فيسبوكيات

كلمات : من التهامي إلى المهداوي .. ومضة على عنوان منذر بخراب الوطن

*كلمات*

.. في ال “un petit mot” !

———————————

*من التهامي إلى المهداوي .. ومضة على عنوان منذر بخراب الوطن*

د. أحمد ويحمان

لم يكن الفيديو المُسرَّب لاجتماع لجنة الأخلاقيات والتأديب بالمجلس الوطني للصحافة حدثًا عابرًا، ولا “زلة لسان” تقتصر على انحطاط الخطاب أو سقوط الأخلاق المهنية؛ بل كان صدمة سياسية وقضائية كاملة، لأنه كشف ـ لأول مرة بالصوت والصورة ـ منطقًا رهيبًا يجري به تدبير العدالة في هذا البلد . في لحظة واحدة، قال رئيس اللجنة المؤتمنة على الأخلاق ما لم يكن يجرؤ أحد على قوله علنًا :إن “الانتهاء من أمر الصحفي حميد المهداوي” لا يحتاج سوى «un petit mot» من رئيس النيابة العامة، السيد عبد النبوي ! . قالها متوجها، وطالبا اداء هذه المهمة من رئيس اللجنة المؤقتة الذي كان رئيساً للمجلس !!!

■ *”الكلمة الصغيرة” .. التي تكشف الخراب الكبير*

لم تكن تلك العبارة مجرد انزلاق لغوي؛ بل كانت مفتاح فهم نظام كامل :نظام يراد فيه للقضاء أن يدار بـ«كلمة صغيرة»، لا بالقانون ..نظام تتحدد فيه مصائر الناس بحسب النفوذ، لا بحسب النصوص .نظام لا استقلال فيه للسلطة القضائية إلا في الخطب والبيانات. وما يجعل وقع هذه العبارة أشد فتكًا هو أنها تُعيد فتح جرحٍ لم يندمل في جسد الوطن منذ ثمانية عشر عامًا : جرح الشاب المغدور؛ التهامي بناني.

■ *التهامي بناني… مثالا لسياسة “الكلمة الصغيرة”*

التهامي بناني، الشاب الذي تقول الوقائع التي راجت في المحاكم إنه اختُطف، وقُتل بوحشية، وقُطّع إربًا إرباً، وربما اغتُصِب، ثم… حُفِظ ملفه !حُفِظ، رغم كل علامات الجريمة، ورغم وضوح القضية وأطرافها منذ البداية .. :– أسئلة المحاضر الأولى عند الأمن وعند مصالح الدرك الملكي ..– أسئلة الطبيبة الصبانة التي أُريد طمسها ..– إخفاء معالم الجريمة؛– القبر الذي قُدم للعائلة على أنه قبر ابنهم، فإذا به قبر امرأة !– ثم ما يُقال، وما يزال يُتداول، عن أن الجريمة وقعت في منزل شقيق مسؤول كبير جدًا في الأمن الوطني آنذاك…… ومع كل هذا، صدر قرار حفظ الملف، لولا أن المرحوم محمد بوزوبع، وزير العدل وقتها، رفض أن يقبل هذا العار، فأمر بإعادة فتح الملف.. ومنذ ذلك اليوم إلى اليوم…ثمانية عشر عامًا، والملف يتجرجر أمام المحاكم، وكأن العدالة تُساق إلى الإعدام البطيء.

■ *منطق واحد… من التهامي إلى المهداوي*

اليوم، ومع فيديو لجنة الأخلاقيات، نكتشف أن منطق “الكلمة الصغيرة” لم يكن استثناءً في قضية التهامي…بل هو القاعدة .في ملف الشاب التهامي :«un petit mot» بتم حفظ الملف رغم بشاعة الجريمة ! وفي ملف المهداوي :«un petit mot» كان مطلوبًا لإدانة وسجن صحفي رغم أن القانون يمنحه حماية خاصة .. حماية خاصة وليس اي امتياز !ولعل أهم ما تم انفضاحه هنا هو ما كشفه تصريح وزير العدل؛ خصم المهداوي في المحكمة عندما برر الالتجاء للقانون الجنائي بدل قانون الصحافة بكون المهداوي لم تجدد له بطاقة الصحافة ! .. أي أنه فقد صفة الصحفي ولم يعد ينطبق عليه قانون الصحافة !!! هكذا انكشف اللعب كله مع الفيديو المسرب والمداولات “السرية” لما يسمى أخلاقيات المهنة والتأديب !!! وانفضح لماذا، ضدا على القانون، تم حرمان الرجل من بطاقته لكي يعبّدوا طريقه إلى السجن ! وبطلب التدخل السريع لدى رئيس النيابة العامة ! حتى لا يفلت وحتى تتم ” رزايته” في رزقه على حد تعبير إحداهن !!!هنا تُغلق العدالة بكلمة.وهناك تُفتح العدالة بكلمة.وفي الحالتين :يتبين أن العدالة ليست صاحبة القرار !

■ *المفارقة القاتلة : حاميها حراميها*

كيف يمكن لمن يمثّلون “الأخلاقيات” أن يتحدثوا بلغة السوق، بفظاظة تتجاوز قاموس البلطجية؟ كيف يصبح من أوكلت إليهم مهمة حماية “شرف المهنة” هم أنفسهم من يطلبون تسخير القضاء لتصفية حساب جهات خارج الجسم المهني مع زميل لهم ؟ وكيف يصبح من يفترض أنهم “حماة الأمن” هم المتهمون ـ بما يُتداوَل منذ سنوات ـ في أكثر الملفات ظلمة في تاريخ المغرب؟ إن الدولة التي تختلط فيها هذه الأدوار هي دولة يتآكل أساسها .. والتاريخ لا يرحم الدول التي تفرّط في عدالتها.

■ *العدل أساس الملك… وخرابه خراب العمران*

حين قال ابن خلدون إن الظلم إيذان بخراب العمران، لم يكن يقرأ المستقبل؛ كان يصف قانونًا أبديًا.وما نراه اليوم ـ من التهامي إلى المهداوي، مرورا بكل الملفات المماثلة لها ـ ليس أحداثًا منفصلة، بل حلقات في سلسلة واحدة :سلسلة انهيار العدل ! .

وإذا انهار العدل، فسيسقط كل شيء من بعده :الثقة، المؤسسات، السلم الاجتماعي، والشرعية نفسها . مرة أخرى، سنكون إزاء ما يسميه علماء الاجتماع منذ دوركهايم ب ” الأنوميا “؛ أي حالة من الفوضى الاجتماعية حيث تنعدم المعايير !

■ *آخر الكلام*

إن ملف التهامي بناني يصرخ منذ 18 عامًا :إن العدل لا يمكن أن يختنق بـ«كلمة صغيرة».وملف المهداوي يصرخ اليوم :إن الظلم، أي عنوان الخراب العام، لا يمرّ إلا حين يصبح “الكلام الصغير” أقوى من القانون .

إن حماية ما تبقى من الدولة تبدأ من هنا :من تحييد ال «un petit mot»… ومن إعادة العدل إلى مكانه الطبيعي :فوق الجميع، لا تحت أقدام أصحاب النفوذ .

نقول قولنا هذا .. وآخر دعوانا أن اللهم اسق عبادك وبهائمك !

—————————×

باحث في علم الاجتماع السياسي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID