احمد رباص

وزارة التعليم تلجأ للقضاء في إطار محاربة ظاهرة الهدر المدرسي في المغرب

أحمد رباص

يعيش عدد من الأطفال بقرى بني تيدجيت إقليم فكيك (شرق المغرب) خارج منظومة التربية والتعليم، رغم الخطط المختلفة التي وضعتها الحكومة لتعميم التعليم وجعله إجباريا إلى حدود سن 16 سنة.
تعترف مليكة، وهي من سكان المنطقة، بأن المدرسة بعيدة بعدة كيلومترات عن الأسر التي تقطن في أكواخ طينية ومعزولة عن بعضها البعض، لذلك تستنكف عن إرسال أبنائها، البنات بالأخص، أما الأطفال من كلي الجنسين، الذين تحدوا المسافة وحالفهم الحظ واستووا على مقاعد الدراسة، فإن مسارهم ينتهي عند المستوى الإعدادي.
.وتتوقع هذه المواطنة أن تنتهي مبررات بعض الأسر بعد توفير السلطات فرص النقل المدرسي المجاني للتلاميذ، لكنها تضيف أن هناك عائلات أخرى لن تتوانى عن منع بناتهم من استكمال تعليمهن الإعدادي في الداخليات التي أنشئت لغرض تقريب التلاميذ من المدرسة، لتفضيلهم تزويجهن في سن مبكرة.
ويزداد قلق الفاعلين التربويين بسبب أعداد المنقطعين عن الدراسة وخاصة في المرحلتين الإعدادية والثانوية، بالرغم من الجهود المبذولة لوقف هذا النزيف.
لهذا قررت وزارة التربية اللجوء للقضاء في مواجهة الأسر التي تحرم أبناءها وبناتها من حقهم في التعليم، ووقعت أخيرا اتفاقية مع رئاسة النيابة العامة بهذا الخصوص.
وأوضح الوزير سعيد أمزازي -في لقاء مع مسؤولين تربويين- أن هذه الخطوة تستند إلى الدستور، معتبرا أن مسؤولية ولوج التلاميذ للمدرسة تقع على عاتق الأسر والدولة، لذلك يقول: “وقعنا شراكة مع رئاسة النيابة العامة، وفي حال امتنعت أسرة عن أخذ ابنها للمدرسة يمكننا اللجوء إلى السلطات المحلية وبعد ذلك للقضاء”.

استنادا إلى الأرقام، بلغ عدد المنقطعين عن الدراسة خلال الموسم الماضي ما يزيد على 300 ألف تلميذ حسب بيانات رسمية، ضمنهم 160 ألفا في التعليم الإعدادي، وهو رقم مرتفع مقارنة مع المواسم السابقة. وغادر التعليم خلال الموسم الدراسي 2017-2018 حوالي 222 ألف تلميذ في المستويات الابتدائية والإعدادية، منهم 183 ألفا في الإعدادي.
هذه الأرقام تخلف أسئلة مفتوحة بالنظر للإصلاحات التي شهدتها منظومة التربية والتكوين منذ سنوات، والبرامج التي أطلقتها الحكومات لمكافحة التسرب الدراسي.
بهذا الصدد، يقول نور الدين العكوري رئيس الفدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ إن القانون الإطار للتربية والتكوين يتضمن النصوص التشريعية التي تنظم العلاقات بين جميع مكونات المؤسسة التعليمية، بما فيها الأسرة.
وأضاف – في تصريحه لوسائل الإعلام – أن جمعيات الآباء تطالب في كل مناسبة الوزارة بتوفير جميع الظروف والإمكانيات لتمكين جميع الأطفال من حقهم في التعليم، وبالمثل تطالب الأسر بتحمل مسؤولياتها في تسجيل أبنائها في المدارس وضمان استكمال التعليم الإلزامي.
وأشار المتحدث إلى أن تلويح وزارة التربية باللجوء للقضاء في مواجهة الأسر التي تمتنع عن إرسال أطفالها إلى المدرسة إجراء يدخل ضمن واجبها الذي ينص عليه القانون العام، وفي مصلحة التلميذ وحقه الذي تضمنه المواثيق الوطنية والدولية.
ولفت إلى أن بعض الأطفال يرغبون في متابعة دراستهم لكن أسرهم ترفض بدعوى الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وتعويلها على الطفل لتوفير دخل إضافي، وأحيانا يحدث انشقاق داخل الأسرة يدفع ثمنه الطفل بحرمانه من حقه في التعليم.
أما عبد الصمد الزياني رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الهدر المدرسي، فيرى وجوب حل أسباب التسرب الدراسي المتعددة والمتراكمة قبل اللجوء للمحاكم والقضاء.
ففي نظره، القضاء يعالج المسألة من ناحية قانونية صرفة، ولا يمكنه معالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها الأسر التي ينقطع أبناؤها عن المدرسة.
وأشار إلى أن بعض ممثلي السلطات يتدخلون بشكل ودي وتطوعي لترغيب الآباء في تسجيل أبنائهم بالمدرسة، وتذليل الصعوبات التي تمنعهم من ذلك، وخاصة خلال الحملات الخاصة بالتسجيل في بداية المواسم التعليمية، وهي الحملات التي يتجند لها أعوان السلطة، وهذا العمل قد يؤتي ثمارا أكثر من مسار التقاضي.
وفي نظر الزياني، فإن البرامج التي أطلقتها الحكومات المختلفة لمنع التسرب الدراسي مهمة، والميزانيات المرصودة لها كبيرة، لكنها تصطدم بتحديات وإشكالات في تطبيقها على أرض الواقع وتوجيهها ليستفيد منها مستحقوها.
وأمام قصور الخطط الحكومية المعلنة عن الوصول لنسبة 100% في تعميم التعليم، والاحتفاظ التلاميذ في مقاعدهم المدرسية إلى حدود سن 16 على الأقل، يبقى التساؤل ملحا: هل يكون القضاء آخر دواء تعالج به المملكة ظاهرة التسرب المدرسي المعقدة أم سيزيدها تعقيدا؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube