سياسةمجتمعمستجدات

حراك الريف

بقلم: عبدالحق الريكي

“الكفاح الحقيقي هو الذي ينبثق من وجدان الشعب. لأنه لا يتوقف حتى النصر”

الزعيم محمد بن عبدالكريم الخطابي

قرأت مؤخرا في أسبوعية صادرة من الرباط، أن جمعية لحقوق الإنسان طالبت بمناسبة ترأس المغرب للجنة حقوق الإنسان بجنيف، إصدار عفو عام عن باقي معتقلي حراك الريف. يجب القول إن أحزابا وجمعيات وطنية ودولية ما فتئت تطالب بهذا المطلب. أنا بنفسي طالبت وما زلت، بتنقية الأجواء الحقوقية في المغرب.

لمن لا يعرفني فأنا منحدر من الريف، بالضبط من أجدير إقليم الحسيمة، لكن قاطن بالرباط منذ 1972 إلى يوم الناس هذا. سأحدثكم عن ثلاث قضايا تبدو لي مهمة في حراك الريف، رغم كون القضية تتطلب مجلدات، لأنها فيها العديد من النقط المهمة، والدليل على ذلك هو العديد من الكتب والمجلات التي تناولت الموضوع إلى حدود اليوم.

مقولة الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي التي بدأت بها هذا المقال الصغير، بالنسبة لي هي الأساس، والعلم عند الله إن كانت قيادة الحراك واعية بما أنجزته، وثانيا تم طمسها من الجميع ولا أحد يتحدث عنها اليوم، وحتى لا أترك القارئ يتوه في التفكير، فأقول له الأمر يتعلق بالملف المطلبي لساكنة الحسيمة وإقليمها.

هكذا وفي هذا المقال سأتحدث عن ثلاث أشياء. النقطة الأولى هي كيف خرج ناصر الزفزافي وباقي قيادة الحراك من رحم الجماهير، النقطة الثانية متعلقة كما قلت بالملف المطلبي، والنقطة الأخيرة كيف ينظر باقي المغرب لنصار الزفزافي وقادة الحراك.

عندما وقع ما وقع للشهيد محسن فكري، كانت الانتخابات للتو قد مرت وبوأت حزبا معينا كل مقاعد الإقليم، رغم النسبة العالية جدا لعدم المشاركين في التصويت. فالكل كان يعتقد أننا أمام احتجاج سيمُر لا محالة، لأن كل القوى في الإقليم “معروفة” منذ زمان. كل المتتبعين سواء داخل الإقليم أو خارجه، خاصة الأجهزة الاستعلامية، كانت تعتقد أن ما وقع للشهيد فكري رغم صعوبة تقبله، سينتهي تلك الليلة.

الكل، وأنا ضمنهم، لم نكن نتوقع حراكا مباركا، فما بالك بالأجهزة التي تعلم كل شيء عن الأفراد والمجموعات. ما لم تعرفه الدولة المغربية هي كون كل حاجة ممكن أن تحدث ثورة أو حراكا. لا يمكن التكهن بما سوف يقع على إثر حادث عابر أو مقصود.

في تلك الليلة ظهر شاب، ناصر الزفزافي، طرح بتدخله الفصيح وشجاعته ما كان في صدر الملايين من أهل الحسيمة والريف والمغرب ككل. نقول في الأدبيات القديمة أنه قائد انبثق من الشعب. بطبيعة الحال عنده ماض، لكنه بالضرورة وكذا كل قادة الحراك من إفراز اللحظة التاريخية والشعب. الهاجس العام، وخاصة الأمني، كيف ومتى ستظهر قيادة جديدة وفي أي مدينة أو قرية في المغرب.

هذه باختصار شديد النقطة الأولى. قوة الحراك والقادة، وخصوصا ناصر الزفزافي، أنهم في حراكهم طرحوا فكرة الملف المطلبي للإقليم وذلك بمباركة السلطة أو رغم عنها لأنها لم تكن تعرف من أين خرجوا وكيف التعامل معهم.

في الحقيقة قوة الحراك في سلميته وفي طرحه ملف مطلبي رغم خاصيته إلا أن كل المغاربة في جل المدن والقرى، متفقين على محتواه.  سواء تعلق الأمر بالمطالب الحقوقية، أو القانونية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الإدارية وغيرها (أحيل الشبان البحث عن الملف المطلبي الموجود بالإنترنت).

تلك كانت قوة الحراك في تلائم كل فئات الجماهير حول الملف المطلبي، بحيث كل الناس وجدت فيه ذاتها. ما كان كل واحد يجهر بيه في الخاص أصبح واقعا علنيا. في الوقت الذي كانت السلطة خاصة بالمركز تبحث كيف القضاء على الحراك وقادته. بطبيعة الحال الدولة المركزية لها من الأدوات والإمكانيات الخاصة والعامة، لإنهاء الحراك. النتيجة هي أن زجت بقيادة الحراك في السجن وأفرجت عن البعض والبعض الآخر في السجون.

هل هذا هو الحل؟ من وجهة نظري هناك حلولا شتى لم تُفعلهم الدولة المغربية. أضاعت كل هذه السنين، في حين، والوقت لم يزل، كان عليها تغيير نظامها وهياكلها، وذلك عبر الإفراج عما تبقى من قادة الحراك وباقي المعتقلين، وخاصة العمل على تحقيق الملف المطلبي لأهل الريف.

النقطة الأخيرة وهي المتعلقة بناصر الحق، ناصر الزفزافي، الذي أصبح وجها وطنيا ودوليا، عوض أن يكون قائدا لحراك الريف. شعبية ناصر الزفزافي حقيقية في كل مدن وقرى المغرب، في الدارالبيضاء، الرباط، ورزازات وطاطا، مراكش وفاس، ومختلف مناطق المغرب (هذه المدن مذكورة على سبيل المثال). وأنا بالنسبة لي، ناصر، يمكن له أن يلعب أدوارا مهمة في القادم من الأيام إن كانت الدولة المغربية واعية بأدوارها المستقبلية، خاصة أن كل الوسطاء فشلوا منذ سنين. فعوض من لعب دورهم في حماية الدولة أصبحت هذه الأخيرة في حمايتهم.

الحراك كان سلميا وحافظ على الممتلكات وأعراض الناس، وأعطانا نحن من جيل ما بعد الاستقلال دروسا لا تنسى. فالقادة في السجون، رغم قسوة الظروف، أرادوا التفاوض مع من بمقدوره تلبية المطالب، ونحن تعلمنا أنصاف الحلول. فشكرا لهم كلهم، سواء الموجودين خارج أسوار السجن أو القابعين داخله.

وما علينا، في ختام هذا المقال القصير، إلا المطالبة مرة أخرى السراح لباقي معتقلي الحراك وعلى رأسهم ناصر الزفزافي.

بقلم: عبدالحق الريكي

الرباط، السبت 20 يناير 2024

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube