فيسبوكيات

عميد الوحدة العربية… حين يُكرَّم الوفاء

أحمد ويحمان

ليس تكريم المفكر والمناضل الكبير معن بشور (أبو ربيع) في إسطنبول حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل هو لحظة وفاء نادرة في زمن شحيح بالوفاء، واعتراف مستحق بقامة وحدوية استثنائية، اختزلت في مسيرتها ما يقارب سبعة عقود من النضال من أجل الوحدة والتحرير. عرفتُ أبو ربيع قبل حوالي ثلاثة عقود، منذ أول لقاء جمعني به، حين قدّمه لي مسؤول المقاومة وجيش التحرير المغربي، الفقيد محمد الفقيه البصري، مباشرة بعد عودته من المنفى، في منتصف تسعينات القرن الماضي. ومنذ تلك اللحظة، لم يكن أبو ربيع مجرد مفكر أو مناضل عابر في حياتي، بل صار أخًا عزيزًا ورفيق درب وأحد كبار أساتذتنا في معنى الالتزام القومي والإنساني. كان أبو ربيع من الرواد المؤسسين للمؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي، ومن كبار رموز الأمة، ومن أبرز الوحدويين في جيل يمكن تكثيفه في مفردتين : *الوحدة والتحرير* . جيل عاش على إيقاع الآمال الكبرى بعد الاستقلالات المرتبكة، وواجه البدائل المجهضة، وتقلّب بين الانتصارات والانكسارات، دون أن يفقد بوصلته يومًا. عاش أبو ربيع مختلف مفاصل التاريخ العربي الراهن : من بغداد إلى بيروت، ومن الكويت إلى المنامة، ومن الرباط إلى الجزائر وتونس، مرورًا بكل عواصم الأمة. لم يكن مجرد شاهد على التاريخ، بل كان فاعلًا فيه، حاضرًا في جبهات التحرير، ورفيقًا للقيادات، وضميرًا يقظًا في ساحات الفكر والثقافة والعمل القومي. وكان، قبل كل ذلك وبعده، إنسانًا من طراز نادر. مهمومًا بالمناضلين والمناضلات في كل الساحات، يسأل عن المرضى، يتصل بالمستشفيات، يتابع أوضاع المقاومين، يستفسر عن عائلات الشهداء والأسرى. ولم يكن بيته إلا امتدادًا لهذا القلب الكبير : بيت مفتوح على الدوام، يلتقي فيه اليساري والإسلامي، السني والشيعي، المسلم والمسيحي، السياسي والحقوقي، الفيلسوف والاقتصادي، المؤرخ والأديب، الشاعر والفنان عالم العلوم الدقيقة وخبير من خبراء الطراز الأول على المستوى الأممي … وتظل المظلة الجامعة دائمًا هي القضية والإنسان. أما الحديث عن أبو ربيع، ورفاقه وجيله فلا ينتهي :خير الدين حسيب، سليم الحص، محمد الفقيه البصري، عبد الحميد مهري، محمد عابد الجابري …كما لا ينتهي الحديث عن رفاقه في ساحات الفعل المباشر :ياسر عرفات، أبو جهاد، جورج حبش، السيد حسن نصر الله، إسماعيل هنية، حمدين صباحي، عبد المنعم أبو الفتوح فك الله أسره وأسر كل أسرى الأمة وعلى رأسهم القائد مروان البرغوثي الذي تعرفت على زوجته المناضلة الكبيرة فدوى البرغوثي في منزل أستاذنا معن …وجميعهم شهود على أن أبو ربيع لم يكن يومًا في الظل، بل كان دائمًا في قلب المعنى.. وفي قلب الجميع .

لذلك، فإن لقب “عميد الوحدة العربية” ليس وصفًا شاعرًا، بل هو توصيف دقيق لمكانة رجل يمكن تكثيف مسيرته الطويلة في قيمة أخلاقية وإنسانية واحدة : الوفاء.وفاء للفلسطين، وفاء للعروبة، وفاء لفكرة الوحدة، وفاء للمناضلين، وفاء للأصدقاء، وفاء للذاكرة، ووفاء للإنسان حيث وجد بمرجعية فكرية تقدمية لا تهادن في المباديء .

شكرًا لكل من فكّر في هذا التكريم المستحق، وفي هذا اللقب الموفق الذي أصاب جوهر الرجل.أبو ربيع هو رمز التحرير، ورمز الوفاء، ورمز الوحدة.أبو ربيع هو حقًا… عميد الوحدة العربية.

ندعو لك استاذنا الغالي بموفور الصحة والعافية وطول العمر وبحضورك ولو جانبا من التحرير والوحدة؛ هذين الاستحقاقين الذين اعطيتهما كل حياتك وأعطياك محبة جميع الحرائر والأحرار في الأمة .

رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID