مراد العمراني الزكاري

الإمبراطورية الكونية والنظام العالمي الجديد ( الجزء الاول)

بقلم : مراد العمراني الزكاري برشلونة محاضر وخبير استراتيجي بالمركز الأوربي للإعلام الحر.

نستهل هذا المقال بمقتطع من مذكرات دافيد روكفولر إمبراطور النفط في العالم.:يعتقد البعض أننا (عائلة روكفلر) جزء من عصابةٍ سرية تعمل ضد المصالح الفضلى للولايات المتحدة، وتصف عائلتي وأنا، بالأممية، وبالتآمر مع الآخرين حول العالم، لبناء هيكلٍ سياسي واقتصادي عالمي متكامل – عالم واحد، إذا كانت هذه هي التهمة، فأنا مذنب، وأنا فخور بذلك”بسقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية رسميًّا نهاية الحرب الباردة، وبداية (النظام العالمي الجديد) الذي أفصح عنه الرئيس الأمريكي (جورج بوش الأب) سنة 1991، كعالم يسوده الوئام والسلام تحت شعارات (الليبرالية الجديدة) وكأنما يستدعي مبادئ تأسيس منظمة التنويريين، وفي حقيقة الأمر لم يكن إعلان بوش سوى عولمة للحرب الباردة، في اتساقٍ كامل مع الثورة العالمية لآدم وايسهاوبت التي أفصحت عنها في مقال سابق أي أن واشنطن خدعت العالم برواية انتهاء الحرب الباردة، وإحلال السلام، للتستر على نواياها الحقيقية الخاصة بعولمة هذه الحرب، بهدف ضمان هيمنة القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية على رقعة الأوراسيا، وبعبارةٍ أخرى كما قال (جورج واشنطن): «الانفتاح في كل الاتجاهات، والسريان في عروق الكرة الأرضية، الشيء الذي سيسمح للولايات المتحدة، التوسع بمصالحها الاقتصادية». ولهذا ظل المسار الأيديولوجي التاريخي لشعب الله المختار، تلك الأمة المشمولة بالعناية الإلهية، يسير وفق مبدأ (المصير المحتوم).. تلك العقيدة القدرية التي تفلسف السياسة الخارجية الأمريكية في حقبة ما بعد السوفياتية، فالولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة القدرية التي يجب أن لا تخضع للقوانين الوضعية أو القانون الدولي، وكما نجحت في نشر مذهبها، ونظام فيدراليتها، على أراضي الأمريكتين، فقد حان الوقت بمشيئة الله أن تنشر مذهبها ونظام فيدراليتها على العالم أجمع، تلك الأيديولوجية التي حملت بذرة المغالاة القادمة داخل حقائب طلائع المهاجرين وموجاتهم المتلاحقة من إنجلترا وهولاندا وغيرها من دول أوروبا المنكوبة، جراء حرب الثلاثين عامًا، إلى الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، وفقًا لتعاليم الكالفينية التي تقول:«إذا سمح الله أن يجتمع في الأرض الأمريكية شعب من رجال ونساء اختيروا من قبل الله، ذلك لأنه مناط به حكم العالم ذات يوم».أي تطبيق نموذج الإمبراطورية الكونية لأتباع جون كالفن، وآدم وايسهاوبت، والآباء المؤسسين، تحت مسمى (النظام العالمي الجديد) بعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية، القوة الأولى والأوحد في عالم أحادي القطبية، ويجب الآن على جميع الدول والشعوب الانصياع للجانكي الأمريكي.انصياع عبر عنه الأديب والفيلسوف الأمريكي (هرمان ملفيل) في القرن التاسع عشر قائلًا:«نحن الأمريكيون شعب مختار متميزون… نحن إسرائيل زماننا… نحن نحمل سفينة نوح الخاصة بالحريات العالمية المشتركة… لقد خص الله شعبنا بالقضايا الكبرى، والبشرية تنتظرها منا… القضايا الكبرى تعيش في نفوسنا، وبقية الشعوب ستسير خلفنا عما قريب… نحن رواد البشرية، طليعتها التي بعثت كي تعبر الصحراء إلى حيث لم تطأ الأرض قدم إنسان».كلمات (هرمان) تدل على محاكاة واضحة لـ (سفر التكوين) في العهد القديم، وتعبر عن العقيدة البوريتانية ومرجعيتها من التلمود، وتعكس الأسس النظرية للهيمنة والإمبريالية الأمريكية.وعلى هذا وبنفس آليات وديناميكيات خطط تحلل أيديولوجية الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة، شرعت أمريكا في تنفيذ هذه الخطط ما بعد انهيار جدار برلين، وعلى جميع الجبهات التي واجهت عليها الاتحاد السوفياتي؛ الجبهة الثقافية (حرب أفكار) – الجبهة العسكرية (غزو عابر للحدود) – الجبهة الاقتصادية (اقتصاد السوق الحرة) – الجبهة السياسية (تغير الأنظمة الحاكمة).وهذه المرة ليست فقط على مساحة دول الاتحاد السوفياتي القديم، إذ امتدت المعارك القدرية وفق العقيدة البوريتانية، لتطال مختلف دول العالم تحت شعارات ومفردات لغوية ديمقراطية صنعتها مراكز أوعية الفكر الأمريكية، وروجت لها الآلة الإعلامية الكوربوقراطية، والهدف هو التأكيد على القرن الأمريكي، أو باكس أمريكانا.هذا ما دفع بوش الأب، الإعلان عن ميلاد نظامٍ عالميٍّ جديد سنة 1991؛ أي نظام الكونية، أو نمط الحياة الأمريكية الذي يسود العالم بأسره، واتساقًا مع هذا النظام تم الإعلان عن تأسيس (منظمة التجارة العالمية) سنة 1995، كسلطةٍ ثالثة بجوار سلطة صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي……يتبع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube