احمد رباصسياسةمستجدات

بوعيدة البرلماني تحت المجهر

أحمد رباص – حرة بريس

أعادت المحكمة الدستورية الاستاذ الجامعي الشهير عبد الرحيم بوعيدة إلى قبة البرلمان. وفي التفاصيل أن نفس المحكمة اقرت بفوز المرشح المذكور عن حزب الاستقلال بمقعد في البرلمان عن الدائرة المحلية كلميم، وإلغاء بالتالي انتخاب محمد الرجدال عن حزب التجمع الوطني للأحرار.
بحسب القرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية يوم أمس الخميس، تم إلغاء ما أعلنت عنه لجنة الإحصاء من إسفار الاقتراع الذي جرى يوم ثامن سبتمبر الماضي عن انتخاب المرشح “الأزرق” نائبا برلمانيا عن الدائرة المحلية لإقليم كلميم.
في المقابل، أعلنت المحكمة عن فوز عبد الرحيم بوعيدة بانتخابه عضوا في مجلس النواب بعد أن ترشح باسم حزب الميزان في الانتخابات المشار إليها آنفا.
كان رسوب بوعيدة في تلك الانتخابات قد أثار جدلا وخرجت مظاهرات بكلميم تندد بالتزوير الذي لحق محاضر التصويت. وفعلا، كشفت المحكمة الدستورية أن المحاضر تعرضت للتزوير عن طريق تحويل، بقدرة قادر، الكثير من الأصوات التي كانت لصالح بوعيدة إلى أصوات ملغاة، رغم أنها صحيحة، حتى يتضح الفارق بينه وبين مرشح “زرقاء اليمامة”.
إلى هنا، الأمر عادي جدا. لكن منذ انتهاء الانتخابات بأبعادها الثلاثة (برلمانية، جهوية، محلية)، والأستاذ بوعيدة يرتب خروجا إعلاميا تلو خروج إعلامي ليقول في حكومة أخنوش ما قاله مالك في الخمر. وبعبارة أخرى، طيلة هذه المدة الفاصلة بين موعد الانتخابات الأخيرة ولحظة صدور حكم المحكمة الدستورية، مارس بوعيدة معارضة حامية الوطيس ضد الحكومة التي آلت رئاستها إلى حزب التجمع الوطني للأحرار الذي اقتسم مع حزبي الاستقلال والبام باقي مناصبها ومواقعها.
ظل بوعيدة وفيا لهذا الدور كمواطن مهتم بالشان السياسي وكأستاذ جامعي. وهنا، يحق لنا أن نتساءل: لماذا لم يلذ بالصمت في انتظار صدور قرار المحكمة التي تقدم لديها بملف الطعن في فوز الرجدال بالمقعد البرلماني الذي هو أحق به؟ أم أن اللسان ما فيه عظم، كما يقول عموم المغاربة؟ ألم يلاحظ الحرج الذي تسبب فيه لنفسه عبد اللطيف وهبي عندما سقط ضحية مفارقاته بين ما فاه به من كلام جارح في حق أخنوش قبل الانتخابات وبين تهافته بعدها على اقتسام كعكعة الحكومة برئاسة الدومالي الذي توعد المغاربة ذات مقاطعة بأن يعيد تربيتهم، فإذا به يجد اليوم نفسه، افتراضيا وواقعيا، مطاردا من قبل هؤلاء المغاربة بعدما اكتووا بأسعار الوقود الملتهبة جدا وبشكل استثنائي وغير مسبوق.
عبد الرحيم بوعيدة، رغم أنه أستاذ جامعي مشهود له بالكفاءة الأكاديمية، اختار في سياسته، أو بالأحرى، استراتيجيته التواصلية، باعتباره كائنا انتخابيا، الطريقة الشفوية المدعمة بالصوت والصورة، عوض التواصل بالكتابة التي تقتضي استعمال لغة عالمة ومفاهيم يصعب استيعاب مضامينها من قبل سواد الأمة الذي هو في أمس الحاجة إلى سنده ومدده.
لهذا السبب، يتجه طرا الباحث عن أدلة تثبت تورط بوعيدة في انتقاد الحكومة الحالية بمكوناتها الثلاثة خلال المدة الزمنية المشار إليها أعلاه صوب اليوتوب. هنا، توجد حزمة من أدلة ذات طبيعة بصرية سمعية، أختار منها شريط فيديو واحدا بث قبل ثلاث اشهر من الآن وبعد مرور خمسة أشهر تقريبا على تنصيب الحكومة الحالية. اختير لهذا الفيديو عنوان ذو دلالة بالنسبة لموضوعنا؛ ألا وهو “بوعيدة: حزب العدالة والتنمية انتهى ولا يمكن تعليق المشاكل عليه”.
أمام حضور مؤلف في غالبيته من شبان وشابات كما يستشف من كلامه، استهل بوعيدة “محاضرته” بالتعبير عن حاجتنا إلى التشاؤم داخل وطننا، وكان ما يقع لنا فيه من محن ومآس ليس باعثا على التذمر والاستياء. ثم مباشرة بعد ذلك هون من مهمة تشخيص واقعنا السياسي ورآها سهلة الإنجاز، معلنا أننا أمام سياقين: سياق ما قبل انتخابات 8 سبتمبر وسياق ما بعدها.
ففي ما قبل، كان لدينا فاعل سياسي واحد قاد الحكومة وهو حزب العدالة والتنمية الذي انتهى اليوم بما له وعليه، بتجربته السياسية التي بفضلها، سواء اتفقنا او اختلفنا معها، تبقى له بصمته السياسية. ولكن يجب التوقف عن تعليق جميع المشاكل المطروحة اليوم على بقايا العدالة والتنمية. وربما كان من السابق لأوانه بالنسبة لبطل الفيديو الاطلاع على رد بنكيران، بصفته أمينا عاما لتلك البقايا في ولاية ثانية، على أخنوش في تلك النقطة بالذات: إلا ما درتش أنا شي حاجة ديرها انت. وبحكم مكره السياسي وباعه الطويل في أسلوب “الحلايقي ” بحيث يبدو أمامه بوعيدة كتلميذ مبتدئ في هذا المجال، حكى بنكيران قصة الفقيه المكلف بإقراء الأطفال القرآن وإمامة الصلاة في مسجد أحد الدواوير، وكيف أن الفقيه الذي جاء ليحل محله لسبب من الأسباب لاحظ أثناء مدة التسليم (passation) أن المصلين يقيمون الصلاة بلا وضوء، فالتفت إلى زميله سائلا إياه عن هذا الأمر الشاذ، ليجيبه بانه علمهم كيف يصلون ويبقى عليك أن تعلمهم كيف يتوضأون.
يقول بوعيدة إنه لا يدافع عن البيجيدي وليس ناطقا باسمه، بل يعبر عن رأيه كمواطن مغربي وأستاذ جامعي لا أقل ولا أكثر (بل ككائن انتخابي يوظف في تواصله اللهجة العامية بدل اللغة العربية الفصيحة – ملحوظة المحرر). لهذا، فهو يمتلك الشجاعة الأدبية لتسمية الأشياء بأسمائها (وليس بمسمياتها كما قال صاحبنا الأستاذ الجامعي، لان في قوله ذلك تحصيل حاصل، فالمسميات هي الأشياء وكأنه قال: أسمي الأشياء بأشيائها).
المهم، وفق المتحدث، أننا انتقلنا من سياق كان يحدونا خلاله امل في انتخابات حرة وديمقراطية، وانتقلنا بعد الانتخابات، بسيئاتها وحسناتها، إلى سياق آخر ظهر فيه فاعل جديد فاز بأكثر من 102 مقعدا داخل البرلمان، وحاز على أغلبية حكومية منسجمة لا تتألف من أحزاب كثيرة، بمعنى لا وجود فيها للبلقنة. لدينا ثلاثة أحزاب يقود أولها الحكومة: الأحرار – البام- الاستقلال. وكان من المفترض في حكومة بهذه المواصفات أن تسير بسرعة TGV، وليس بسرعة السلحفاة. لكن الملاحظ أن وعودا انتخابية كبيرة وزعت في ما قبل الانتخابات، وبما أن المغاربة شعب جميل جدا فقد صدق الوعود من قبيل: تعميم زيادة 2500 درهم على سائر أجزاء الدولة، التكفل بالمطلقات والأرامل والشباب، الرفع من الحد الأدنى للأجور، إدماج أساتذة التعاقد في النظام الأساسي للوظيفة العمومية…
هذه أحلام كبيرة، كما لاحظ الأستاذ عبد الرحيم بوعيدة، مع أنها تبدو مبدئيا مشروعة لأن من حقنا كمغاربة أن نعيش في وطن يضمن لنا الكرامة الإنسانية. لكن، عندما استلمت الحكومة زمام الأمور لم نحتج إلى سنوات طوال لكي نكتشف السر المكنون. كانت مدة شهرين أو ثلاثة كافية لنعرف الاتجاه الذي تسير فيه هذه الحكومة.
بطبيعة الحال، يواصل بوعيدة، لا يمكن تحقيق تلك الوعود في ظرف شهر أو شهرين، ولكن عندنا مثل في المغرب يقول: قالو ليها باك مات، قالت ليهم من الخيمة مشى مايل. فإذا كانت المقدمات خاطئة، فأكيد أن النتائج خاطئة. واتضح منذ البداية أن الفاعل الجديد جاء ليخدم مصالح معينة، ولا تعوز المتحدث أمثلة وأدلة بهذا الصدد تؤهله ليحلل بتجرد واقعا سياسيا، ونجعله يرفض كذي عقل هذا العبث الذي تدحرج له اليوم العمل السياسي.
تتمة لكلامه، يتساءل بوعيدة: ما هي معضلة البلاد؟ جوابا على هذا السؤال، ينبه الأستاذ “المحاضر” إلى أن البلاد تعاني في الأساس من منظومة فاسدة أعطتنا مراكز متدنية على مستوى التنمية، والدليل على ذلك أن تقريرا صدر البارحة أو تلك التي قبلها ذيل المغرب في آخر ترتيب على سلم الدخل الفردي ليقبع خلف دول تعيش تحت وطأة حروب ومشاكل أخرى. فعندما جاءت هذه الحكومة كان أول إجراء قامت به هو سحب قانون تجريم الإثراء غير المشروع، ما يعني أنه تم تحييد السؤال المنطقي والجوهري في البلاد. وهنا شعر المتحدث بلبس أراد رفعه حتى لا يساء فهمه، وهو أنه ليس ضد الثروة وليس ضد رجال الأعمال الذين راكموها بعرق جبينهم أو بتنمية ما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، الله يعاونهم، ولكنه ضد من يدخل إلى المجالس المنتخبة معدما ويخرج منها ميسورا، ولا أحد يقول له: من أين أتاك هذا؟ والإشارة التي يود بوعيدة إرسالها من خلال كلامه هي أن كل من دخل و”دار لاباس” من المشهد السياسي أو الحياة السياسية أو الممارسة السياسية لا خوف عليه ولا هم يحزنون. يبقى بخير وعلى خير.
إذن، ها هي الحكومة عاجزة عن التصدي لمنظومة الفساد الذي تعاني منه البلاد وينخر صناديق الدولة وخزينتها.
وفي سياق متصل، تحدث بوعيدة عن وزير العدل والضجة التي أثارها على إثر الكشف عن نيته تكبيل المجتمع المدني ومنعه من تقديم شكايات تفضح اختلاس المال العام، مشددا على أن من الجمعيات ما لها حرقة على المال العام وينتابها الخوف على مصير البلاد، باستثناء تلك الجمعيات التي تفبرك الشكايات الكيدية والتي جمعها الوزير وتلك الجادة في سلة واحدة. وفي الحقيقة المال العام ملك للدولة والشعب والقانون نفسه يجرم اختلاسه وتبذيره، كما أن الدستور يعترف للمجتمع المدني بالمواطنة، وبوأه مكانة كشريك من حقه أداء دوره كمراقب داخل المحالس الجهوية والجماعات الترابية.
وفي الأخير، لاحظ بوعيدة كمواطن سكونا وصمتا رهيبين، على خلاف الضجيج الذي صاحب المرحلة التي كان فيها حزب العدالة والتنمية يترأس الحكومة.
وفي الأخير لابد من طرح مجموعة من التساؤلات عن مستقبل بوعيدة البرلماني.
1- هل سيغير موقفه من حكومة أخنوش؟
2- هل سيتراجع عن إستقالته من حزب الإستقلال؟
3 – هل له القدرة على نقل كل ما كان يقوله في وسائل التواصل الاجتماعي إلى قبة البرلمان وبنفس الجرأة والشجاعة الأدبية التي سوف نتبين ما إذا كان اهلا لها كما قال في الفيديو ام كان يتبجح بها فقط؟
4- هل سيقدم إستقالته من البرلمان ويقاضي وزارة الداخلية التي قامت بتزوير الإنتخابات كما كان يدعي ونصفته المحكمة الدستورية؟
5 – هل سيقبل بالدور الجديد الذي أختير له من أجل محاربة حكومة أخنوش و المساهمة في إسقاطها حسب ما يروج في بعض الأوساط؟
6- وهل سيتسلم مهامه كنائب برلماني بدعوى أن ما قاله قبل صدور الحكم النهائي صدر عنه كمواطن وأستاذ جامعي وهو اليوم نائب مشرع، وشتان بين اليزيدين في الندى، كما قال الشاعر؟

7- لماذا عبر في ثنايا “محاضرته” عن احترامه وتقديره لوهبي رغم المآخذ، في حين لم يعامل أخنوش بالمثل؟ هل لأنه طرده من الحزب الأزرق شر طردة؟

8- باي وجه سوف يقابل نزار بركة الذي عاتبه، بطريقة مبطنة، على عدم وفائه بما وعد به الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد بتسوية مشكلتهم وإدماجهم إسوة بموظفي الدولة، لا سيما وبوعيدة صار الآن عضوا ضمن فريق الوحدة والتعادلية في مجلس النواب؟
وخلاصة القول أن بوعيدة اصبح، بعد قرار المحكمة الدستورية المنصف له، في مفترق الطرق. وراءه المدة التي صال وجال فيها معارضا لحكومة أخنوش وكأن اليأس من الإنصاف بلغ منه مبلغا، وأمامه انفتح درب مفض رأسا إلى الانضمام إلى الأغلبية الحكومية التي اتهمها بالأمس القريب باقدح النعوت، ليس اقلها قبحا العجز عن محاربة منظومة الفساد التي قهرت العباد ونخرت البلاد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube