمنح واشنطن فرص استخراج النفط الصخري الأمريكي من دون قيد أو شرط حتى لو جاءت على حساب البيئة، والتي ستجعل من أمريكا أكبر مصدر للطاقة في العالم.
ولأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مدرك أن الفضاء الاقتصادي الواسع للسوق الحر جاء على حساب الاقتصاد الأمريكي، فقد صار على خطى بوش الابن حينما انسحب من العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الاقتصادية التي ابرمها سلفه كلينتون، وأن اختلفت الأهداف بينهما.
انسحب ترامب من اتفاقية التجارة الحرة مع دول الباسيفك المعروفة باسم (الشراكة عبر المحيط الهادئ) التي ابرمها سلفه (باراك أوباما)، ونسف اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية المعروفة باسم (نافتا) مع كندا والمكسيك التي اقترحها بوش الأب، وقام بالمصادقة عليها بيل كلينتون سنة 1993. فهذه الاتفاقيات لا تعبر عن مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية من وجهة نظر ترامب.
هذا الفضاء الاقتصادي الواسع للسوق الحر، وعبر جميع اتفاقيات التجارة الحرة تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، وعلى مدار عقود طويلة، الغت الرسوم المفروضة على البضائع الأجنبية، فزادات حركة التجارة مع الولايات المتحدة، وانخفضت اسعار السلع للمستهلكين. لكنها جاءت على حساب السلع المحلية والصناعة الأمريكية. وفي حالة (نافتا) على سبيل المثال، ارتفع حجم التجارة مع كندا والمكسيك منذ الإلغاء الكامل للقيود الجمركية والضرائب سنة 2008، إلى ثلاثة الضعف، وزاد عجز الميزان التجاري الأمريكي لصالح الدولتين، بينما جاء ارتفاع الناتج المحلي الاجمالي لأمريكا بنسبة مئوية قليلة، لأن حركة التبادل التجاري مع المكسيك وكندا قليل نسبيا بالنسبة لحكم الاقتصاد الكلي للولايات المتحدة.
وبصورة عامة تراجع التصنيع المحلى للولايات المتحدة نتيجة انتقال وظائف التصنيع الأمريكية خارج البلاد، حتى مع دول لا ترتبط معها أمريكا باتفاقيات للتجارة الحرة مثل الصين مما أدي أيضًا إلى زيادة العجز في الميزان التجاري مع الصين.
تعتمد فلسفة ترامب في التبادلات التجارية في ظل شعار (أمريكا أولًا) على إلغاء نظام اقتصاد السوق الحر. أي كسر التحالفات التجارية المبنية على قوانين منظمة التجارة العالمية، ومن ثم تقسيم العالم تجاريًا.
على أن يقوم الرئيس الأمريكي ببناء شبكة ضخمة من التبادلات التجارية الثنائية مع كل دولة من دول العالم على حدى، وإملاء الشروط على الدول الأضعف بحيث تمنح هذه الاتفاقيات مزايا أعلى للشركات الأمريكية ومكاسب أكبر للاقتصاد الأمريكي ، حتى وإن تعارضت مع قوانين السوق لأنها لن تكون تحت إشراف منظمة التجارة العالمية ولن تخضع لمساءلة من محكمة فض المنازعات التجارية بين الدول، التي يعارض ترامب حتى خطوات تعيين القضاة بها من أجل تجميد اعمالها الحالية . فلا مانع لدى ترامب من التهديد بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية، وربما سيفعلها حتما. بحجة عدم اتخاذ المنظمة موقف معادي تجاه تجاوزات الصين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube