
د ادريس الفينة
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم قرارًا يقضي بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25% على واردات السيارات وأجزائها القادمة من خارج الولايات المتحدة، في خطوة أربكت موازين صناعة السيارات العالمية وأثارت موجة من القلق وسط مراكز الإنتاج الكبرى. القرار الذي يندرج ضمن سياسة “إعادة أمريكا العظيمة” يمثل تصعيدًا واضحًا في النهج الحمائي الذي تتبناه واشنطن، ويهدف إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي الضخم، وتحفيز الشركات على توطين سلاسل إنتاجها داخل البلاد. غير أن تداعيات هذه الخطوة لا تقتصر على عمالقة الصناعة في أوروبا واليابان، بل تمتد أيضًا إلى دول نامية أصبحت جزءًا فاعلًا في سلاسل القيمة العالمية، وعلى رأسها المغرب.في السنوات الأخيرة، نجح المغرب في أن يتحول إلى قاعدة صناعية إقليمية لصناعة السيارات، بفضل استثمارات كبرى لشركات متعددة الجنسيات، وبنية تحتية تنافسية، واتفاقيات تبادل حر، من ضمنها الاتفاقية الموقعة مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ 2006. وحسب بيانات مكتب الصرف، فإن المغرب يصدر ما يقارب 1,5 مليار درهم سنويًا من السيارات وأجزائها نحو السوق الأمريكية، وهو رقم يعكس حجم الترابط بين الإنتاج المحلي والسوق الأمريكية، سواء من خلال التصدير المباشر أو عبر سلاسل الإمداد المرتبطة بمصنّعين أمريكيين.لكن فرض هذه الرسوم الجديدة يعيد خلط الأوراق. فعلى الرغم من أن اتفاق التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة يفترض أن يحمي المنتجات المغربية من هذه الرسوم، إلا أن هذا الإعفاء يبقى مشروطًا بقواعد منشأ دقيقة، تستوجب أن تحتوي المنتجات على نسبة محددة من القيمة المضافة المحلية. وهذا قد لا يتحقق دائمًا، نظرًا لاعتماد الصناعة المغربية على مكونات مستوردة من أوروبا وآسيا. كما أن إدارة ترامب سبق أن شككت في جدوى العديد من الاتفاقيات التجارية، ولا يُستبعد أن يشمل هذا التوجه اتفاقه مع المغرب، سواء عبر مراجعة بنوده أو عبر تطبيق انتقائي لمقتضياته تحت ذرائع تتعلق بالأمن القومي أو المصلحة الاقتصادية.التأثيرات المحتملة لهذا القرار على المغرب قد تتخذ عدة أشكال. أولها، تراجع الصادرات المغربية المباشرة نحو الولايات المتحدة، في حال تم تقييد الإعفاءات الجمركية أو تعطيلها عبر تدابير فنية أو إدارية. ثانيًا، قد تتأثر سلاسل التوريد المرتبطة بالشركات الأمريكية التي تعتمد على مكونات مصنّعة في المغرب، ما قد يدفعها إلى تقليص طلبياتها أو إعادة توجيه عقودها نحو مزوّدين محليين داخل الولايات المتحدة أو في بلدان اتفاقياتها الجديدة. ثالثًا، من المرتقب أن تشهد السوق الأمريكية ارتفاعًا في أسعار السيارات، ما سيؤدي إلى تراجع الطلب الكلي، وبالتالي إلى تقلص النشاط الصناعي المرتبط بها على مستوى العالم، بما في ذلك المغرب.لكن الانعكاسات لا تقف عند البوابة الأمريكية. فالتشوهات التي قد يحدثها القرار في السوق العالمية ستلقي بظلالها أيضًا على الأسواق الأوروبية واللاتينية التي ترتبط بدورها بسلاسل الإمداد الأمريكية. شركات كثيرة قد تجد نفسها مجبرة على إعادة النظر في هيكلة إنتاجها، أو تقليص الطلبيات من فروعها الخارجية، أو إعادة جدولة استثماراتها الصناعية. كل هذا قد يعني تباطؤًا في الطلب الصناعي على الإنتاج المغربي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ما من شأنه أن يؤثر على مناصب الشغل، وتوازن الميزان التجاري، ونمو القيمة المضافة الصناعية.في هذا السياق المضطرب، يبدو أن قطاع السيارات المغربي يواجه اختبارًا صعبًا في الحفاظ على موقعه داخل منظومة صناعية عالمية أصبحت أكثر تقلبًا، وأقل قابلية للتنبؤ. قرار ترامب لا يضرب فقط التجارة الدولية، بل يعلن بداية مرحلة جديدة تعاد فيها صياغة التحالفات الاقتصادية وفق منطق القوة، وليس وفق قواعد التجارة الحرة. والمغرب، رغم ما أحرزه من مكتسبات، ليس بمنأى عن هذه الموجة.
