حزبيات مغربية

حوار مع الزعيم


محمد بوبكري مرشح الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي


يقول عبد الرحمان الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”: “ترتعش فرائص المستبدُّ من علوم الحياة مثل الحكمة النظرية، والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع، والسياسة المدنية، والتاريخ المفصّل، والخطابة الأدبية، ونحو ذلك من العلوم التي تُكبر النفوس، وتوسّع العقول، وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها، وكيف الطلب، وكيف النّوال، وكيف الحفظ”.
عندما نتأمل في واقع الاتحاد الاشتراكي اليوم، وما تفعل به زعامته، نجد أن قولة الكواكبي هذه تنطبق عليه، فقد جعل زعيم هذا الحزب من إبعاد المثقفين مدخلا للتسلط والتحكم في كل حركاته وسكناته. لقد قال لي هذا الزعيم ذات يوم: “إن المثقفين المبدعين لا ينجحون في العمل السياسي، لأنهم لا يقدرون على خوض الصراع، ولا يعرفون سبل ذلك، حيث يكفي أن تواجههم مجموعة من الشباب لينسحبوا من قاعة الاجتماع”. إن قوله هذا ينم عن جهل بأن للمثقفين قيما وأخلاقا لا يمتلكها هو، وهذا ما جعله يوظف ميلشياته لمناهضة المثقفين واستفزازهم. ويضيف هذا الزعيم في سياق آخر: “وبحكم تجربتي الشخصية، فقد سبق لي أن خضت صراعات عديدة معهم، فكنت أسقطهم دوما بالضربة القاضية”، وبعد هذا الكلام سألته: “من هم هؤلاء المثقفون الذين أسقطتهم بالضربة القاضية؟ فأجاب: “إنهم كتاب كانوا أساتذة في كل من كلية الآداب والعلوم الإنسانية وكلية الحقوق ومؤسسات جامعية أخرى”. لذلك أفهم اليوم لماذا غادر أساتذة كلية الآداب الحزب، ولم يعد أي منهم يهتم بما يجري، ولا يلقي بالا لمآل الحزب؛ وهذا ما جعل حزبنا بدون فكر ولا روح، كما أنه صار عاجزا عن تجديد نفسه عبر إنتاج خطابات مسايرة للتحولات التي يعرفها المغرب والعالم من حوله… وهذا ما تسبب في ضعف الحزب وجموده وعقمه، وعدم قدرته على تأطير الشباب، فأصابه الهزال، ولم يعد له امتداد في المجتمع.

جمعني ذات يوم لقاء مع الزعيم وصديق اتحادي، فسأل هذا الصديق الزعيم: “كيف هي أحوال الحزب التنظيمية؟”. فأجابه: “الحزب في صحة جيدة، ولم يسبق له في تاريخه أن كان في الوضعية التنظيمية المريحة التي هو عليها اليوم”. فما كان لهذا الصديق إلى أن أجاب: “أنا لست متفقا معك، فكيف للحزب أن يكون قويا بدون مثقفين ينتجون خطابات تساعد على خلق نقاش داخل المجتمع، ما يؤهله لممارسة إشعاعه، مما يساعده على أن تكون له امتدادات في المجتمع المغربي”، فانفعل الزعيم، ورد على هذا الصديق: “الحزب لا يستفيد من المثقفين أي شيء، فوجودهم كعدمه؛ بل إنهم يخلقون له مشاكل عديدة من خلال مساءلتهم المستمرة لكل القرارات التي يتخذها الحزب”، وهذا ما جعل رد هذا الصديق حادا: “هذه وجهة نظرك، وأنا لي رأي يتعارض جذريا معها، لأنه إذا كان الحزب يتخوف من المثقفين والمفكرين، فإنه لن يكون حزبا فاعلا، إذ إنه لن يستطيع إنتاج أفكار ومشاريع وبرامج تمكنه من ممارسة إشعاعه، ما سيؤهله لتأطير المجتمع، الامر الذي يمكنه من النمو تنظيميا”. غضب الزعيم من هذا الكلام، وأجاب: “أنا لست في حاجة إلى مفكرين ومثقفين، لأنني أمتلك أفكارًا كثيرة، بل إنني في حاجة إلى “المرود”, لأتمكن من إنجاز هذه الأفكار”، فرد عليه هذا الصديق قائلا: ‘إنه لا يمكنك إنتاج الأفكار التي تغطي جميع المجالات، فأنت لست موسوعيا، وليست لك مؤلفات تؤكد قدرتك على إنتاج الأفكار والمشاريع… وأنا لا أتفق مع احتقارك لأن في هذا مس بكرامتهم”، فاستشاط الزعيم غضبا، واضطررت لتهدئته، فأضاف صديقي قائلا: “لم يعد في صفوف الحزب مؤرخون، ولا مفكرون، ولا اقتصاديون، ولا شعراء، ولا روائيون، ولا كتاب، ولا رجال قانون مرموقون…”، فتدخل الزعيم قائلا: “لسنا في حاجة إلى مؤرخين؛ لأن خرافات الماضي لن تنفع الحزب في أي شيء، كما أن الحزب ليس في حاجة إلى مفكرين، أو فلاسفة، لأن هؤلاء يسبحون في الفضاء، بشكل يجعلهم بعيدين عن الواقع، ما يجعل وجودهم داخل الحزب فاقدا لأي معنى. أما بالنسبة إلى الشعراء والأدباء، فإني لا أرى جدوى في ما يكتبون… وإذا أردت أن أتحدث لك عن رجال القانون، فأنا أكبر منهم جميعا، لأن تجربتي داخل مجلس النواب جعلتني أعرف من كل أساتذة القانون الدستوري في المغرب. أضف إلى ذلك أنني أمتلك معرفة عميقة تشمل مختلف التخصصات القانونية”.

وبعد سماعي لهذا الكلام طلبت من صديقي أن ننصرف بدعوى أننا كنا على موعد مع صديق آخر، واعتذرنا وانصرفنا، والأسف يفتك بأعصابنا. وقد طلبت من صديقي أن نؤجل مناقشة كلام هذا الزعيم؛ لأن تفاهته جعلتنا نرى أنه لا يستحق ذلك، لأنه سيعمق حسرتنا على الاتحاد.
وبعد عودتي إلى منزلي، دفعتني غيرتي على الاتحاد الاشتراكي وحسرتي عليه إلى التأمل في كل ما تفوه به هذا الزعيم من كلام غير ذي معنى، فخلصت إلى أنه يحمل فكرة مغلوطة عن العلوم الإنسانية والاجتماعية، وأدركت لماذا تحول حزب الاتحاد على يد هذا الزعيم إلى مجرد علبة سجائر فارغة، يرفض الاتحاديون الحقيقيون أن ينسب إليهم مآله؛ لأن الزعيم قضى عليه ومثل بجثته على مرأى و مسمع من كل المغاربة، الذين باتوا يتحسرون على هذا الحزب، كما فهمت من كلام هذا الزعيم أنه لا يدرك معنى العلوم الإنسانية والاجتماعية، ما أكد لي فراغه الفكري، وخطورته على الاتحاد الاشتراكي، حيث صرت مقتنعا بأن استمرار هذا الزعيم على رأس الحزب، سيؤدي حتما إلى زواله من الساحة السياسية؛ لأنه ليست له أي غيرة عليه؛ بل كل همه المتاجرة به بهدف الاغتناء غير المشروع على حسابه. لذلك، يكفي أن نسمع ما يحكيه المناضلون والسياسيون ورجال الإدارة عن ممارسة هذا الزعيم في فترة التحضير للانتخابات الأخيرة، حيث كان همّه هو البحث عن منح التزكية لصيد سمين في كل الأقاليم والجهات…
يمتلك هذا الزعيم مفهوما “عاميا” عن السياسة والعلوم الإنسانية والاجتماعية؛ لأنه لا يعلم أن الإبداع في هذه العلوم قد كان وراء نهضة المجتمعات الأوروبية، حيث إنه بدون إبداع في هذه المجالات لا يمكن أن تكون هناك أي نهضة اقتصادية، أو أي تقدم علمي… لذلك، فلولا الإنتاجات الإبداعية والفكرية ما كان لأوروبا أن تبلغ ما بلغته من قوة اليوم…
ومن الغريب أن هذا الزعيم قد أعلن أنه سيمارس المعارضة، لكن كيف سيمارس هذه المعارضة بدون مثقفين ينتجون للحزب أفكارا ومشاريع؟ لعله يعتقد أن ممارسة المعارضة بالكلام الفارغ؟ لا يعلم هذا الزعيم أن المعارضة الوطنية تكون بالأفكار والمشاريع، وبدون ذلك ستكون مجرد تظاهر بممارسة المعارضة، حيث يقول بعض العارفين أن هذا الشخص يرغب في دخول الحكومة، وهو الآن يلوح بالمعارضة لتتم المراهنة عليه، والمناداة عليه للمشاركة في الحكومة، ما يجعل تلويحه بالمعارضة مجرد ابتزاز. والمؤكد أن هذا الزعيم غير مؤهله للقيام بالمعارضة البناءة التي تنتقد وتقترح؛ لأنه أفرغ حزبه من المثقفين القادرين على إنتاج الأفكار والمشاريع.
وللتدليل على ما نقول، فقد سبق لأحد أعضاء “المكتب السياسي “أن تقدم باقتراحات، في بداية “العهدة الأولى” لهذا الزعيم، فرد عليه الزعيم قائلا: “يجب ألا نزود الحكومة بالأفكار والحلول، لأنها ستسرق منا ذلك، وتنسبه إلى نفسها، وهذا يعني أن هذا الشخص يرفض ممارسة معارضة وطنية، لأن كل ما يهمه هو الاستوزار! ولا وجود لمعنى الوطن في قاموسه، لأن السياسة عنده غنيمة، والبرلمان غنيمة، والحكومة غنيمة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube