بين يوسف القرضاوي وحسن البنا: نسق البناء النهضوي؟
د. محمد الشرقاوي
يثير رحيل يوسف القرضاوي، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلى ربّه هذا الأسبوع (1926-2022)، أكثر من سؤال عن مصير حركة الإخوان بين مسار السياسة ومسار التعليم كخيط ناظم في أسلمة المجتمع والحفاظ على قيمه الدينية. ويمثل القرضاوي نصف معادلة تقوم على استراتيجية التعليم والتنوير، التي استهلها مؤسس الإخوان حسن البنّا (1906-1949)، بالتعويل على مؤسسة الأزهر في بلورة بوصلة فكرية سلفية للمجتمع. واعتبر مشروعَ البنا أنه “المشروع السني الذي يحتاج إلى تفعيل”، بل عاش القرضاوي مؤمنا بأن الأسلوب الدعوي الذي اعتمده سلفه البنا جعله “ينفخ في أمتنا الكبرى من روحه لتحيا، وصدع فيها بأعلى صوته لتستيقظ، وسقى شجرتها بدمه لتنمو وتمتد”، على حد تعبيره.
كان القرضاوي متشبعا بالمشروع الإصلاحي على غرار جل قادة الإخوان الأوائل الذين تأثروا بكتابات محب الدين الخطيب ورشيد رضا، وأيضا حرص حسن البنا في حدود 1927 جمع مكتبة ضخمة اشتملت على عدة آلاف من الكتب في المجالات التي انفتح عليها ذهنيا خلال دراسته في دار العلوم. ويتشابه مسار الرجلين إلى حد كبير، إذ انضم القرضاوي إلى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر وتخرج فيها بدرجة العالمية سنة 1953، ثم إجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1954. وحصل أيضا على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية التابع إلى جامعة الدول العربية في تخصص اللغة والأدب عام 1958، والدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين بالأزهر عام 1960، إلى أن أنهى درجة الدكتوراه عام 1973 حول موضوع “الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية”.
تعرض للاعتقال ثلاث مرات بسبب “اتهامه” بإثارة الفتن خلال حكم جمال عبد الناصر. غادر مصر واستقر في قطر عام 1961 حيث عمل مديراً للمعهد الديني الثانوي. وتولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر وظل عميداً لها بين 1977 و1990، وتولى أيضا إدارة لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية في جامعة قطر. وكانت للقرضاوي تصريحات ومواقف مثيرة للجدل عندما تقاطع النص الديني مع الاعتبارات السياسية، ومنها تحريضه على القتال وجواز العمليات الانتحارية، وأيضا دعوته عام 2018 إلى إلغاء الحج قائلا “هذا الحج ليس لله تعالى حاجة فيه، الله غني عن العباد، وإذا فرض عليهم فرائض فإنما ذلك ليزكوا أنفسهم وليرتقوا في معارج الرقي الروحي والنفسي والأخلاقي إلى ربهم، ولتتحقق لهم المنافع المختلفة في حياتهم”.
ليس المقام مناسبا الآن لكتابة نقدية لما للرّجل وما عليه بين الدين والسياسة والقيم العامة. ولكن، لا أحد ينازع في أنه مخلصا لقناعاته، وجاهر بها داخل مصر وخارجها، وسعى لتقديم اجتهادات من تأصيله النظري بما يتلاءم أو لا يتلاءم مع واقع بدايات القرن الجديد. من الكتابات التي تعكس مزاج الرجل قصيدة نونية بأكثر من 300 بيت نظمها القرضاوي خلال فترة اعتقاله في السجن الحربي مع الإخوان المسلمين، يقول فيها:
تالله ما الدعوات يهزمها الردى يوما وفي التاريخ بر يميني
ضع في يدي القيد، ألهب أضلعي بالسيط ضع عنقي علي السكين
لن تستطيع حصار فكري ساعة أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي وربي ناصري ومعيني
سأعيش معتصما بحبل عقيدتي وأموت مبتسما ليحيا ديني
في إحدى المقابلات التلفزيونية التي أجراها في سنواته الأخيرة، تذكر القرضاوي ما اعتبره أفضل صلاة مغرب أداها مع الجماعة في حياته، كما يروي في هذا الفيديو: