فيسبوكيات

كلمات* .. في يقظة الضمير الانساني و السبات العربي

أحمد ويحمان × توصلتُ، قبل قليل، بمقطع فيديو يوثّق مداولات ومداخلات برلمانياتٍ وبرلمانيين داخل البرلمان الكتالوني، وهم يناقشون مشروع القرار التاريخي الذي صدر في صيغته النهائية وأدان الصهيونية وعدّها شكلًا من أشكال العنصرية. ذلك المشهد المفعم بوهج الضمير الإنساني، بما حمله من صدقٍ وجرأةٍ أخلاقية، جرَّ ذهني مباشرةً إلى الوقفة، قبل أيام ايضا، أمام مبنى البرلمان بالرباط حيث تحدث الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، الأخ عزيز هناوي، عن فضيحة مدينة الصويرة التي أصبحت، على حد قوله، “مستوطنة الصويرة”، في إشارة دقيقة منه إلى ما آل إليه حالها من خضوع للنفوذ الصهيوني برعاية المستشار الملكي أندري أزولاي. ثم حملني الخاطر من برشلونة إلى مدينة پاليرمو الإيطالية، حيث كنتُ، قبل أيامٍ كذلك، في قلب مسيرة الغضب التي عمّت المدن الإيطالية في إطار الإضراب العام تضامنًا مع غزة وإدانة لمذابح الجيش الإسرائيلي في حق الأطفال الفلسطينيين، وسمعتُ بنفسي صيحات المحتجين وهي تملأ الشوارع : * « من نابولي إلى غزة … المقاومة هي الكرامة ! »* حين يصحو الضمير الإنساني، لا يحتاج إلى تذكير ولا إلى “صفقة قرن” ولا إلى وسام من ذهب؛ بل يكفيه أن يرى طفلاً يُنتشل من بين الركام، أو يسمع أنين أمٍّ فقدت أبناءها تحت القصف، ليقف في وجه الجلاد بلا تردد. وهذا بالضبط ما فعلته كتالونيا الإسبانية حين أصدرت، بقرار رسمي من برلمانها، إدانةً لكل أشكال العنصرية، بما فيها الصهيونية، واضعةً هذه الإيديولوجية الإجرامية في خانة واحدة مع النازية والفاشية.إنه القرار رقم 341/XV الصادر عن البرلمان الكتالوني¹، والذي يعيد إلى الأذهان القرار الأممي الصادر سنة 1975 القاضي باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، القرار الذي تم إسقاطه في زمن “أوسلو” الرديء، زمن انهيار الوعي واستبداله بالتطبيع والابتذال. في كتالونيا، كما في شوارع لندن ونيويورك وباريس وروما وأمستردام …وكل العواصم الغربية، ملايين المتظاهرين خرجوا تضامنًا مع فلسطين، رفضًا للإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، حتى أن إيطاليا شهدت قبل أيام إضرابًا عامًا تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، شلّ الحركة في كبرى المدن، تنديدًا بجرائم جيش الاحتلال.وفي إسبانيا، لم يكتف الضمير الحي بالتصويت في البرلمان، بل سبق له أن طرد السفن التي كانت تحمل الأسلحة الفتاكة إلى جيش الحرب الصهيوني، فيما كانت الموانئ المغربية تستقبلها بالأحضان في مشهد من التواطؤ المفضوح، ما أشعل مظاهرات غاضبة في الدار البيضاء وطنجة وغيرهما. وفي المقابل، في البلدان العربية والإسلامية، حيث الحكام لا يستيقظون إلا على وقع صفقة أو وسام، يُستقبل مجرم الحرب ترامب – صاحب “صفقة القرن” وصديق مجرم الحرب نتنياهو – كـ”بطل للسلام”، وتُفرش له السجادات الحمراء وتُمنح له الأوسمة، بينما يُستقبل وزراء حرب الاحتلال ومسؤولوه العسكريون بالأحضان، بل ويُدعى لهم بالنصر على “أعدائهم” في حفلات رسمية! ومن بين هذه المشاهد المأساوية ما جرى في مدينة الصويرة، حين دعا أحد الحاخامات الصهاينة التابعين لجيش الاحتلال الإسرائيلي بالنصر لجيشه، بحضور مسؤولين مغاربة رسميين، خلال احتفالات ما يُسمّى “الهيلولة” التي تُقام هناك برعاية المستشار الملكي الصهيوني أندري أزولاي.وليس هذا المشهد الأول من نوعه، فقد سبقه ما هو أدهى، عندما أقيمت قبل سنوات حفلة دينية بمعبد الرباط اليهودي حضرها وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس نفسه، في الوقت الذي كان جيشه يرتكب جرائم ضد الإنسانية في غزة والضفة الغربية ! في هذه المفارقة الأخلاقية والسياسية المهينة، يقف العالم “الحر” ليدين الاحتلال ويجرّم الصهيونية، فيما يتسابق بعض حكامنا لتقبيل يد الجلاد واحتضان القاتل، ولن ينسى المغاربة الوزيرة الإرهابية ميري ريغيف، التي وصفت الآذان بنباح كلاب محمد، وجوابها المهين على البرلمانيين الذين آخذوها على تبديد المال العام بسفرياتها المتكررة للمغرب حيث أوضحت لهم أنها كلها تتم على حساب الميزانية المغربية وليس الإسرائيلية !!! منتهى المسخ ! لكن، رغم كل هذا العار الرسمي، يبقى الأمل في الشعوب، وفي الضمائر التي لم تتلوث بالتطبيع، وفي المبادرات الجادة التي تتصدى قانونيًا وأخلاقيًا للجريمة. وفي هذا السياق، يأتي تأسيس المجموعة القانونية العربية لملاحقة قادة كيان الاحتلال على جرائم الحرب والإبادة الجماعية، والتي أعلنت عن نفسها رسميًا هذا الأسبوع عبر ندوات صحفية في مختلف العواصم العربية، لتكون خطوة متقدمة على طريق العدالة، ومكمّلة للجهد الدولي الذي بدأته الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ضد مجرمي الحرب الصهاينة نتنياهو وغالانت وكل زمرة عصاباتهم الإجرامية. *آخر الكلام* الضمير الإنساني، حين يصحو، لا يحتاج إذنًا من أحد، ولا ينتظر “توجيهات عليا”.لكن الضمير العربي، ما زال – للأسف – يحتاج إلى معجزة كي يستيقظ من غفوته، لأن بعض الحكام عندنا لا يرون في الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، بل صمام أمان الحفاظ على الكراسي . ومع ذلك، فإن التاريخ لا يرحم، وغزة – التي تُباد على الهواء مباشرة – تكتب اليوم، بدم أطفالها، شهادة ميلاد عالم جديد، لن يكون فيه مكان للجلادين، ولا لمن يفرشون لهم السجاد الأحمر .ولله عاقبة الأمور !ـــــــــــــــــــــــــــ¹ المرجع الرسمي: Resolució 341/XV del Parlament de Catalunya – Sessió plenària núm. 78, aprovada el 15 d’octubre 2024.متاح على موقع البرلمان الكتالوني: parlament.cat/document/bopc/433347494.pdf———————× رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيعhttps://www.facebook.com/share/v/16X82DWtoD/

*حيرة بين برلمان كتالونيا ومستوطنة الصويرة*

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID