فيسبوكياتمستجدات

د ويحمان كلمات* .. في الصحراء والحذر المطلوب

* —————————-

*وعسى الله أن يثبت هذه الفرحة ويعممها*

أحمد ويحمان ×

*{ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }* [فصلت 34 – 35] صدق الله العظيم الرحمة والرضوان لشهداء الوطن الذين ارتقوا من أجل الحفاظ على وحدة ترابه ومجتمعه، والتحية لأيتامهم وثكلاهم وأراملهم وذويهم، ولكل أحرار الأمة الذين رابطوا على جبهة الوحدة والتحرير. إنه حدث نوعي بالفعل ما حدث بالأمس، الجمعة 31 أكتوبر 2025، ونتمنى أن يكون ما بعده مختلفًا فعلاً عمّا قبله، في كل ما يتعلق بالصحراء المغربية وبالمشروع المغاربي المتعثر على مدى عقود من الأخطاء والآمال المجهضة للشعوب، أو بالأصح لشعب المغارب. في كلمات اليوم، نحاول أن نشارك شعبنا في المغرب الأقصى، وعلى طول الأقطار المغاربية، فرحته بهذا التطور، وكذلك حذره الواجب، عبر ومضةٍ على الذاكرة التحررية وسياق القرار الأممي الجديد. *ذاكرة التحرير والوحدة* منذ أن هبّت رياح التحرر في ربوع المغرب الكبير، ظلّت قضية الصحراء جزءًا لا يتجزأ من معركة الاستقلال والوحدة. فقد تأسست سنة 1948 لجنة تحرير المغرب العربي تحت رئاسة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، وضمت قادة الحركات الوطنية في المنطقة: الحبيب بورقيبة ( الذي سيصبح فيما بعد أول رئيس للجمهورية التونسية )عن الحركة الوطنية في تونس، والشاذلي المكي عن الحركة الوطنية في الجزائر الجزائر، وعلال الفاسي عن الحركة الوطنية في المغرب الأقصى. و انضم لاحقا بهذا الخصم الوطني كل من أحمد بن بلة وهواري بومدين، الرئيسان اللذان سيقودان الجزائر المستقلة فيما بعد. وفي امتداد هذا المسار الوحدوي، جاء جيش تحرير المغرب العربي بقيادة الخطابي، ليتكامل معه في أواخر الخمسينات جيش تحرير الجنوب، الذي أشرف عليه أحد أبرز تلامذته، المناضل محمد الفقيه البصري، الناطق الرسمي باسم المقاومة وجيش التحرير المغربي. وقد حرر هذا الجيش سنة 1958 أقاليم وادي نون (ݣلميم وآسا) والساقية الحمراء (العيون) ووادي الذهب (الداخلة) وحتى هضاب آطار في شنقيط التي ستُعرف لاحقًا بدولة موريتانيا سنة 1960.هكذا كانت التضحيات مغاربية موحدة في أفق التحرير والوحدة، لا تعرف الحدود بين أشقاء النضال والمصير. علما بأن البند الأول لميثاق 1948 ( ويسمى أيضا ميثاق القاهرة) نص على : ” … العهد على مواصلة المقاومة حتى تحرير آخر شبر من المغرب العربي … ” .

*من التحرير إلى التجزئة.. والقرار الأممي الجديد*

غير أن المسار الذي بدأ موحدًا لم يكتمل على النهج ذاته. فقد شهدت حركات التحرر الوطني في الأقطار المغاربية أخطاءً ومنعرجاتٍ مؤلمة، غذّتها القوى الاستعمارية عن قصد لإجهاض الحلم الوحدوي الذي صاغه الرواد. وهكذا تحوّل المشروع المغاربي من رهانٍ للتحرر الجماعي إلى ملفّات خلافية متراكمة، كان من أبرزها مشكل الصحراء. لقد تم خلق هذا المشكل ورعايته وتغذيته في مختبرات الهيمنة الاستعمارية، لقطع الطريق على بناء المغرب الكبير الموحّد، وتسميم العلاقات البينية بين شعوبه وأنظمته على مدى نصف قرن من الزمن. ومن هنا، فإن قضية الصحراء ليست مجرد نزاع حدودي أو سياسي، بل تجلٍّ لاستمرار المعركة ضد الاستعمار بأشكاله الجديدة. وفي هذا السياق جاء القرار الأممي الأخير، بالأمس، الذي صادق على مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، بعد تصويتٍ مؤيدٍ بأغلبيةٍ كبيرة داخل مجلس الأمن، ليؤكد وجاهة المقاربة المغربية ويكرّس واقعية الموقف الوطني في معالجة هذا النزاع المفتعل.وقد أعقب هذا القرار خطاب ملكي ساعات فقط بعد إقراره، هذا الخطاب الذي جاء متوازنًا في لغته وواعيًا بدقة المرحلة، حيث مدّ اليد لأشقائنا في مخيمات تندوف ولأشقائنا الجزائريين، داعيًا إلى طي صفحة الخلافات والتوجه نحو المصالحات والبناء الوحدوي المغاربي.

*فرحة مشروعة.. وحذر واجب*

لم يكن رد الفعل المغربي ليتأخر في لحظة مثل هذه، فقد عرفت مختلف مدن المغرب مظاهر فرحٍ وطنيٍّ ملفت إثر القرار الأممي، في لحظة فخرٍ عارمة جسدت وحدة المشاعر والانتماء. إنها فرحة مشروعة ومستحقة لما تمثله من انتصارٍ للحق الوطني، لكنها تحتاج، في الآن نفسه، إلى وعيٍ ورزانةٍ تمنع الانزلاق إلى مظاهر البهرجة والسطحية التي قد تفرغ اللحظة من عمقها التاريخي والنضالي. فالمعركة، رغم ما تحقق، ما تزال طويلة، تتطلب نفسًا استراتيجيًا ويقظةً متواصلة.

*الحذر من الاختراق الصهيوني*

ففي خضم هذه الفرحة الوطنية، وجب الحذر من الخطر الحقيقي الذي يتسلل إلى عمق أقاليمنا الجنوبية : الاختراق الصهيوني، الذي صار اليوم يهدد ليس فقط قضيتنا في أقاليمنا الصحراوية، بل سيادتنا ووحدتنا الترابية وهويتنا التحررية ذاتها.لقد تابع المغاربة، ومعهم كل أحرار الأمة، مظاهر هذا الاختراق في السنوات الأخيرة؛ من زيارات مشبوهة إلى مشاريع “استثمارية” مشوبة بالأهداف الاستخباراتية، وصولًا إلى تحركات رموز الصهيونية السياسية والاستخبارية والعسكرية. وقد رأينا كيف تعمّد مجرم الحرب نتانياهو بنفسه التلويح بخرائط مقطّعة للمغرب، وكيف خرج مستشاره، الإرهابي بن شباط يتحدث عن ما سماه “الصحراء الشرقية” في محاولة واضحة لزرع لغمٍ جديد في الجسد المغاربي، تمامًا كما فعل أسلافهم في المشرق العربي.كما لا ننسى تصريح وزير خارجيتهم السابق، الإرهابي يائير لابيد الذي أطلق تهديداتٍ مباشرة ضد الجزائر من التراب المغربي نفسه، في خطوة استفزازية غير مسبوقة، كانت الشرارة التي أدت لاحقًا إلى قطع العلاقات بين المغرب والجزائر، في ضربةٍ قاسية لمسار الأخوّة المغاربية. إن هذه الوقائع ليست صدفة، بل هي جزء من مخططٍ متكاملٍ يستغل قضية الصحراء ليحوّلها إلى منصةٍ للاختراق الصهيوني والإمبريالي، ويضرب من خلالها الأمن القومي المغربي والمغاربي معًا. وهنا تكمن خطورة التطبيع الذي لا يقف عند حدود “العلاقات الدبلوماسية”، بل يتسلل إلى النسيج الوطني والمجتمعي والعقائدي، وهو ما يجعله في نفس مستوى خطورة الانفصال وأكثر .ولذلك نقول بوضوح:إذا كان للدولة إكراهاتٌ معينة أو حساباتٌ آنية في التعامل مع موازين القوى و”ضرورات” الدبلوماسية، فإن الشعب المغربي وقواه الحية لا يمكن أن تبرّر أو تتفهم أي تهاونٍ مع عدو الأمة، ولا أن تعتبر قرارًا سياسيًا صادرًا عن إدارةٍ أمريكيةٍ كـ”قرار ترامب” نعمة أو منّة.فصاحب هذا القرار هو ترامب نفسه الذي رعى نتانياهو وكيان الإبادة الجماعية، وهو شريكٌ في جرائم الحرب والمجازر التي تُرتكب اليوم في غزة المحاصرة، وفي العدوان على المسجد الأقصى وعلى مسرى الرسول الكريم ﷺ في أرض الإسراء. إن من يزرع ألغام التقسيم في الصحراء، ويغطي جرائم الإبادة في فلسطين، ويحتضن رموز الفاشية الصهيونية، لا يمكن أن يكون صديقًا ولا وسيطًا نزيهًا، بل عدوًّا للأمة كلها. ومن هنا وجب أن تكون اليقظة الشعبية والمجتمعية سدًّا منيعًا في وجه الاختراق الصهيوني، حمايةً للوحدة الوطنية والمغاربية، وصونًا للذاكرة التحررية التي بُنيت بدماء الشهداء لا بصفقات المطبّعين.

*آخر الكلام*

الصحراء في مغربها، والمغرب في صحرائه؛ بيت يسع الجميع على قاعدة الأخوة والعدالة وحفظ ماء الوجه لكل الأطراف. فلا غالب ولا مغلوب بين أبناء الوطن والمغرب الكبير، بل وحدة المصير المشترك في وجه كل أشكال الهيمنة والاختراق. *الخلاصات*

+ القرار الأممي انتصار ديبلوماسي، لا على الأشقاء الصحراويين والجزائريين، وإنما على واقع متخلف ومضر بالجميع، يتطلب التجاوز لكي نتمكن من التوجه للمستقبل . لكن معركة الوعي والسيادة لم تنتهِ بعد.

+ أي اختراق صهيوني هو طعنة في جسد القضية الوطنية.

+ الوحدة المغاربية هي الأفق الطبيعي لحسم النزاعات المفتعلة.

*التوصيات*

+ ترسيخ اليقظة الوطنية ضد التطبيع مع كيان الإجرام والتآمر الصهيوني والتسلل الأجنبي.

+ دعم المبادرات الوحدوية وكل أشكال التعاون بين الأقطار المغاربية؛ المغرب والجزائر وموريتانيا، وكذا تونس وليبيا .

+ تخليد الذاكرة النضالية لجيش التحرير ولرواد الوحدة المغاربية.

—————————

× ناشط حقوقي، باحث في علم الاجتماع السياسي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID