مراد العمراني الزكاري

الصين * الجزء الثاني *

مراد العمراني الزكاري برشلونة
الصين التى تحتل المرتبة الأولى عالميًا فى صناعة تعدين الذهب تسعى إلى عودة معيار الذهب ليحتل مكانته التاريخية كغطاءٍ للعملات المحلية، كجزءٍ من استراتيجية أكبر لإسقاط هيمنة نظام الاحتياطى الفيدرالى بالدولار الأمريكى على النظام المالى العالمى، ونسف مبادرة الـ«بترودولار» التى فرضها «هنرى كيسنجر» على العالم فى سبعينيات القرن المنصرم، والحد من التلاعب الأنجلوأمريكى فى بورصات الذهب العالمية.
لا تكتفى الصين بزيادة حصص إنتاج الذهب أو مشترياتها من سبائك الذهب من البورصات العالمية كمخزون استراتيجى للبنك المركزى فحسب، بل عمدت استراتيجية الحزام الاقتصادى إلى مساعدة الدول الغنية بالذهب غير المستغل فى مجال التعدين، ومن ثمة زيادة المخزون الاستراتيجى من الذهب لهذه الدول ما يدعم الاستقرار النقدى لها، وينعكس إيجابًا على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر، ومن جهةٍ أخرى تحث هذه الدول فى المستقبل، على الاشتراك فى معركة التحرر من هيمنة الدولار الأمريكى.
أسست بكين أكبر صندوق للذهب فى العالم باستثمارات بلغت «16 مليار دولار» لدعم مشاريع تعدين الذهب، يستفيد منه العديد من الدول الـ65 التى أعلنت انضمامها لمبادرة الحزام والطريق، التى تمثل ثلث الاقتصاد الكلى فى العالم وأكثر من نصف سكان العالم.
تم إنشاء صندوق استثمار الذهب كمرحلةٍ أولى على خطوط السكك الحديدية الرابطة بين الصين وروسيا عبر كازاخستان، بموجب اتفاقية شراكة استراتيجية أُبرمت بين «بوتين» و«شى» فى 11مايو2015، تنص على استخراج الذهب من منجم ناتالكا الروسى، وهو أكبر منجم للذهب فى روسيا.
وتسعى الصين للدخول بقوةٍ عبر صندوق استثمار الذهب إلى دول آسيا الوسطى التى تمتلك مخزونًا هائلًا من الذهب غير المستغل.
تأتى الصين فى المرتبة الأولى عالميًا إنتاجًا للذهب، فهى تنتج ما قيمته «450 طنًا» سنويًا، ويسير بنك الشعب الصينى بهدوءٍ نحو مشتريات «200طن» سنويًا.
أما القطب الاقتصادى الثانى فى الحزام والطريق- روسيا- فيحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث إنتاج الذهب، والثانية عالميًا من حيث تعدين الذهب بعد الصين. فبحلول عام 2016، أصبح احتياطى البنك المركزى «1474طنًا»، ولدى روسيا احتياطيات ضخمة من الذهب غير المستغل فى شرق سيبيريا.
وفيما يخص جنوب إفريقيا عضو مجموعة بريكس جنبًا إلى جنب مع روسيا والصين، فتأتى فى المرتبة السابعة من حيث إنتاج الذهب عالميا 150طنًا» سنويًّا.
أما أوزبكستان، عضو منظمة شنغهاى للتعاون مع الصين وروسيا أيضًا، فتحتل المرتبة الثامنة عالميا بعد إنتاجها «١1،2 طن» عام 2014.
إذًا لدينا أربع دول من شنغهاى- بريكس «الصين- روسيا – جنوب إفريقيا – أوزبكستان» فى مصاف أكبر ١٠ دول إنتاجًا للذهب، ولدينا دولتان فى المرتبة الأولى والثانية عالميا من حيث تعدين الذهب «الصين – روسيا».
فهل يمكن لقطبى الذهب تشكيل خارطة تعدين جديدة على طول مسارات الحزام الاقتصادى لطريق الحرير، تقضى على هيمنة الدولار الأمريكى، وتفك ارتباطه بالنفط؟.
وفى سياق فك الارتباط بين الدولار والنفط، أبرمت موسكو – بكين، اتفاقية للتجارة المتبادلة فى 2014، تتيح بنودها التعامل بالروبل واليوان.
وفى خطوة مدهشة وجريئة، ستدق المسمار الأخير فى نعش الدولار الأمريكى، بدأت الصين فعليًا إبرام عقود النفط الخام الآجلة باليوان الصينى، وأفصحت عن إمكانية تحويل قيمة هذه العقود إلى الذهب. وبالتأكيد هذا الأمر سيغير من توجهات دول منظمة الأوبك نحو اتفاقية البترودولار عاجلًا أم آجلًا، خاصةً مع احتمالات تحول الصين إلى مركز عالمى لتبادل الذهب فى غضون عقد.
هكذا يترقب المجتمع الدولى، بعد مبادرة الحزام والطريق، ولادة عالم اقتصادى موازٍ لاقتصاديات الغرب، يزحف من جهة الشرق الأوراسى، يحاول التخلص من هيمنة الدولار الأمريكى على النظام المالى العالمى، يستعيد معيار الذهب كغطاءٍ لسلة العملات، ويتضمن مؤسسات: بنك التنمية- صندوق احتياطى الطوارئ لمجموعة بريكس، بنك الاستثمار الآسيوى فى البنية التحتية، وكالات تصنيف ائتمانى آسيوية- أنظمة مدفوعات دولية صينية.
مؤسسات عالمٍ اقتصادى موازٍ جديد، يسير قدمًا نحو تحرر الدول من قيود مؤسسات بريتون وودز، وإملاءات الصندوق التابع لها، والقاطرة يقودها بحرفيةٍ شديدة وبخطواتٍ محسوبة جيدًا لاعبا الشرق الأوراسى «الصين- روسيا»، للتخلص من تبعية مؤسسات بريتون وودز، والقضاء على هيمنة الدولار الأمريكى فى غضون سنوات قليلة مقبلة، ما يعنى أن العالم سيشهد إصلاحًا فى النظام الدولى القائم على عدم التوازن بين الأمن السياسى والتنمية الاقتصادية، صنيعة مشروع مارشال الأمريكى، ووفقًا لإعادة تشكيل موازين القوى العالمية، سيبدأ العالم فى الدوران بموجب قوانين جديدة لعالمٍ متعدد الأقطاب.
وهذا ما أشار له بكل وضوح الرئيس الروسى فى بيان قمة الـ«بريكس» الأخيرة «سبتمبر2017» حينما قال:
«تشاطر روسيا مخاوف دول الـ«بريكس» من عدم عدالة الهيكل المالى والاقتصادى العالمى»، الذى لا يولى الاعتبار الواجب للوزن المتنامى للاقتصاديات الناشئة. ونحن على استعداد للعمل مع شركائنا لتعزيز الإصلاحات التنظيمية المالية الدولية، والتغلب على الهيمنة المفرطة على عدد محدود من العملات الاحتياطية».
كما لم ينس الرئيس المصرى فى كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة، الإشارة إلى أن العالم لا يزال عاجزا عن معالجة مكامن الخلل الكبرى فى النظام الاقتصادى العالمى، التى أفضت إلى زيادة الفجوة بين العالمين المتقدم والنامى.. ومن جانبنا نؤكد نهاية القرن الأمريكى وبداية القرن الأوراسى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube