مقالات الرأي

ثورة حمار

حرة بريس -أحمد الونزاني

سأروي لكم حكاية غاية في الطرافة. أرويها لكم لما فيها من عبرة و مغزى لكل ذي لب و فطنة.
بين تلال جبال الأطلس الكبير في قرية صغيرة بعيدة عن أقرب مركز و سوق قروي أسبوعي بأكثر من عشرة كيلومترات. حيث لا مسالك طرقية تسهل على القرويين التنقل لقضاء حاجاتهم الملحة و خصوصا كل ما يتعلق بالصحة و التمريض فأقرب مستوصف كان قد بني قرب السوق الأسبوعي لكنه خالي تماما و أصبح مأوى يستضيف الدواب في يوم السوق الأسبوعي. مما يضطر معه الناس الى التوجه إلى المدينة المجاورة مباشرة مع تحمل تكاليف و مشاق السفر و صعوبته في مثل هذه الظروف.
في هذا الجو من المعاناة اليومية. كان حمو يعيش بسلام و اطمئنان مع عائلته الصغيرة المتكونة من زوجته و أبناءه الثلاثة. يملك حمو قطعة من الأرض مقسمة إلى أربعة أجزاء و بيت من طين يقيه و أهله قر البرد في الشتاء  و حرارة الشمس في الصيف.
كان حمو يعتمد على الزراعة يقوم بحرث أرضه كل عام حين تجود السماء و يعيش على فلاحة معاشية تقيه شر الهجرة إلى المدينة. و كان  يعتمد على مساعدة أبناءه الثلاثة في القيام بتلك الأعباء اليومية حتى تمرسوا على الحياة الصعبة و هم في ريعان شبابهم. كان حمو يتمنى لو أنه استطاع ان يرسل أبناءه إلى المدينة ليلجوا عالم العلم والمعرفة و يصبحون يوما ما من الرجال المتعلمين و المهمين في القرية لكن العين بصيرة و اليد قصيرة و حتى المدارس في مناطقهم بعيدة ولا يوجد بها نظام داخلي يساعد على بعث الطمأنينة في قلوب أهل القرى ليبعثوا أبناءهم إلى تلك المدارس البعيدة حتى.
مع الفلاحة كان حمو يقبل على تربية بعض المواشي لبيعها عند اقتراب عيد الأضحى لتنمية موارده و مدخوله السنوي. كما استطاع بفضل كده و اجتهاده من شراء بعض العروض من الأبقار الجيدة و الحلوب.
لكن الغريب هو أنه كان لحمو حمارا لطيفا و جميلا يخدم حمو بتفان و يساعده حين الحرث و كان حمو يأخذه معه إلى السوق الأسبوعي و يرسل معه البضائع إلى القرية و الدار. كان حمارا ذكيا خبيرا بالدروب و كل الطريق يكفي ان تهمس في أذنيه فقط ليذهب إلى المكان الذي تريد، حتى غدى اسما على علم : حمار حمو.
كان حمو يحسن لحماره و لا يكلفه ما لا يطيق و يقوم بإطعامه و تنظيفه و تجميله. فقد اشترى له حمو بردعة و شكيمة و لجام حديدي و أخطمة تساعده على أن يبدو جميلا غاية في الأناقة و اللطافة و الظرافة. كان حمو عندما يمتطي على ظهر حماره كأنه هو شيخ القبيلة .
و فعلا كان حمار حمو متميزا بين أقرانه الحمير. كان حمارا مزهوا بنفسه يتمختر في مشيته يمشي ك العسكري في مشيته و لا ينظر إلا بتعال إلى الأمام.
 كانت القرية تعيش مطمئنة و أهلها في سكون و هدوء بالرغم من كل تلك المصاعب و الظروف القاسية أملا في تحسن الوضع يوما من الأيام.
سمع أهل القرية عبر أمواج الأثير و التلفزيون أنه حل بالدنيا وباء يحصد الأرواح و يصيب الناس أجمعين بسعال شديد و ضيق في التنفس و حرارة فوق الأربعين درجة. و أن على أهل القرية أخذ الحيطة والحذر من هذا الوباء و لزوم بيوتهم نهارا و ليلا. فهذا الوباء سريع الانتشار و ما ترك اي دولة أو مدينة ولا قرية إلا و دخلها و زارها و أخذ من أهلها غصبا.
سمع أهل القرية النداء بعد ما تم تعميمه و تداوله في وسائل الإعلام المختلفة. كان النداء يوصي بأنه على كل إنسان لزوم بيته و الركون و عدم الحركة الا لضرورة قصوى و في أضيق مجال. و أنه أصبح واجبا ارتداء الشكيمة و الكمامة كوقاية و أن التنقل بات بالرخصة و من يحتاج إليه أخذ التصريح من أعوان السلطة  (الشيخ أو المقدم).
لزم حمو بيته الطيني و أصبح لا يخرج إلا نادرا و التزم هو و أسرته للتعليمات السلطوية و طبقوا التباعد بينهم حتى داخل البيت من شدة الخوف و الهلع الكبير.
نسي حمو أمر حماره حتى يوم السوق الأسبوعي. فذهب لأخذه من الحظيرة و الإسطبل و أراد أن يضع عليه بردعته الجميلة و شكيمته البهية و لجامه الفولاذي و خطامه من الجلد المدبوغ. لكن الحمار كان عنيدا و متمردا لا يرضى القيود. تعجب حمو من ردة فعل حماره هذه الغير معهودة ف أراد أن يجبره على ما لا يريد. لكن الحمار رفض بإصرار كبير و خرج منطلقا بسرعة كبيرة تاركا حمو في الإسطبل. فهم حمو أخيرا ماذا يريد قوله حماره الذكي.  كيف يعيش الإنسان  في ظل القيود و الحرمان  و قد خلق حرا و عزيزا  و مكرما كيف يهان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube