مجتمع

التنقيح من الخطاب المواكب للتلقيح

محمد أكعبور

باحث في الخطاب والإعلام الديني

إشارة :

منذ ظهور وباء كورونا المستجِد انفرق الناس عنه أصنافا :

• صنف اعتبر الأمر مؤامرة وهو منه مغامرة لفقدها للدلائل والحجج ، فصُدم بسؤال عريض ما تزال تبعاته تلاحقه حتى ساعة اللقاح وهو: من ؟ وضد من ؟

• صنف اعتبر الأمر قدرا من الله ولا مفر من قدر الله إلا إلى قدر الله ؛ وهم علماء الدين ومفكرو الإسلام وفقهاء الشريعة وعلماء التاريخ وعلماء الأوبئة ، فاشتغل كل منهما بالموضوع من زاوية تخصص للخروج بنتيجة تؤمن سلامة المجتمعات من آثار الجائحة العالمية .

وهكذا ، اشتغلت المجمعات الفقهية لاستصدار فتاوى النوازل بما أجبر الناس على المكوث بالمنازل وإلى جانبها المختبرات العلمية لمعرفة الهوية الجينية للفيروس التاجي الذي تربع على الكرسي العاجي ،فاستولى على منظومة الفيروسات وما حتى الآن رغب في أن يتولى كما اشتغلت المراكز الفكرية لمواكبة النظم الاجتماعية في زمن الجائحة للإجابة عن سؤال : كيف سيصبح العالم بعد الخروج من الأزمة ؟ فطرحت فرضيات عميقة وتدخل التحليل النفسي والاجتماعي مدليا بدلوه في الموضوع مهتما بالحالات النفسية للمجتمعات في الزمن المرتهن .

صدرت الآراء العلمية والأطروحات الفكرية ونتائج التحليلات النفسية لعينات اجتماعية مع اختلاف في المدارس التحليلية “للظاهرة الكورونية” بناء على اختلاف الثقافات الاجتماعية والإثنوغرافية والعرقية لكل موطن جغرافي بالعالم .

وبلادنا كانت لها كما عهدناها إسهامات كبرى في الميادين المشار إليها .

فمثلا الريبيرتوار الديني ببلادنا عرف نشاطا كبيرا من ناحية البحث الشرعي في استصدار فتاوى فقهية تواكب المغاربة تلبية للحاجيات الدينية لهم على امتداد زمن الجائحة ، كما عرفت الخزانة الإرشادية تنوعا لمخاطبة فئات الشعب المغربي في جميع صنوف المعرفة الدينية والوطنية وفاء للوصال العلمي الذي يربط المؤسسة العلمية بالمواطنين .

فما هي إذن أجناس الخطاب المواكب للتلقيح ببلادنا ؟

وكيف تمثل المواطن هذا الخطاب المواكب لكوفيد-19 داخل الفضاءات المشتركة حتى الساعة ؟

مما لا شك فيه أن للسلوك الفردي والجماعي تأثيرا على أخلاقيات تدبير الفضاء المشترك وتزداد أهميته في الزمن المرتهن ومن ذلكم :

احترام الذات والحفاظ على سلامتها .

احترام القوانين المنظمة لتحركات المواطنين .

احترام الممتلكات والمؤسسات الوطنية التي تتخذ قرارات تصب في مصلحة المواطنين .

خصائص عملية التلقيح بالمغرب :

لعل من أبرز ما تختص به عملية التلقيح ببلادنا ما قمنا بجرده أسفله :

• المجانية ؛ بحيث إن الدولة وبمبادرة ملكية تدخلت في تحمل نفقات التلقيح .

• التنوع ؛ إذ نتحدث عن ثلاثة أنواع من اللقاحات ضد الوباء يستفيد منها المواطنون وأسرهم .

• الوفرة ففي كل مرة يرد بلاغ بتوصل المملكة بشحات بالآلاف بل وبالملايين في دفعات منتظمة .

• التسريع في تنفيذ العملية ؛فدقائق معدودات تكفي للإسهام في تقوية المناعة ضد الفيروس على فترتين حتى الآن .

• وضع بروتوكول يخضع له المواطن حفاظا على سلامة وصحة الأفراد المرتفقين وهو في مسار تلقي الجرعتين على فترات محددة .

• الاختيار ؛ فإنه وحتى الآن لم يصدر قرار رسمي يلزم المواطن بتلقي الجرعات ، ويبقى الاختيار للمواطن حسب حاجته ووضعه الصحي ؛ إلا أن جواز التلقيح يبقى وثيقة رسمية تسمح للمواطن بالتنقل داخل المملكة وخارجها ، وسيصبح وثيقة أساس لولوج المرافق وارتياد الأماكن العمومية وبالإعلام الوطني الرسمي وشبه الرسمي بث وصلات تحسيسية تؤكد على الحصول عليه لكونه قريبا سيصبح وثيقة ضرورية” أُوقريب غادي يِولِّي مطلوب باش تدخل ……”

• عدم ربط المواطن بمركز تلقيح معين وهو إجراء تم استدراكه لاحقا تسهيلا للعملية على المواطن الذي له ارتباطات مهنية وأسرية ، وحيث تيسر له حسب المبرمج يمكن له الاستفادة وطنيا بالتوجه إلى أقرب مركز.

• تمديد فترة العمل بمراكز التلقيح الوطنية طيلة أيام الأسبوع إلى غاية الثامنة مساء .

• العدالة الجغرافية للتلقيح ، والمقصود كون العملية تم تعميمها على الصعيد الوطني ؛ ما ينم عن إعداد استراتيجية متكاملة تراهن على بلوغ النسبة العالمية التي يتم تصنيف المرض على أساسها ببلوغ المؤشرات العالمية لإعلان الخروج من الجائحة وبلادنا تتجه إلى هذا الرقم العالمي بسرعة كبيرة ، خصوصا بعد تخفيض عمر المدعوين بشكل متدرج وبسرعة قياسية مع البرنامج الوطني لتلقيح المتمدرسين في التعليم العمومي والخاص والعتيق الذي ينضاف إلى الجهد الكبير للدولة والمجالات القطاعية لأركان عملية التلقيح ببلادنا ، وهو المجهود الذي أثمر تنويه منظمة الصحة العالمية على جهود المملكة .

• التنظيم المحكم على المستويات : اللوجيسية والبشرية والتقنية .

• المواكبة الإعلامية ؛ سواء الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي أو المدني بجميع أجناسه بل وحتى “الإعلام الاجتماعي” الذي له دور كبير في تنقيل المعلومة لحظة توافرها ؛ غير أنه ينبغي التنبيه على ما يتداوله إعلام الأفراد – وهم قلة قلية – من المعلومات المغلوطة والتي لا تؤدي الرسالة الإعلامية المواطنة ؛ ويدخل في ” إعلام البوز” الذي يراهن على عدد التعليقات والتصفحات والإعجابات والمشاهدات .

فصناعة المحتوى الرقمي ينبغي أن يخضع لعملية أخلاقية وتربوية المؤطَّرة بالتشريعات الوطنية الصادرة في الموضوع .

• الإحصاء الدقيق اليومي لمختلف العمليات التي لها صلة بالجائحة أو بالتلقيح وسير العملية بشكل عام .

• التواصل مع المواطنين من خلال وضع نظام آلي لقاعدة المعطيات الشخصية لتتبع البرمجة الشخصية قصد الاستفادة من الجرعات .

• اعتماد اللغات الوطنية واللغات التواصلية في التفاعل مع المواطنين قصد إبلاغ الرسائل الموضوعاتية.

• مواكبة المواطنين قبل وخلال وبعد التلقيح.

• نشر كبسولات تحسيسية من تنشيط مؤثرين فنيا أو إعلاميا ممن لهم عريضة جماهيرية ولهم قبول عريض في نسب المشاهدات ممن يتوفرون على سمعة طيبة وأخلاق عالية لدى الأسرة المغربية .

• وضع بوابة موضوعاتية محينة متضمنة لآخر المعلومات حول اللقاح تنويرا للرأي العام الذي يترقب كل لحظة في متابعة جيدة لمؤشرات وأرقام الحصيلة لمختلف العمليات.

• اعتماد مراكز القرب للتلقيح .

• إنشاء مراكز رقمية نموذجية للتلقيح بالأقطاب الحضرية الكبرى.

• إشراك القوات المسلحة الملكية في العملية ووضع تجربتها رهن إشارة المجتمع المدني على غرار ما كان معمولا به لحظة ذروة الجائحة ببلادنا ، بحيث ثم يومذاك إنشاء مستشفيات ميدانية للتكفل بمرضى كوفيد-19، كما اللقاح ضده اللحظة .

• تسهيل الحصول على “جواز التلقيح التنقلي” بالمملكة ونحو الخارج عقب تلقي الجرعة الثانية اللازمة مباشرة في صيغتين إليكترونية وورقية بالضغط على نقرات وإدخال أرقام فقط .

الخطاب المواكب للتلقيح :

كما انفرقوا عن ظهور وباء كورونا انفلقوا كذلك عن التلقيح ، لكن كثيرا منهم مع التنقيح من الخطاب المواكب للتلقيح .

فالخطاب المواكب للعملية على مستويين :

• خطاب رسمي ، وهو الخطاب المسؤول على حماية المواطنين بما تقضيه المسؤولية السياسية والاجتماعية ؛ إنه الخطاب الداعي للإقبال على الاستفادة من اللقاح ويتمثل في خطاب مؤسسات الدولة الصحية والإعلامية والمؤسسات التي تكفلت بالتنظيم والتنسيق والضبط ؛ هي المؤسسات المؤتمنة على حماية وسلامة وصحة المواطنين بمبادرات متعاقبات دون كلل ولا ملل وهو الخطاب الملتزم .

• خطاب مدني وفيه مستويان :

الخطاب الداعم – أو خطاب التآزر- للخطاب الداعي للإقبال والاستجابة ؛ ويبرز في الاستجابة الفورية لكثير ممن وجهت إليهم الدعوة ممن هم في الصفوف الأمامية ؛ هم رجال الصحة وحفظ الأمن والسهر على تحركات المواطنين داخل الفضاءات المشتركة لقضاء الأغراض الحياتية وكذا رجال التعليم ثم المسنون فشَرع المشروع في النزول تدريجيا إلى قاعدة الهرم التي تتشكل من الشبيبة و المتمدرسين التي تعرف تحركا كثيرا داخل المنظومة المجتمعية ببلادنا ؛ واليوم حقا حق لنا القول بكل وثوقية ومصداقية أننا نتحدث عن الأسرة الملقحة وليس فردا أو فردين فقط ؛ وهو ما يعني ضمان استمرارية الحياة في صفوف الساكنة الوطنية بربوع البلاد وكسر الفيروس والحد من متحوراته على حد تعبير الخبراء في علم الأوبئة والفيروسات.

• الخطاب العدمي – أو خطاب التآمر- الخطاب المروج للإشاعة ونشر الفرقة في الجماعة كما عهد منه خلال ظهور وباء كورونا ؛ الخطاب الذي دعا زمن الحجر الصحي للدعوة للخروج للطاعة بارتكاب المعصية ؛ لكن وُجه توجيها صحيحا من لدن العلماء المتنورين المؤثرين بالكلمة الطيبة والسلوك الخلاق ، فبينوا كذب المفتري وخطورة المفترى عليه ، فتمت الاستجابة حينها وإن تكرر الفعل في زمن لاحق ، لكن الشاذ لا حكم له لعدم استمرار الفعل حتى يحكم له بالظاهرة ، والحال نفسها مع الخطاب الداعي إلى عدم الاستجابة لتلقي اللقاح ضد كوفيد فهو خطاب غير مفيد .

إن هذا الخطاب ، يظن ليس جازما كونه مؤثرا ، ولكن لا يلتفت إلى خواره الذي برز في عواره ، فالعملية مستمرة بإحكام ؛ تنظيما وتنفيذا وبإقدام جميع الفئات المجتمعية ممن سمع البلاغ من المؤسسات الوطنية مما تداوله الإعلام الوطني العام منه والخاص – الذي تحمل المسؤولية التاريخية والوطنية ليمنح الحيز الزمني الكبير للتفاعل مع الحدث ؛ كورونا واللقاح – ضده فوعاه واستوعب مضامينه .

إن الظن على بطلان دعواهم – الرافضون للقاح والداعون لرفضه- هو الغالب عند كثير من الناس، حتى عند الذي تعقب خطاهم واستجاب لدعواهم فلم تصل به إلا إلى المآسي ؛ عاش تبعاتها في الأصبح والأماسي ، فانفلق عن الخطاب العدمي فورا ؛ خطاب رد الفعل فاستراح من الأوجاع عما كان يقاسي .

فأصبحوا – الرافضون … – خائبين بعدما أتباعهم عن الفعل تائبين ، فضلوا – الرافضون … – ولم ولن يُضلوا ، فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق والحق أحق أن يتبع .

المستفيدون من العملية حتى اليوم ، يقارب عشرين ألفا وسوف تتسع الدائرة ويكبر شعاعها ليمنح للملكة إشعاعها من جديد عند اكتمال نصاب المستهدفين من الساكنة الوطنية والمتمدرسين والطلبة الذين ولاشك سيكون لهم دور فعال في تبديد هذا النوع من الخطاب العدمي الشاذ ، فالراشد من الطلبة له حق أخذ القرار وليس له من الأمر فرار حالما أن له رغبة التحصيل الحضوري ضمن المستويات التعليمية وهو شرط في الاستفادة من الدراسة الحضورية النظرية والتطبيقية وأن غيابه عن ذلك يتأثر به مساره التكويني فمساره الشخصي.

أما المتمدرسون الصغار القاصرون فلهم رغبة كبير في عيش اللحظة واكتشاف مجرى الأحداث ، ما يدفعهم للضغط على الآباء لمرافقتهم للاستفادة على غرار زملائهم وبني عائلاتهم وهو ما يعني أننا سنتحدث عن “الأسرة الملقحة” بدل فرد أو فردين داخل البيوتات المغربية .

وخيرا فعلت الدولة في استصدار قرار حكيم في إرجاء الدخول المدرسي والتكوين المهني والجامعي ومدارس البعثات ببلادنا حتى استكمال حلقة التلقيح الجماعية لفائدة رواد المدارس ومراكز التكوين والكليات بالجامعات الوطنية.

• الخطاب المتذبذب لا هو بداع ولا بداعم ولا بمانع ، ولكنه متمنع ينتظر النتائج التي ستسفر عنها العملية ، وما ذا بالإمكان أن يحدث !!!!

وهو ما قد نسميه ب “الخطاب الانتهازي “؛ لقد قدر الخبراء ما الذي سيحدث وأكدته التجارب ضمن مشاريع سابقة سبّاقة إلى إنجاح عملية التمنيع الجماعي للساكنة والأرقام تعلن نفسها على مواقع ذات مصداقية مشهود لها .

دعوة :

قفل الموضوع يقتضي منا التفاعل معه بالتعبير عن رأي نعتبره مفيدا وقيمة مضافة سيكون لها ما بعدها ، وفي ذلك ندعوا مثمنين كل الجهود المبذولة من لد ن الدولة والمؤسسات الفاعلة في الظرفية المرتهنة ومنها المؤسسات الإعلامية من غير إنكار ولا جحود :

• استثمار الشباب والتلاميذ الملقحين في عرض تجربتهم والتعبير عن قناعتهم ، وكذا عن حالتهم النفسية عقب استكمال الجرعات ضد الوباء في التحسيس بأهمية ونجاعة التلقيح ، وهو المشروع الذي يندرج ضمن التثقيف بالنظير أو القرين .

فتجربة مثل هذه أكيد قد تشحذ العزائم وستحد من الهزائم بالتأكيد أمام أنظار “الخطاب الرافض” أو الخطاب الذي لا شغل له سوى التشويش على الناس إنه “الخطاب الخاوي “.

• إنتاج مزيد من “الخطاب الداعي والداعم” للإقبال على تلقي الجرعات مع تطعيمه بنصوص دينية محفِّزة تبرز الصواب من الجهر بالسوء من القول المواكب للحظة في سد منيع للترويج “لخطاب المنع أو المعاكسة أو خطاب الانتهازية”.

معا للمواجهة والمجابهة ضد الوباء بالتوجه إلى مراكز التلقيح .

معا لمرافقة المتمدرسين من أبنائنا من أجل تلقي اللقاح لضمان دخول مدرسي آمن .

معا لمزيد من الالتزام بالتدابير الاحترازية حفاظا على سلامة وصحة الأسرة المغربية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube