مقالات الرأي

كلمات.. إلى كل الأحرار في الأمة .. وفي العالم .. وإلى المغرر بهم ..


سوريا ..
شهادتان .. وواجب الوفاء
د.أحمد ويحمان

سوريا شعب كريم ووطن مضياف .. سوريا منبع الحضارات التي أشعت على العالمين .. مربض العزة والإباء والشهامة .. الملجأ .. وقلب الوحدة النابض كانت ومازالت .. وستبقى بإذن الله . حين حل بعاصمتها وزير خارجية أميركا المقبور كولين باول عقب غزو و تدمير العراق سنة 2003، كان في جدول أعمال اللقاء الذي جمعه مع الرئيس السوري نقطة وحيدة :

  • المقاومة، وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية، وضرورة القطع معها وخروجها من دمشق وكل مناطق سوريا .
    كان الجنرال الدموي باول، صاحب السوابق في مجازر عاصفة الصحراء الذي تولى حقيبة وزارة الخارجية في إدارة جورج بوش الإبن قادما إلى دمشق من بغداد المدمرة ليبلغ رسالة وتهديدا واضحين :
    التضحية بالمقاومة والقطع معها وطرد قياداتها من سوريا .. وإلا فإن سوريا هي التالية ( the next ) !
    وبنفس الوضوح، وبالإباء الشامي التاريخي، تلقى المسؤول الأمريكي الجواب من الرئيس السوري بشار الأسد بما معناه، بتعبير الإخوة المصريين، يفتح الله !
    لو اختار الرئيس السوري أن يكون ” براغماتيا “في جوابه على البيت الأبيض لكان اليوم ملك الديمقراطية وحقوق الإنسان في العواصم الغربية كلها وفي إعلامها .. لكن خياره أن يكون مقاوما مع المقاومة له أثمان وعليه أن يسددها .. وما أفدحها من أثمان، لاسيما في بعض جوانبها الأكثر مرارة حيث تأتيك الضربات من الخلف أقسى من ضربات الأمام في المواجهة ..
    وفي هذا السياق نريد أن نتوقف عند شهادتين هامتين في سياق الالتباس والخلط الذي ساد طوال عشرية النار والفتنة التي كان ضحيتها الشعب السوري ومقدراته وأمنه واستقراره ووحدته أرضا وشعبا . أما الأولى فأصبحت عمومية قدمها، على رؤوس الأشهاد، أحد أهم مهندسي تدمير سوريا، وكيلا عن الأمريكان؛ وهو حمد بن جاسم، رئيس وزراء ووزير خارجية قطر
    السابق، وهي من قبيل الاعتراف سيد الأدلة، كما يقول القانونيون . أما الثانية، وكاتب هذه السطور شاهد عليها، فهي لأب الوليد، خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وهي “سر” مضى عليه الآن عقد من الزمن . 1- رئيس وزراء ووزير خارجية قطر : هكذا تآمرنا ووزعت الأدوار لتدمير سوريا
    بعد سنوات من الحرب على سوريا وتدمير مدنها وأريافها وتقتيل الآلاف وتهجير وتشريد مآت الآلاف من شعبها، خرج أحد مهندسي هذه الحرب القذرة ليعترف، وبكل وضوح، بترتيب وتنظيم وإدارة هذه الحرب وكيف كان توزيع المهام والتكليفات بين دول العدوان تحت الإمرة الأمريكية؛ إنه رئيس وزراء ووزير خارجية إمارة قطر السابق حمد بن جاسم في مقابلة مع تلفزيون قطر قبل سنوات ( متوفرة على اليوتوب وكانت قد شكلت الحدث، عالميا، وقتها وكانت مثار نقاش كبير لخطورة مضامينها ) .
    قال حمد بن جاسم، ضمن ما قال، في تصريحه الشهير ب ” فلتت الصيدة ” بأن اجتماعات كانت تتم تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية انتهت بتوزيع الأدوار والتكليفات كما يلي :
    أ – إمارة قطر تتولى قيادة هذه الحرب سياسيا وإعلاميا (الجزيرة) ..
    ب – المملكة السعودية تتولى تمويل الحرب .
    ج – تركيا تتولى توفير معسكرات تدريب المقاتلين [ القادمين من كل القارات = المرتزقة .. “المجاهدين” مقاتلي الحرية بتعبير ساركوزي، رئيس فرنسا وقتها ! ) وفتح حدودها للزحف على سوريا ولكي يصلي أردوغان، بعد أسبوعين، بجامع الأمويين كما وعد بذلك !!! ] .
    د – الولايات المتحدة تتولى الإشراف على المخطط كله وإدارة الحرب في مستوياتها المختلفة .
    هكذا كان تخطيط وتدبير وتنفيذ مشروع تدمير سوريا بلسان واحد من أهم المهندسين والقادة الميدانيين لتدمير وتخريب سوريا في جغرافيتها وعزلها وتشويهها في الإعلام بشيطنتها بالدعاية المغرضة وقلب الحقائق وبطردها من الجامعة العربية .. وكلنا نتذكر ما قام به هذا الذي يعترف وابن عمه أبو تميم حمد الثاني في “غزوة” طرد سوريا من الجامعة العربية !
    وإذن فالأمر لم يك فيه لا ديمقراطية ولا سيادة شعبية ولا حقوق الإنسان ولا ربيع ولا خريف .. ولا يحزنون !
    القصة كلها وما فيها، هي في دعم وحماية المقاومة ورفض الاستسلام لضغوط طردها .. ولاشيء غير ذلك ..
    ومن هنا أهمية الشهادة الثانية التالية :
    2 – خالد مشعل : انقل عني، لم يدعمنا أحد من القادة العرب أحد مثلما دعمنا الرئيس بشار الأسد
    الشهادة الثانية هذه هي ما قاله لي أبو الوليد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في لقاء جمعني معه قبل 10 سنوات من الآن .
    كان ذلك، والأمر مستفحل في سوريا، وبعد جلسة مطولة ووجبة غذاء حضرها عدد من الأصدقاء، رتب الصديق الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، المناضل عزيز هناوي لقاء ثنائيا رأسا لرأس ( متوفر جانب منه على اليوتوب) .. فكان النقاش التالي :
  • ويحمان :
    ما هذا الذي يجري يا أبا الوليد ؟ قبل أن نأتي لمغادرتك دمشق .. لماذا، أولا، لم تتدخل، وكنت بالموقع والوضع الاعتباري في سوريا الذي يمكنك من الحيلولة دون تفاقم الأمور ووصولنا لما وصلنا إليه؟ .
    × أبو الوليد :
    حاولت وحاولت .. لكن كلما اتفقت مع الرئيس بشار على شيء وننزل للميدان لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، تتدخل جهات لتخريب كل شيء ! .. ثم ما لبثت أن تسارعت الأمور حتى وقع ما وقع في درعا وأصبحت فيها الدماء .. وكان الرئيس يتهيأ لإلقاء خطابه المشهور فدعاني لأكون إلى جانبه، وهو يلقي الخطاب، فاعتذرت لصعوبة الوضع وملابساته وقتها .. وكان هذا ما لم يتقبلوه مني .. فكانت القطيعة من جانبهم .. ثم ما لبثت القطيعة أن تطورت للتعبير عن عدم رضاهم عن بقائي .. وهكذا لم يعد أمامي من خيار للمغادرة .
  • ويحمان : طيب لماذا لم تذهب وجهة صديقك في الضاحية ؟
    × أبو الوليد :
    تقصد طبعا السيد حسن (نصر الله)؟.
  • ويحمان :
    أكيد ..
    × أبو الوليد :
    قصدته . وناقشنا وحدينا كل شيء لمدة خمس ساعات .. وأنصفني الرجل .. واتصل بدمشق وقال لهم أن ما تكتبون من أبي الوليد غير معقول … لكن الإخوة في الشام حسموا الأمر .
  • ويحمان :
    طيب .. كان عليك أن تذهب إذن إلى طهران ..
    × أبو الوليد :
    ذهبت ..
  • ويحمان :
    فماذا حصل معهم ؟
    × أبو الوليد :
    ناقشنا كل شيء .. وتعصبنا وصرخنا في وجه بعض .. ثم هدأنا وتفاهمنا واتفقنا على أن أعود إلى دمشق .. ولكن مساعي طهران لدى الشام لاستيعاب الموضوع لم تسفر عن نتيجة .. ولم يبق أمامي إلا الدوحة التي رحبت بنا .. فذهبت ..
    ( يسود بعض الصمت معجون بالأسى والأسف ) .. ثم يتم استئناف الحوار .
  • ويحمان :
    لله الأمر من قبل ومن بعد .. أخشى أن يكون هذا خطأ سنؤدي كلنا ثمنا فادحا عليه …
    × أبو الوليد :
    للتاريخ .. وانقل علي .. لا يوجد اي حاكم عربي، سلطانا أو ملكا او أميرا أو رئيس جمهورية عاملنا، كشعب فلسطيني وكمقاومة وكحماس وكقيادة حماس وكخالد مشعل، مثل ما عاملنا الرئيس بشار الأسد …
    هذه شهادة للتاريخ أودعني إياها القائد الفلسطيني أبو الوليد خالد مشعل وانقلها اليوم للتاريخ، بعد عشر سنوات .. لأنه، منذ ذلك التاريخ (2012) وأنا عندي الرخصة للحديث فيها مصداقا لقوله : ” للتاريخ .. وانقل علي ” ..
    هناك شهادة ثالثة، في الحقيقة، أودعها عندي قائد آخر، من الصف الأول، في حركة حماس عن الرئيس بشار الأسد بعد مذاكرة بمكتبه ببيروت، قبل حوالي سنة من الآن، وهي شهادة لا تعدم حساسية وأهمية ومعنى، ، حكاها لي، تعقيبا وتتميما، لكلام أبي الوليد ..غير أن هذه الشهادة، على أهميتها، ستظل في الحفظ، لحساسيتها وعدم وضوح ما يمكن أن تتركه من آثار .. ولأن المجالس أمانات، خصوصا وأن صاحبها لم يرخص، مثل أبي الوليد، بتداولها .. لكنها بمغزاها ومعناها تؤكد مدى نبل وكرم وشهامة الشعب السوري وقيادته ..
    آخر الكلام
    إن ما عانه ويعانيه الشعب السوري من محن على مدى كل هذه السنوات الأليمة منذ عام 2011 تقبله بسنين كثيرة هو لأمر واحد لا لغيره؛ صموده ودعمه للمقاومة ولخيارها في مقابل خيارات الخضوع والخنوع والانبطاح لإملاءات القوى الاستعمارية ومخططاتها الخبيثة ودفاعها عن مصالح الشركات الاحتكارية العابرة للحدود الناهبة لثرواتنا ومقدراتنا التي من شأنها أن تبني نهوض أقطارنا وأمتنا .. ولرفضها للتطبيع مع الكيان الإرهابي الذي يحتل فلسطين وباقي الأراضي العربية؛ هذا الكيان الغاصب الذي كان ولايزال في عقيدة الشعب السوري وقيادته عدوا للشام وكل الأمة ولا أمن ولا أمان ولا تقدم ولانهوض إلا بزواله.
    هذا هو السر في كل ما جرى وما يجري في سوريا .. وكل قول غير ذلك فهو العمى الواضح والانغماس، بالجهل أو بالعناد والإصرار على الاستمرار في الخطأ، في خدمة مشاريع أعداء الأمة .
    إن سوريا، شعبا وقيادة، كانت، على الدوام، وفية للمقاومة والمقاومين وملجأ لكل أحرار الأمة وقبلة لكل أحرار العالم .. ومن واجب كل حرائر وأحرار الأمة .. وكل حرائر وأحرار الضمير الأممي أن يقفوا إلى جانبها في مواجهة العدوان و الحصار والعقوبات الامبريالية ..

هذا .. وآخر دعوانا أن اللهم يا قوي يا عزيز احم شعبنا العظيم في سوريا العظيم واحم وطنه الغالي من كل الشرور وكل الشريرين .. يا قهار !

  • باحث في علم الاجتماع وناشط حقوقي (من المغرب) .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube