مقالات الرأي

الديموقراطية عدو خارجي


عبد الحميد البجوقي


“العدو الخارجي وراء الاحتجاجات الشعبية ولو كانت سلمية”، مثل هذه التبريرات تستعملها الأنظمة الشمولية كلما تحرك الشارع مطالبا بحقوق مشروعة أو احتجاجا على أوضاعه الاجتماعية، أو مطالبا بالحقوق والحريات. استعملها نظام فرانكو كما يستعملها نظام بوتين اليوم ، ونظام بنعلي في تونس ومبارك كما يستعملها السيسي اليوم، وبررت بها كزاخستان في نهاية السنة الفارطة قمعها لتظاهرات سلمية مطالبة بالحرية والعيش الكريم مخلفة مئات الجرحى والمعتقلين، كذلك استعملها المغرب سنة 81 وسنة 84 لتبرير القمع الوحشي لاحتجاجات سلمية طالبت بتحسين وضعها المعيشي، كما استعملها مغرب ما بعد الحسن الثاني في تبرير قمع حراك سلمي في الريف المغربي طالب بالحق في الصحة والتعليم والعمل، وكان التفسير الوحيد لما حدث بالمؤامرة الخارجية بدل السياسات الفاشلة.
قد تختلف هذه الأنظمة في مرجعيتها السياسية والايدلوجية، لكنها تلتقي في اعتبار حق الشعوب في الاحتجاج مؤامرة خارجية وبتخطيط أيادي وأدوات خارجية، قد تنحو بعضها إلى التجاوب مع بعض المطالب الاقتصادية بدل قمعها ومحاولة الحفاظ على مظهر خارجي لديموقراطية تم تدجينها وتقطيعها على مقاس عمودي للسلطة المطلقة، وهذا ما تابعناه في بعض الدول التي تدور في فلك روسيا البوتينية ومنها نموذج الانتخابات الأخيرة في بيلاروسيا، أو ما يجري في هونكونغ اليوم.
النموذج الرأسمالي الأوتوريتاري والمافيوسي الذي تمثله روسيا اليوم والأنظمة التي في فلكها خرجت جميعها من رحم النظام الشيوعي، بعضها تتولى فيها بعض العائلات السلطة منذ ثلاثين سنة، أنظمة ينخرها الفساد إلى جانب اللامساواة، أنظمة تعمل أجهزتها البوليسية على اختلاق كل ما من شأنه أن يثبت ضلوع أيادي خارجية في أي احتجاج. جميعها تنفتح على العالم في عرض ديموقراطية وانتخابات ومعارضة وهامش من حرية إعلام تحت السيطرة، كما تنفتح على الاستثمارات الخارجية والغربية بالخصوص ، لكن أدنى حركة خارج المشهد المرسوم يكون كافيا لتدخل القوات الروسية لإنقاذ الديموقراطية المهددة، وإحباط مؤامرة خارجية.
هذه الأنظمة تعتبر الديموقراطية كنظام يقوم على التعددية والحريات الفردية، وحكومة تفرزها الأغلبية في صناديق حرة للاقتراع، وتحترم الأقلية، تعتبرها مؤامرة خارجية، وتعتبر أي حراك اجتماعي يطالب بالديموقراطية ولو تدريجيا مؤامرة خارجية، بل تعتبر وجودها تهديدا لاستقلال وسيادة روسيا والصين ، وتقتضي الرد الصارم على المؤامرة.

  ـ عن مقال للصحافي الإسباني لويس باسيت، صدر في جريدة الباييس يوم 9 يناير 2022 مع تعزيز عناصر الاستدلال ببعض النماذج العربية والمغرب.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube