حزبيات مغربيةمستجدات

الاتحاد و أفق 2026إرادة الاتّحاديّين مقابل إرادة “جيوب المقاومة”

بقلم: محمد بلعيش

أعتقد أنّ الاتّحاد أصبح رهينة بيد “جيوب المقاومة”، وما “دريس” إلّا الشجرة الّتي تخفي الغابة، وهنا يكمن الخطر. قد يغادر “دريس” ويعوّض ب “صديق البصري”. وقد تُستنسخ تجربة حزب “علال” ويسقط أحدهم من “الاقتصاد والبيئة والمجتمع” مباشرة إلى “العرعار”. وقد…وقد…وقد… تتعدّد الاحتمالات، لكنّ الثّابت هو أنّ الاتّحاديّين والاتّحاديّات عمليّا لم يعودوا يملكون مصيرهم منذ المؤتمر التّاسع بشكل مفضوح. أعتقد أنّ أخطر جملة باتت تتردّد في دهاليز أحزاب الحركة الوطنيّة قاطبة هي: “راه الفوق باغيين فلان”. ولربّما التّعبير الأنسب هو “جيوب المقاومة باغيين فلان”. لأنّ لا “فوق” في هذا البلد غير الملكيّة، والملكيّة بعيدة جدّا عن شنآن المنافسة السّياسيّة داخل الأحزاب كيفما كانت توجّهاتها. وسأكتفي هنا بمقتطفين صريحين لجلالة الملك:• “الواقع أن المغرب يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم؛ وإلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات”. خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة. بتاريخ 12 أكتوبر 2018.• “ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية، وتخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلا عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة، وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسات التمثيلية”. رسالة موجهة للنّدوة الوطنية المخلدة للذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي بتاريخ: 17 يناير 2024.إنّ أصحاب الذّاكرة الحديديّة حتما يتذكّرون مكالمة “إلياس” لأحد القّيّاديين بتاريخ 16 يناير 2012 حين قاله له:” شوفْ أسّي… دريس هو للي غادي يْدوز، حافظوا على وحدة الحزب”. ويتذكّرون ما قاله عنصر من عناصر “صحاب الوقت” من داخل المؤتمر التّاسع لقيادي آخر: “بْلا ما تصدّعْ راسكْ ألسّي … راه ادريس هو للي دايْز”. وهذا ما كان قد أكّده المرحوم أحمد الزّايدي بقوله: “لقد كنا ندرك ما يُراد للاتحاد الاشتراكي، لذلك كنا نشدّد، في مختلف مراحل حملتنا، على أهمية استقلالية القرار السياسي والسيادي للحزب”. ولربّما سيبقى التّعليق المضحك المبكي لأحد المناضلين من “حد كورت” في وجه مسؤول بارز حين قال له في مكالمة هاتفيّة: “يا إمّا هاذ دريس ولى مْعاكومْ فالبو…، يا إمّا …لِيسْ باغي يدخل مْعانا للاتحاد الاشتراكي”.جملة “راه الفوق باغيين دريس” تردّدت أكثر من مرّة خلال “بدعة الولاية الثّالثة”. ولربّما هذا اليقين هو الّذي جعل الانتهازيّين والانتفاعيّين يشاركون بوجه مكشوف في الإجهاز على الدّيمقراطيّة الدّاخليّة، وتاريخ الحزب دون أن يرفّ لهم جفن. هل تذكرون بلاغات “الكتابات الإقليميّة” من كلّ حدب وصوب تهلّل للولاية الثّالثة؟ هل تذكرون البرلمانيّين الدّاعين والدّاعمين لها؟ هل تذكرون الصّحفيّين والصّحفيّات المدبّجين للمقالات الدّاعمة لها، والمشّهّرين بكل من قال لا لوأد الدّيمقراطيّة والحزب؟ هل تذكرون “الفيتو” الّذي أشهرته الجريدة في وجه كلّ من قال لا للولاية الثّالثة؟هؤلاء جميعهم جنود “دريس”، ومشاركون في هذا العبث. وسيحاسبون أمام التّاريخ على اصطفافهم إلى جانب “جيوب المقاومة” والدّيكتاتوريّة الحزبيّة. وكيف أنّ جملة “راه الفوق باغيين دريس” أسالت لعابهم، وأعمت بصرهم وبصيرتهم عن 50 سنة من النّضال، والاعتقال السّيّاسي، والاختفاء القسري الّذي قدّمه الاتّحاد من أجل مغرب لكلّ المغاربة. جريرة و”حريرة” “دريس” هذه المرّة، أنّه لم يفكّر في إنشاء أربع مكاتب دراسات بدل واحد. ولو فعل، لكان بمقدوره تقسيم “وزيعة” الدّراسات على أربع مع مراعات “المناصفة”، أو مقاربة النّوع. حينها كان سيعطي 5 دراسات لكل مكتب، وبعدها لن يلومه أحد في أن يقدّم 3 دراسات ب “التعصيب” للابن. صدّقوني حينها كانت الألسن ستقصّ من “لغاليغها”. إذن فخطأ “دريس” في تقسيم المال العام بين أتباعه، لا في التّطاول عليه. إنّ المعركة اليوم، أكبر من “دريس”، ومن يدور في فلكه من ذوي المصالح. لهذا فالصّراع الّذي يجب أن ينخرط فيه كلّ الاتّحاديّين والاتّحاديّات بكلّ شراسة ووطنيّة هو: استعادة الحزب من “جيوب المقاومة”، وذلك من خلال تأسيس ما قد أسمّيه ب “الجامعات المستقلّة للاتّحاد الاشتراكي” سيرا على نهج الشّهيد المهدي بنبركة عندما ضاقت سبل النّضال داخل حزب الاستقلال. يكون الهدف من هذه الجامعات المستقلة هو فتح نقاشات قاعديّة موسّعة تخرج بخلاصات مكتوبة بخصوص:

1- تجديد العقل الاتّحادي بالإجابة عن: من نحن؟ ماذا نريد؟ وكيف نحقّق ما نريد؟

2- نقد ذاتي لقرارات “إتمام الأوراش” سنة 2002أو “الوزن السّيّاسي” 2007 أو “البلوكاج الحكومي”

2016.3- قراءة موضوعيّة للحصيلة الاتّحاديّة في العمل الحكومي والتّشريعي، نستحضر فيهما مدى تمثّلنا للفكر اليساري، وانحيّازنا للطّبقات الشّعبيّة والصفّ الدّيمقراطي في كلّ ما قدّمناه كاتّحاديّين للوطن والمواطنين.

4- وضع تنظيم حزبي ينتصر للدّيمقراطيّة الدّاخليّة، ويقوّي آليّات الرقابة على الأجهزة المنتخبة، ويكفل حقّ التّعبير للجميع دون استثناء.

5- وضع خارطة طريق جماعيّة نسير من خلالها لاستحقاقات 2026 موحّدين من أجل المغرب الّذي نقترحه على المغاربة سياسيّا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بالاعتماد على الأطر الاتّحاديّة ذات الكفاءة العاليّة، والانفتاح على المثقّفين والباحثين الأكاديميّين.ماذا بعد هذا؟ إذا عاد “الزّعيم” لرشده، وقرّر الذّهاب لمؤتمر استثنائي بكلّ الاّتحاديّين والاتّحاديّات وفق منهجيّة ديمقراطيّة دقيقة تقرّر مصير الحزب، فبها ونعمة. أمّا إذا أراد أن يستمرّ في قيادة الحزب أو توريثه أو رهنه. فعلى الاتّحاديّين أن يهجروا الاتّحاد الاشتراكي للقوّات الشّعبيّة كما هجروا من قبل الاتّحاد الوطني للقوّات الشّعبيّة. لأنّ الوطن في حاجة لحزب وطني يقوده رجال دولة لا يخافون في الحق لومة لائم. رجال يعتبرون الجلوس على كرسيّ مهترئ في جريدة أو قسم كفاعلين، أفضل من الجلوس على كراسي وثيرة كمفعول بهم. رجال يتفاعلون بروح وطنيّة مع كلّ ما يجري سواء أ كان محلّيّا، أو وطنيّا، أو دوليّا. رجال لا يحرّكهم سوى الحسّ الوطني في اتّخاذ القرارات. إنّنا دون شكّ نعشق هذا الحزب وتاريخه، لكنّ الفكر التّقدّمي الذي نتبنّاه يمنعنا من أن نكون “سلفيّين” في التشبّث بحزب يصرّ “زعيمه” على جعله رهينة في يد “جيوب المقاومة”. ولأنّ الوطن أحقّ بالحبّ والتّقديس، ولأنّ الأوطان لا تبنى بأحزاب خانعة ومسلوبة الإرادة، ولأنّنا في محيط إقليمي متوتّر، فإنّ إرادتنا الجماعيّة يجب أن تنتصر على إرادة “جيوب المقاومة” من أجل أن نبني مغرب الغد كما حلم به القادة الأولون والشّهداء المنسيّون.

بركان في: 25 مارس 2024

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube