مستجداتمقالات الرأي

فلسطين أو العشيقة السرية

بقلم: محمد بلعيش

لكلّ مسلم وطن هو بمثابة “أمّ الأولاد”، فيما تبقى فلسطين “العشيقة السّريّة” الّتي لا طاقة له ببنصرتها على الملأ.. فلسطين للشّعر… فلسطين للنّثر… فلسطين للخطابة… فلسطين لتجّار السّياسة يمينا ويسارا…فلسطين لإزالة الصدأ عن الحناجر في باب المساجد…فلسطين مظلّة طوائف السّنة والشّيعة…فلسطين للمزايدات “ظالمة أو مظلومة”… فلسطين أولويّة في جنح الظّلام…فلسطين منكرة تحت شمس الحقيقة.

حصد المحتلّ أكثر من 33 ألف إنسان، وعطب أزيد من 75 ألف مدني، وجوّع ما يربو عن مليون بريء. ناهيك عن الدّمار والأوبئة والأمراض، بحيث لم يسلم لا شجر ولا حجر ولا حيوان. وبعد سبعة أشهر من الخراب، راسل أحد المسلمين المحتلّ قائلا: ” قاصفنا العزيز، خذ حذرك رجاء، فقد قرّرنا إرسال بعض الحلزونات المسيّرة إلى مجالكم الجوّي. كما نحيطكم علما أنّنا لا نهدف إلى سفك قطرة دم واحدة، أو هدم طوبة واحدة، لذا أخبروا مواطنيكم الأعزّاء بالاطمئنان، أو التّوجّه للملاجئ القريبة منهم في حالة الشّك. إن حدث أيّ خطأ، فتأكّدوا أنّه غير مقصود. نحن طوع خياراتكم على اختلاف أحجامها. والله من وراء القصد”.

أحيانا أتساءل ما الجدوى من كلّ هذا السّلاح العربي؟ لماذا أنفقت 13 دولة 137 مليار دولار على التسلّح سنة 2022؟ لماذا لا يذهب العرب مذهب كوستاريكا الّتي تخلّصت من عبء الجيش سنة 1949 وحوّلت ميزانيّتها للتعليم والصّحة؟ ثمّ أتذكّر بأنّ العرب يصدق عليهم المثل:” كاع النّاس تغلبني وأنا نغلب عيشة أختي”. فكلّ ما يستورده العرب من سلاح، لا يسقط به سوى العرب أنفسهم. كم من يمنيّ قضى بالسّلاح العربي؟ كم من ليبيّ؟ كم من سوريّ؟ كم من عراقيّ؟ كم من مصري؟ كم حصدت الحروب الأهليّة للعرب في السودان، ولبنان، والجزائر؟ كم حصد الإ*ر*ها*ب من المحيط إلى الخليج؟ أو ليست فلسطين هي المنطقة العربيّة الوحيدة الّتي يوجّه فيها السّلاح نحو المحتل؟

يحكى أنّ كلّ الطّرق كانت سالكة نحو أفغانستان، والبوسنة، وسوريا، والعراق، وليبيا، لكنّ فلسطين لا طريق إليها. فلسطين وسط العرب والمسلمين، ولا سبيل لشربة ماء، أو كسرة خبز، أو علبة دواء. إنّ الطّريق سالك فقط لأمتار من كفن! كفن يحتاجه المسلمين لرجولتهم، أكثر ممّا يحتاجه الفلسطينيّون لشهدائهم.

أين هي تلك الجماعات “الإسلاميّة” الّتي كان شيوخها يخرجون كالأورام من شرائط الكاسيت، والمقعّرات الهوائيّة للتّشكيك في إسلام الآباء والأجداد على مدى قرون من الزّمن؟ كيف كانوا يوصلون الشّباب المغرّر بهم لكلّ بقاع الدّنيا غير فلسطين؟ هل كانوا “شيوخا” للإسلام؟ أو “شيخات” لأمريكا وإسرائيل؟ لماذا نجحت تلك الجماعات فقط في التّخريب الحضاري في سوريا والعراق واليمن؟ لماذا نجحت فقط في سفك الدّم العربي مسلما كان أم مسيحيّا؟

إنّ مصيبة هذه الأمّة في انحسار عقلها وتمدّد لسانها. ولهذا يتلاعب بها الفرس والعجم كدمية بلهاء لتأمين مصالحهما. وكلاهما يدركان بأنّ استمرار المآسي في فلسطين تحديدا، هو تأمين حقيقي لمصالحهما. لذلك لا تحرّكات حقيقيّة من أجل حلّ الدّولتين، ولا دعم حقيقي للمقاومة الفلسطينيّة سواء أكانت سيّاسيّة أو مسلّحة. هناك ما كانت تسميه جدّتي “عيش لا تموت”.

إنّ الضّحيّة الكبرى لهذا الوضع، هي تلك الدّول “المسكينة” الّتي تقع في نطاق “إسرائيل الكبرى”. هي اليوم ضدّ المقاومة الفلسطينيّة، وغدا ستدرك أنّ المقاومة الفلسطينيّة، كانت خطّ الدّفاع الأول عن أمنها ووجودها. فبعد الانتهاء من “ح*ما*س” في غزّة، سيكون الهدف فتح والضّفّة الغربيّة، بعدها ستلهو إسرائيل باصطيّاد تلك الدّول الواحدة تلو الأخرى من أجل “إسرائيل الكبرى”.

فلسطين ليست “العشيقة السّريّة” كما يتوهّم العرب، بل أيقونة ما تبقّى من شرف العرب وبطولاتهم. وقد حان الوقت لأن يخلّوا بينها وبين عدوّها، لأنّها بحجم التّحدي. قد تسحقها إسرائيل، لكنّها لن تنتصر عليها أبدا.

بركان في: 15 أبريل 2024

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube