مراد العمراني الزكاري

الغطرسة الامريكية صنيعة الارهاب

بقلم مراد العمراني الزكاري

حينما فقدت أسبانيا مستعمراتها في المحيط الهادئ لصالح أمريكا بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تحولت أمريكا من قوة إقليمية إلى قوة عالمية امتدت بعيدًا إلى المحيط الهادئ وإلى ما وراء هاواي والفلبين.

وتحت سياسة العصا الغليظة أرسل الرئيس الأمريكي (ثيودور روزفلت) الجيش إلى جمهورية الدومنيكان في عام 1905، و نيكاراجوا عام 1912.<

ومع وصول الرئيس الأمريكي الداهية (وودرو ويلسون) إلى البيت الأبيض عام 1913، احتلت أمريكا هاييتي عام 1915، وبذلك تمكنت من السيطرة على بحر الكاريبي.

وبافتتاح أمريكا قناة بنما المطلة أيضًا على البحر الكاريبي عام 1914، والتي ربطت شمال المحيط الأطلسي بجنوب المحيط الهادئ، كانت قد عززت من وضعها كحارس أوحد على أمن نصف الكرة الغربية وفق نظرية السيطرة على البحار للجغرافي البريطاني السير هالفورد ماكيندر).

وبنهاية الحرب العالمية الأولى أصبحت القوة الاقتصادية المتنامية لأمريكا تمثل (33%) من الدخل القومي السنوي العالمي، وأصبحت مؤهلة لتحل مكان بريطانيا كأكبر قوة صناعية بعد أن فقدت دول أوروبا خلال هذه الحرب قوتها السياسية والاقتصادية والثقافية، وبدت غير قادرة على حسم المعركة إلا بتدخل قوى أخرى صاعدة غير أوربية وهي أمريكا.

الآن، العقل المفكر بأروقة صناعة القرار الاستراتيجي داخل الولايات المتحدة، والذي عمد إلى تشييد قلاع التقوقع داخل الحدود لاستعادة أمريكا الصناعية، لن يتخلى عن الحد الأدنى للطموح الإمبريالي، وسيعمل جاهدًا بعد ضياع حلم السيطرة على رقعة الآوراسيا لصالح (الصين–وروسيا) ، العودة إلى نقطة الإنطلاق من حيث انتهت الحرب العالمية الأولى.

ترسيخ النفوذ والهيمنة الأمريكية كحارسٍ أوحد على النصف الغربي من الكرة الأرضية، وكأنما تستدعي العقلية الأمريكية من المكتبة التاريخية للقرن التاسع عشر، وثيقة تأويل مبدأ مونرو، لضمان الحصول على الوضعية الأمريكية ما بعد الحرب العالمية الأولى، كأحد أقطابٍ مستقبلية لعالمٍ متعدد الأقطاب، ولكن هذه المرة ستتلاشى هيمنة الدولار الأمريكي على النظام السياسي والاقتصادي العالمي، ولن تبقى مؤسسات بريتون وودز، بوضعها الحالي.

وفي سياق ترسيخ النفوذ والهيمنة الأمريكية كحارسٍ أوحد على النصف الغربي من الكرة الأرضية يستلزم على العقل الاستراتيجي الأمريكي؛

أولًا: إعادة صياغة العلاقات الاستراتيجية مع دول أمريكا الجنوبية على بحر الكاريبي، لضمان تعزيز الهيمنة الأمريكية على الطريق البحري الواصل من شمال الأطلسي حتى جنوب المحيط الهادئ، وكذا توثيق التفاهمات بين أمريكا وحلفائها من دول آسيا الباسيفك على المحيط الهادئ، لضمان غلق الطريق الإقليمي الواصل من بحر البلطيق حتى المحيط الهادئ على طريق الحرير.

ثانيًا. استدعاء وثيقة تأويل مبدأ مونرو بنستختها المستحدثة وفق مبدأ “إعادة الإتزان لآسيا الباسيفك؛ التخلص من الأنظمة الحاكمة في دول أمريكا الجنوبية والتي ترفض الدوران في فلك الهيمنة الأمريكية؛ إما بإشعال إضطرابات بصبغة الثورات الملونة، أو بمنح حصة هذه الدول المارقة من الإرهاب العالمي.

حدث هذا مع رئيسة البرازيل السابقة (ديلما روسيف)، حينما أكدت في كلمتها الافتتاحية بقمة البريكس عام 2014، أن دول بريكس لا يمكن لها التكيف في منتصف القرن الحادي والعشرين مع أي نوعٍ من التبعية.

فأتى العقاب سريعًا من وكالة الاستخبارات المركزية بتنظيم الإضطرابات الخاصة بالبرازيل لزعزعة استقرارها سياسيًّا واقتصاديًّا، أدت بنهاية المطاف إلى عزل (ديلما) وتنصيب (ميشال تامر) الموالي لأمريكا رئيسًا على البلاد.

يحدث ذلك أيضًا في فنزويلا أحد دول أمريكا الجنوبية، باستدعاء النسخة الخاصة بها من الاضطرابات بصبغة الثورات الملونة، ما بين أنصار المعارضة اليمينية، وقوات الأمن الفنزويلي في أبريل 2017، على آثره قام الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) في أغسطس 2017، بالتوقيع على مرسوم يفرض عقوبات مالية قاسية على ما أسماه بالنظام الديكتاتوري للرئيس (نيكولاس مادورو).

هذه العقوبات الأمريكية وصفها وزير الخارجية الفنزويلي (خورخي أرياسا) بأسوأ عمل عدواني ضد بلاده منذ مائتي عامًا، في ظل بلد مسالم، لا تشكل أي تهديد يذكر على المجتمع الدولي.

لم تكتفي واشنطن بهذه العقوبات التي تستهدف الإطاحة بالرئيس الفنزويلي الرافض للدوران في الفلك الأمريكي؛ بل هدد مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي (هربرت ماكماستر) أن الولايات المتحدة تدرس جميع خيارات التعامل مع الأزمة الفنزويلية، بما في ذلك العسكرية، ليؤكد على تصريحات سابقة لترامب حول احتمالات التدخل العسكري في فنزويلا. وسرعان ما نظم الجيش الفنزويلي مناورات عسكرية على شواطئ فنزويلا وبدأ في تدريب المدنيين على استخدام السلاح العسكري في مواجهة أي عدوان أمريكي محتمل.

ومن دول أمريكا الجنوبية إلى دول آسيا الباسيفك على المحيط الهادئ، حيث رئيس الفلبين (رودريجو دوتيرتي) الذي تجرأ في مخاطبة واشنطن بتبجح واستهزاء! معلنًا تحالفه مع قطبي الشرق الآوراسي (الصين – روسيا) مما يشكل خسارة جيوبوليتية لاستراتيجية الاحتواء العسكرية الأمريكية ضد الصين وروسيا في المحيط الهادئ.

جاء العقاب سريعًا كالعادة من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية في مايو من عام 2017، بتنظيم عملية إرسال نحو (500) من عناصر داعش من سوريا، إلى مدينة ماراوي بجزيرة مينداناو، لتشكل حصارًا إرهابيًا مع “جماعة أبوسياف” التي تدعو لإقامة الدولة الإسلامية غربي الجزيرة، ما يمكّن واشنطن من إسقاط شعبية (رودريجو) ومن ثمَّ التخلص منه.

هكذا تتحقق خطط (هيلاري كلينتون) التي كشفت عام 2011 عن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية بالقول: ” إذا كان القرن العشرون هو قرن المحيط الأطلسي فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن المحيط الهادئ بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube