احمد رباص

من العبث أن يرجو العرب المعاصرون لأنفسهم نهوضا مالم يتخلصوا من الضغط الفكري للسلف

أحمد رباص

يظهر للمتتبع اللبيب أن رد مصطفى بوهندي المنشور في الشبكة العنكبوتية على أحمد الريسوني في موضوع المرجعية الإسلامية يشكل امتدادا لسجال طويل ذي شجون بين التقليد والحداثة في الفكر العربي الاسلامي الحديث.
لعلمكم، فالدكتور مصطفى بوهندي باحث مغربي وأستاذ مقارنة الأديان في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. فضلا عن ذلك، هو كاتب ومحاضر في الحديث وفي مواضيع عديدة تتعلق بالقرآن الكريم وتفسيره . ويرى الدكتور مصطفى بوهندي أن الفكر الإسلامي يحتاج إلى زلزال يجتاح المسلمات التي لا تقوم على أي سند.
من اللافت للنظر ان هذين التيارين اللذين يمثلهما الرجلان منذوران لمزيد من التطاحن والتصادم دون أن تظهر في الأفق بوارق أمل في ايجاد ارضية مشتركة يتخذانها كمنطلق للنهوض بأحوال الامةالعربيةالاسلامية في سائر المجالات. لكن, اذا كان هذا الحوارعقيما فلابد من أن وراء ذلك إما التياران معا وإما أحدهما. وبما أنه ثبت تاريخيا أن التيار الأول (السلفي) سليل الحركة الوهابية التي هي بدورها امتداد للحركة التي تزعمها ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية، جاز تحميل الطرف الاول مسؤولية هدر فرص الحوارالمتمدن والبناء.
ما يؤكد هذه النتيجة هو أن الحركة الوهابية، كما يقول ع.المجيد الشرفي في كتابه: ‘الاسلام والحداثة”، كانت متجاهلة لمشاغل فلسفة التنويرالتي عاصرتها، بل هما كانتا على طرفي نقيض: كانت الوهابية حركة سلفية مثلها الاعلى في العودة الى ماض ذهبي مجسم في عصرالنبوة والخلفاء الراشدين,بينماكان رواد التنوير يتطلعون الى تقدم لانهائي وكان مثلهم الاعلى امامهم لاوراءهم. للسلف اذن ضغط فكري كبير على السلفيين.
ولعل عبد المجيد الشرفي استعار مصطلح “الضغط الفكري” من زكي نجيب محمود الذي استعمله في الصفحة 22 من كتابه: “تجديد الفكر العربي”، حيث كتب أن في التراث العربي عوامل ضعف إلى جانب عوامل قوة وقف عندها في كتابه. هذه العوامل تعمل فينا كأبشع ما يستطيع فعله كل ما في الدنيا من أغلال وأصفاد وأنه لمن العبث أن يرجو العرب المعاصرون لأنفسهم نهوضا أو ما يشبه النهوض قبل أن يفكوا عن عقولهم تلك القيود لتنطلق نشيطة حرة إلى ما هي ساعية لبلوغه، إنه لا بناء قبل أن نزيل الأنقاض ونمهد الأرضونحفر للأساس القوي المتين.
العامل الأول أن يكون صاحب السلطان السياسي هو في الوقت نفسه،وبسبب سلطانه السياسي،ثاحب “الرأي”، لا أن ]كون صاحب “رأي” (بغير أداة التعريف) بحيث لا يمنع رأيه هذا أن يكون لغير الناس آراؤهم.
العامل الثاني أن يكون للسلف كل هذا الضغط الفكريعلينا فنميل إلى الدوران في ما قالوه وما اعادوه ألف ألف مرة، لآ أقول إنهم أعادوه بكيفية مختلفة، بل أعاده بكيفية واحدةة تتكررفي مؤلفات كثيرة، فكلما مات مؤلف، لبس ثوبه مؤلف أخر، وأطلق على مؤلفه اسما جديدا: فظن أن الطعام الواحد يصبح أطعمة كثيرة إذا تعددت له الأسماء.
أما العامل الثالث والأخير فيتمثل في الإيمان بقدرة الإنسان، لا كل إنسان بل المقربون منهم، على تعطيل قوانين الطبيعة عن العمل كما شاءوا، على غرار ما يستطيعه القادرون النافذون – على ضعيد الدولة – أن يعطلوا قوانين الدولة في وقت أرادت لهم أهواؤهم أن يعطلوه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube