مقالات الرأي

كتالونيا، ما تبقى من وطنية

برشلونة في 19/11/2020

ذ. سمير الجبلي ـ عضو المكتب السابق لإتحاد المراكز الإسلامية بكطالونيا

بحسب ما يريد البعض أن يردده من أن كتالونيا تعيش على صفيح ساخن ،نخبره أن الجالية المغربية في إسبانيا وبقية دول العالم كله تعيش أياما فاصلة توضح بجلاء من يصطاد في المياه العكرة ويستغل المناوشات البسيطة ليجعل منها قضايا ساعة ما تلبث أن تتلاشى عقارب دقائقها وثوانيها بسبب هشاشة الطرح وضحالة المقاربة وخبث الطوية وسوء النية المبيتة.

إن المتتبع بصدق والمراقب عن كثب لَيَحكم بعَدل حينما يرى بأن الانتصارات التي حققتها الدبلوماسية المغربية على الصعيد الدولي قد عجلت من الكشف عن فشل بعض المحاولات في تعميق التفرقة وبث روح الانهزامية داخل الجسد المغربي بإسبانيا بصفة عامة وفي كتالونيا على وجه التحديد، ذلك أن التعبير عن الوطنية لا يحتاج لصكوك، والتباهي بها ليس شرطا للإشادة أو نيل الاستفادة .

إن ما كتبه المصطفى القادري ينم عن ذلك الخلل الذي يُراد له أن يتسرب إلى نفوس المغاربة بالتشكيك في النوايا وتوزيع الاتهامات وإشهار براءات الولاء المغلف بالخواء الوطني والفراغ الهوياتي. ربما لا يعرف أن نور الدين الزياني مواطن مغربي عبر عن مغربيته بكل تحضر حينما كان يشتغل في التراب الإسباني، بصفته رئيسا لهيئة قدمت الكثير خلال سنوات قصيرة، وتم ترحيله إلى المغرب مرفوع الرأس لا مخفو ضَهُ، لم يهرب حينما وجهت له اتهامات باطلة ولم يَجبُن يوم تم اقتياده للترحيل والإبعاد .

وإذا كانت كل التجارب البشرية يشوبها النقص وتعتريها الأخطاء، فإن في تجربة نور الدين الزياني من الحسنات ما يدفن سيئاتها، ومن النفع للجالية المغربية والأقلية المسلمة ما يدفع عنها يد النقص، دون أن يعني ذلك الكمال، فالكمال لله وحده، ولربما يريد المصطفى القادري شيئا غير الذي يريده من يختلف معه من بقية المغاربة.

ويكفي فخرا يوم يتهمك شانئك بالوطنية الإسبانية أو المغربية، وهما توأمان لا ينفصلان، فالأولى بالانتماء للحيز والثاني بالاعتداد بالأصل، وقد اجتمعا في عهد الزياني يوم اجتهد تحقيقا لرؤى تنشد مجتمعا متعدد الأعراق مختلف الثقافات متنوع الديانات، يسعى لإعطاء صورة من التسامح والاندماج ،لا تتنكر للمملكة المغربية ولا تجحد خير الأمة الإسبانية.

وإذا كان قرار الإبعاد قد تم اتخاذه من طرف الأجهزة السيادية الإسبانية ،ومضى عليه أكثر من سبع سنوات عجاف، فما الذي حدث بعدها؟ ألا يجب أن يُطرح التساؤل ويُبحث عن الأجوبة التي لا يُشترط أن تكون مقنعة لغير المغاربة.

مرت سبعة أعوام ليس فيها عام فيه يغاث الناس ويعصرون، وفعلا فقد عصروا خيبات الانقسامات وعاشوا ما بين الدياثة الوطنية والحَوَ ل الجمعوي المفضيان بداهة إلى انخفاض نسبة النجاح التي حققها نور الدين الزياني في المعايشة المجتمعية والتَّقَبُّل الثقافي والديني للآخر، تجنبا لأي نوع من الاصطدام بين مكونات المجتمع، أو حدوث التنافر بين بعض من مكوناته، تبعا لخلفيات دينية أو فكرا نية، خصوصا وقد اجتهد وبالتنسيق مع الأجهزة الإسبانية المختلفة في الحد من تبني الفكر الإرهابي الذي يعتمد على أفكار وآراء تُ بنى على الإقصاء وهو ما تسلكه التنظيمات الإرهابية مع طبعها بالطابع الديني. وأعتقد أن الإشادات الدولية ومن بينها الإسبانية في جهود المملكة المغربية خيردليل على ذلك، وفيها أبلغ رد على رد الاعتبار لمن يشتغل كالزياني.

قد لا نهتم كثيرا بالمناوشات التي تقع في مواقع التواصل الاجتماعي، فكل إنسان حر في أفكاره وآرائه، وله مطلق الحرية في التعبير عنها أو كتمانها، لكن التذبذب الهوياتي هو الذي يجب أن نهتم به. فالتضامن مع البوليساريو يصطدم بداهة مع الاعتزاز بالوحدة المغربية، والافتخار بالانتماء إلى المغرب أو الالتصاق بترابه والاحتفاء بناسه وعمرانه، وتاريخه ونضاله، لا يخفض لك رأسا ولا يَنسُبُك إلى مجهول، بل المداراة وراء الألفاظ والاحتماء بالدبلوماسية في التعابير هو السُبَّة فالرجال مواقف، وإذا كانت الأخت مريم الحطيبي قد عبرت وفاضت منها الكلمات بحق الصحراويين، فما الذي منع ا لأخ المصطفى القادري أن يشجب أو يدين تصريحاتها، على الأقل يبدي بعضا من الاعتراض وإن كان محتشما، وقد انتقد محمد الشايب أبا زوجها، ليعبر على الأقل به عن بقية باقية من وطنية، لا أتهمه فيها، لكن أرى أنه يُرادُ لها أن تحتضر وأن تدفن وتوارى دون حتى تغسيل أو تكفين يليق بها وتأبين تستحقه عن جدارة.

وقد زعم المصطفى القادري أن نور الدين قد ألحق الكثير من الضرر، وأقبر الكثير من المبادرات الجادة والهادفة، وكنا نتمنى كقراء أن يوضح أكثر ويبرز للعلن هذه المبادرات الجادة والهادفة، إلا إذا كانت جادة بمعنى التفاهة وهادفة بمسمى التدمير والتفكيك. وقد يرجو كل قارئ لما يُكتب أن تكو ن المناقشة بالحجة والدفع بالتي هي أحسن، وانتقاد ما يجب انتقاده دون الغوص في وحل التصنيفات أو السباحة في مستنقع الكلمات، فالكل قادر على القذع والذم، لكن دفع النقص لا يكون بالانتقاص أو تعليب الاتهامات، وما كان المصطفى القادري قادرا ولا نحن، أن نغطي الشمس بالغربال، فالحقيقة واضحة وجلية في الواقع والمآل .

لقد ظهر نور الدين الزياني كمغربي أحزنه توالي السنوات، وتنوع التمثيليات، وتنامي الصراعات وظهور الانقسامات داخل الجسد المغربي، مما كان له أبلغ الأثر على الأقليات بإسبانيا وفي القلب منها الجالية المغربية، بسبب أن المغاربة يشكلون الأغلبية الساحقة من عدد المهاجرين، ويسيطرون على أغلب الهيئات والتمثيليات خصوصا في جانبها الثقافي أو الديني. ونتيجة للإكراهات البارزة على صعيد المجتمع، كان لزاما البحث عن بدائل جديدة تكون بمثابة المجددة لهذا العمل ولهذا التمثيل سعيا إلى الحصول على ثقة الجميع وتنشيط مجال العمل، خاصة وأن المغاربة قد وصلوا إلى تمثيل الجيل الثالث من المهاجرين وأصبحوا أصحاب أرض ومواطنين، وكذلك لبروز مجموعة من الأطر التي تطمح إلى العمل والجد من أجل تحقيق الذات، وفتح باب، يصر البعض على أن يبقى موصدا، لتطوير العمل الجمعوي والقطع مع ترسبات الماضي وانتهازيات بعض المنتسبين إليه، وتقديم رؤى جديدة مفعمة بالروح الاجتماعية، رغبة في تحقيق مفهوم القيم المشتركة وما تتطلبه المعايشة ويحتاجه الاندماج، والابتعاد عن الكانتونات الدينية أو الثقافية أو الجيتو المنغلق على ذاته .

وعلى هذا الأساس فإنه بعد غياب نور الدين الزياني أ واسط سنة 2013، ما عَجَّلَ بنهاية الدور المحوري الذي كان يلعبه في ترشيد العمل الجمعوي الإسلامي، ومحاولة إخراجه من وحل الانقسامات الحادة والخلافات المدمرة للجهود والممزقة للجسد المغربي، وهذا ما ظهر تاليا سنوات 2014 و2015 و2016 و2017، وحتى يومنا، حيث لم تستطع أي هيأة ثقافية أو تمثيلية دينية أن تحقق بعضا مما تم إنجازه من طرف الاتحاد في الخمس سنوات بعد تأسيسه، بل ولم تغطي في مساحة أنشطتها أو في عدد المستفيدين، ربع ما كان يغطيه الاتحاد. وهذا كله أعاد الكَرَّة مرة أخرى للتجارب الفاشلة لبعض الهيئات القديمة، ولبروز إيثار الصالح الخاص على العام من جديد، وظهور هشاشة العمل غير المبني على أسس متينة وحكامة رشيدة تسمح له

بالاستمرارية والسير بعيدا في تحقيق الأهداف المرجوة والمنتظرة. ولذلك فإن أي نظرة فاحصة لما آل إليه وضع المغاربة، ومراجعة شاملة لما تم تقديمه إليهم من أعمال تزعم أنها رائدة، يوضح صدق الكلام، من أن الخوض في العمل الجمعوي على وجه التحديد، قد عرف انتكاسة حادة، وتلميعا لوجوه ما لبثت تتلقى لكمات اعتراض في كل ملتقى تنظمه أو نشاط تؤطره، وفي خلفيات الصور والفيديوهات المسَجَّلة، مقاعد فارغة وحضور ضئيل، ووجوه شاحبة تُسائل الغياب وتلعن الكَلَّ، وتعادي الخيَّرَةَ لأنهم يكشفون الحقيقة ويرفضون الزيف، فالمرحلة مرحلة فاصلة لا بد أن تتساقط معها الأقنعة رغم أننا في زمن الكورونا، وارتداء الكمامات بعد اللقاح فوق القناع قد يثير الاشمئزاز ويبعث على الغثيان .

وفي نهاية هذا المقال قد أتفق معك في أنه آن الأوان للملمة الفوضى ،وتنقية الفضاء الجمعوي المعبر عن الجالية المغربية في وطنيتها وتضحياتها، بعيدا عن الارتزاق أو الارتهان، وأن تكون الأقلام الناقدة أقلام بناء لا معاول هدم، وأفكار الأطر المغربية أفكار التقاء لا أفكار اتهام، وآليات العمل الجماعي آليات ترميم لا إبَر وخز ورماح طعن، واستراتيجيات النهوض بواقع الجالية المغربية إستراتيجية تشييد وتشجيع لا استراتيجيات تفكيك وتخذيل. وتبقى قضايا الوطن تتعالى عن الكراكيز أو الماريونيت، ومن قبل على نفسه أن يكون من جملة الكراكيز، فله مطلق الحرية كما تؤكد دائما وأبدا أخي المصطفى القادري، فالحرية ش يء مقدس لا تقبل التجزئة وترفض الازدواجية. لكن ما كانت الأوطان ل تُبنى بالتطفيف أو التبخيس، ولا خَيرَ في عَمل عنوانه التنصل من الوطنية وأساسه التنكر للهوية المغربية وقوامه محاربة من يبدي هوىً غلابا نحو المملكة المغربية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube