احمد رباصتقارير

السلطات العمومية تقمع وقفة احتجاجية بالرباط احتفالا بذكرى حركة 20 فبراير (مع شهادة عبد الحميد أمين)

حرة بريس -أحمد رباص

ابتداء من الساعة والنصف امن مساء يوم السبت 20 فبراير اجتمع مئات المناضلين والمناضلات في ساحة باب الأحد وبدأوا يهتفون بشعارات تطالب بحقوق الإنسان والكرامة والحرية للمعتقلين في الزنازن بسبب تعبيرهم عن آرائهم.
وما أن انطلقت الوقفة السلمية حتى هرع أعوان من جميع انواع القمع وهجموا على المحتجين بالضرب والدفع وذلك من أجل تفريقهم.
اسفرت هذه الحملة القمعية عن سقوط مواطنين من المحتجين نتيجة تعرضهم للضرب من طرف أعوان السلطة. وقد استدعت حالتهما الصحية المعتلة نقلهما إلى المستشفى على متن سيارة الإسعاف. كما تم اعتقال الشاب أمين الشباني الذي طالب المحتجون والمحتجات بإطلاق سراحه فورا.
استنكر المشاركون في هذه الوقفة القمع الذي تعرضوا له مع أن القانون المغربي لا يشترط أي ترخيص أو تصريح مسبق قبل الإقدام على تنظيم وقفة احتجاجية. واستغربوا في الوقت ذاته كيف برر أحد اعوان الأمن تدخلهم العنيف ضد المحتجين بكون الوقفة غير قانونية وغير مرخص لها.
ورغم القمع الذي تعرضت له الوقفة فقد صرح بعض نشطائها لوسائل الإعلام الحاضرة بحقهم في التظاهر السلمي من اجل المطالبة بتحقيق المطالب التي رفعتها حركة 20 فبراير والتي يمكن تلخيصها في محاربة الريع والفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية. في هذا السياق، أشارت ناشطة جمعوية إلى أن القمع في بلادنا طال الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية وتم الزج بالمواطنين في السجون لا لشيء سوى لأنهم عبر وا عن آرائهم. ولاحظت نفس الفاعلة المدنية أن السلطة المخزنية تغولت واستغلت الجائحة لضرب مكتسبات الشعب المغربي في مجال حرية الصحافة وحرية التعبير وللتمادي في سياسة الريع ونهب خيرات وثروات البلاد كي يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا مدقعا.
وتبقى الشهادة التي كتبها عبد الحميد أمين ( 69سنة)، الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ذات دلالة بليغة على الأجواء القمعية التي حالت دون تنظيم هذه الوقفة الاحتجاجية.


انطلاقا من موقعه كمناضل صامد في حركة 20 فبراير، أدلى عبد الحميد أمين بشهادته حول التعنيف الذي تعرضت له الوقفة الاحتجاجية المبرمجة في إطار تخليد ذكرى حركة 20 فبراير من قمع مهين على يد السلطات العمومية.
فعلى الساعة السادسة مساء، وهو الموعد المحدد لانطلاق تظاهرة 20 فبراير بالرباط، بدأ المناضلون/ات الفبراريون، وهو من ضمنهم، يتجهون نحو ساحة باب الأحد، المكان المحدد للوقفة الجماعية التي تسبق انطلاق المسيرة. وقد لاحظ تواجد حشود من قوات الأمن بأشكالها المختلفة تطوق الساحة التي ظلت فارغة. وللإشارة، وحسب علمه، لم يتوصل أي من المناضلين/ات المشرفين على تنظيم التظاهرة أو المسؤولين داخل لجنة المتابعة للمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير بقرار المنع التقليدي الذي كان والي الجهة يبعثه في بعض من هذه المناسبات.
وبغتة أخذ رجال الأمن، ودون القيام بالإجراءات القانونية المعروفة (الإعلان بواسطة مكبر الصوت عن منع وفض التظاهرة) يعنفون المناضلين/ات والمواطنين/ات الذين جاؤوا للتظاهر مستعملين العبارات النابية والدفع العنيف واللكم والركل والرفس والسحل والهراوات كما يتجلى ذلك من معاينات الصحفيين، من مختلف التقارير المنشورة، ومن الصور وأشرطة الفيديو التي تم نقلها عبر الأنترنيت.

وبعد ذلك، ركز عبد الحميد أمين على معاناته الشخصية أثناء القمع العنيف للتظاهرة. ففي السادسة مساء، وقف في ساحة باب الأحد منتظرا انطلاق التظاهرة إلى جانب بعض الرفاق. وشاهد بداية العنف البوليسي لمنع التظاهرة دون أن يغادر مكانه الأصلي. وطلب منه البوليس مغادرة المكان فرفض، لعدم وجود أي مبرر لمغادرة المكان، خاصة وأنهم تمكنوا من مطاردة المتظاهرين الذين عادوا يتجمعون على بعد خمسين أو مئة متر من ساحة باب الأحد، رافعين شعارات استنكارية للقمع ومطالبين بالحرية للمعتقلين السياسيين (الشعار المركزي لليوم النضالي الوطني رقم 27).
وشرع البوليس في استعمال العنف ضده (الدفع والركل) لحمله على مغادرة مكانه الأصلي؛ ولم يجد من وسيلة للدفاع عن نفسه سوى الجلوس والالتصاق بالأرض. وهنا بدأت عملية “التجرجير” (أو السحل كما ورد في المقالات الصحفية، وهي العبارة التي لم أكن يعرفها من قبل وإن كان قد عاشها عددا من المرات وآخرها أثناء الوقفة الاحتجاجية لحركة 20 فبراير المتعلقةبميزانية القصر، يوم 18 نونبر الماضي) التي أبعدوه من خلالها عن مكاني الأصلي في ساحة باب الاحد بعشرات الأمتار.
“التجرجير” هي عملية تعذيب مزدوج: الجانب الأول، وهو الأهون، التعذيب الجسماني، حيث الآلم في الكتفين والمفاصل والظهر خصوصا إذا كان مرض الروماتيزم قد فعل فعلته، والجانب الثاني معنوي ونفسي؛ فعندما يكون “مجرجرا” تحضره صورة أضحية العيد، حين يذبح الكبش و”يجرجر” لإبعاده عن مكان الذبح لتفادي تلطيخ “الهيضورة” بالدم؛ يجب بذل مجهود لتصور الآلام النفسية التي كان يحس بها مناضل مع الشعب المغربي عمره 69 سنة، عرف الوطنية والنضال ومختلف أصناف القمع منذ التاسعة من عمره يتم معاملته من طرف المخزن كما يعامل الكبش بعد ذبحه. إنها الحكرة بعينها ومنتهى الإهانة وعفس الكرامة البشرية. ولهذا بمجرد الانتهاء من سحله ورميه في الجهة الأخرى كان يقف مجددا ويتفض لكرامته ويصرخ” كرامة، حرية، عدالة اجتماعية” ويعود لمكانه الأصلي بساحة باب الأحد غير عابئ بما يمكن أن يحصل: فالكرامة بالنسبة إليه، هي أهم من اي شيء آخر وأهم من الحياة نفسها، لأن الحياة بدون كرامة هي موت للإنسان وسط حياة حيوانية.

https://www.facebook.com/k36.ma/videos/178026837127738/
وتكرر نفس المشهد أربع أو خمس مرات: “التجرجير” لإبعاده من مكانه الأصلي بساحة باب الأحد، ثم الرجوع إلى نفس المكان وهكذا دواليك. وبالموازاة مع “التجرجير” أو بعده، كان الركل غير المرئي الذي يتفنن فيه بعض البوليس الساديين، وكانت الضربة على الرأس بجهاز الاتصال (الطولكيوولكي) من طرف أحد المسؤولين الأمنيين الذي اختفى عن الأنظار بعد ذلك مباشرة، بعد أن شهر صاحب الشهادة أمام الملأ بسلوكه الفاشي؛ وكانت ضربة أخرى تلقاها في مكان آخر من الراس دون أن يعرف مصدرها.
وفي لحظة معينة ، بعد أن تأكد من لا جدوى وعبث وكلفة عملية السحل (“التجرجير”) الإنسانية والسياسية، اتخذ البوليس قرارا غريبا من نوعه هو منعه كشخص من ولوج ساحة باب الأحد؛ ولتنفيذ القرار ثم نصب حاجز بشري مكون من العشرات من عناصر البوليس والقوات المساعدة لمنعه من اجتياز الطريق الفاصلة بين مكان محاصرته ومكانه الأصلي بساحة باب الأحد. وقد تم تبليغه، شفويا طبعا، بالقرار من طرف المسؤول الأول عن العمليات الأمنية بمنطقة الأحداث؛ وفي نفس الوقت كنت أشاهد أن ساحة باب الأحد أصبحت مباحة للجميع وحتى للمناضلين/ات الذين جاؤوا للمشاركة في التظاهرة، مما يؤكد أن القرار التعسفي والسخيف بمنعه شخصيا من ولوج ساحة باب الأحد هو قرار ثابت، وهذا ما أجج إصراره على الدفاع عن كرامته مهما كان الثمن، والكرامة في تلك اللحظة أصبحت مجسدة في الرجوع غير المشروط إلى مكانه الأصلي بساحة باب الأحد؛ وحتى يتحمل الجميع مسؤولياته، ونظرا لعدم توفره على هاتف والي الجهة هاتف السيد رشدي رئيس قسم الشؤون العامة بالولاية لإخباره بما يجري وبالقرار الذي اتخذته القوات الأمنية وبإصراره على الرجوع إلى مكانه الأصلي بساحة باب الأحد. وفي تلك الأثناء ونظرا لحالته الصحية المقلقة، بدأ بعض رفاقي القلائل الذين سمح لهم بالتواجد بجانبه يتخوفون بالخصوص من آثار الإصابتين في الرأس ويلحون على ذهابه إلى المستعجلات في سيارة الإسعاف الموجودة في عين المكان. رفض أن يذهب إلى المستشفى قبل أن يعود إلى مكانه الأصلي بساحة باب الأحد. لم يكن ليقبل بقرار تعسفي يحد من حريته في التنقل ومن حقه في التواجد في أي مكان عمومي. فكان إصراريده على العودة إلى مكانه الأصلي بساحة باب الأحد قبل أي شيء آخر.
وفي هذه الأثناء، التحقت به زوجته وآزرتنه في موقفه.. وقرر آنذاك كتابة لافتة ورقية مضمونها: ” عبد الحميد أمين، مناضل حركة 20 فبراير، محاصر من طرف البوليس”. وبمجرد انتهائه من كتابة اللافتة، ارتمى البوليس عليه بشكل همجي وأخذوا منه اللافتة ومزقوها؛ ثم انقضوا عليه بطريقة جنونية وحملوه “مرابعة” كما يقال ــ وزوجته تتبعه وهي تصرخ بعد أن شاهدت ذلك المنظر الرهيب ــ إلى أن أوصلوه إلى زنقة صغيرة بدون منفذ، تبعد بحوالي مئة متر عن ساحة باب الأحد. ومرة أخرى أصطدم بإجراء غريب هو منعه من طرف البوليس من الخروج من الزنقة التي وجدت نفسه فيها مع زوجته التي كانت منهارة هناك، دون أن يعرف كيف تم ذلك. وأخذ يحتج على احتجازه في زقاق بدون منفذ. فهذا ثاني إجراء غريب ضد حريته في التنقل. وبدأ يصرخ متساىلا: لماذا تخرقون القانون بهذه الطريقة الفجة؟ إن كنت قد أجرمت، فما عليكم إلا أن تعتقلوني بذل منعي كشخص من ولوج ساحة باب الأحد أو احتجازي في زنقة بدون منفذ.؟
وفجأة تغيرت الأشياء؛ فجاءه مهرولا رئيس العمليات الأمنية (الذي سبق له أن أخبره بالمنع من ولوج ساحة باب الأحد) وقال له بصوت مرتفع: “لا لا أنت غير محتجز، أنت حر تفضل، أخرج إنك حر”، ثم أضاف: “ماذا تريد آسي أمين؟ ما هو مطلبك؟ فأجبته “أنت تعرف جيدا مطلبي”.فقال لي مرة أخرى “ماذا تطلب؟” فقال له “أنا أهنت وتم دوس كرامتي وأريد رد الاعتبار ولو جزئيا لكرامتي عبر الرجوع إلى مكاني الأصلي. فوافق على ذلك. وبالفعل ذهبتد مع زوجته إلى مكانه الأصلي بساحة باب الأحد الذي وقف فيه على الساعة السادسة مساء، الموعد المحدد لانطلاق الوقفة الجماعية قبل تنظيم المسيرة. عند وصوله لذلك المكان قبل الأرض مرتين ثم ردد مع زوجته وبعض المناضلين الآخرين “حرية، كرامة، عدالة اجتماعية”.
وعند حلول الساعة التاسعة ليلا. ذهب عبد الحميد إلى المستعجلات بمستشفى ابن سينا، وفي قرارة نفسه ترسخت الفكرة التي مفادها أن الحياة مستمرة والنضال مستمر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube