الريادة الجماعية بالمهجر
نظرة تعمق في اختلالات العمل الجماعي بالمهجر
بقلم القادري المصطفى – لندن
كثيرا ما تتعالى الأصوات ببلدان المهجر للتشكي من ظاهرة غياب تمثيلية وازنة تدافع عن مصالح شريحة واسعة من المغتربين المغاربة و أبنائهم في خضم فشل التجارب و المحاولات اليائسة لتوحيد صفوف المهاجرين و لملمة شملهم حول قضاياهم المصيرية.
الأمر هنا يحتاج إلى نظرة متعمقة لمختلف الأراء بحسب موقع كل فرد و ارتباطا بالظروف الذاتية و الموضوعية سواء الإجتماعية و التربوية و الإقتصادية منها أو الإنتماءات العقدية و السياسية, و حيث أن المجال لا يتسع في هذه الأسطر لسبر أغوار العلل الكامنة وراء الإختلاف و الخلاف و الإلمام بكافة الجزئيات و التفاصيل التي تفضي إلى الوضع الراهن على إعتبار أنه نقاش يحتم علينا إستيفاء كافةعناصر البحث و التعمق و إستعمال الأساليب و الاليات العلمية الكفيلة بضمان الموضوعية و تحقيق القدر الكافي من الإحترام الذي يستحقه القارئ الكريم.
إلا أنه مما لا يضر بحال من الأحوال بموضوعية النقاش أن يتم إبداء بعض الملاحظات التي يمكن تسجيلها بالإعتماد على الإستقراء المباشر للواقع, حيث أن غالبية الحجج و التبريرات التي تؤتث طاولة النقاش لا تغذو أن تكون مجرد غربال نحاول إستعماله لإخفاء شمس الحقيقة الساطعة و المتمثلة في عجز المهاجرين المغاربة عموما عن بناء حركة أو حركات مجتمعية وازنة سواء تعلق الأمر بإطارات جمعوية, تنسيقيات أو فيدراليات أو حتى فروع أحزاب سياسية ناهيك عن خلق لوبي مجتمعي قادر على التأثير و المساهمة في هندسة الحاضر و المستقبل سواء داخل الوطن أو في أوطان الإستقبال.
وللإنصاف فإن هذا العجز ليس حكرا على فضاء العمل المدني سواء التطوعي منه أو الإحترافي و أنما نشهده أيضا في فضاءات عالم الإقتصاد و الأعمال حيث و باستثناء حالات معدودة و محدودة جدا من المهاجرين الذين تمكنوا من بناء مقاولات ناجحة أو استطاعوا إثبات ذواتهم من خلال اقتناص الفرص المتميزة, نجد أنه في أغلب الأحوال نواجه إشكال الفشل المترسب في أعماق العقليات حيث تسود ثقافة الكسل و التسول المرتبطة بالهرولة المفرطة نحو الإستفادة من المساعدات الإجتماعية و الإنتهازية القاتلة التي تصيغ المبررات الميكافيلليةبالإضافة إلى عوامل التدين المحرف في مفهومه و قيمه و الذي يدعو للتواكل و اعتماد مفهوم القناعة في جانبها المضر إلى درجة أصبح نقاش المساعدات الإجتماعية هو العامل المحدد و المؤشر الذي يعتمده المهاجر لتصنيف الدول الاوروبية بعيدا عن مؤشرات العنصرية و التعليم والسكن و السعادة و الفرص الإجتماعية.
لسنا نحاول التعميم بقدر ما هي محاولة مقارنة بسيطة بين مختلف المواطنين من شتى الجنسيات يمكن أن تجعلنا ننظر إلى الصورة الكبرى و من زاوية قلما يتم أخذها بعين الإعتبار, يتعلق الأمر هنا بعقدة الدونية التي يعيشها المواطن المغربي إنطلاقا من الدكتور إلى الفلاح أو العامل البسيط، العقدة التي يشاركنا فيها بعض المواطنين من دول أمريكا اللاتينية الذين ألفوا المسكنة و التذلل لتحقيق المأرب، في حين لا نجدها حاضرة عند المواطنين من جنسيات أخرى من قبيل الأسيويين و الأوروبيين و حتى الكثير من إخواننا الأفارقة، لا بل حتى الدول العربية من قبيل مصر و لبنان و سوريا و فلسطين الذين يمتلكون حسا و طنيا عميقا و قدرا عاليا من الثقة بالنفس تجعلهم قادرين على تخطي الحواجز و اصطياد الفرص و تخلق الفضاء الملائم لتحقيق مختلف الأهداف و تسهيل شروط العمل الجماعي.
عندما تسنح لك الفرصة للتواصل مع الجنسيات المختلفة و مشاركتهم بعض الأنشطة و اللقاءات العامة و حتى الخاصة منها، نلاحظ مدى أهمية ثقافة المجموعة و العمل الجماعي و يبهرك مدى إحترام الأفراد للتخصصات التي يتقنها كل فرد على حدة، هذا بالإضافة إلى الدرجة العالية من التعاون في الإرتقاء بالمستوى الإجتماعي و الإقتصادي و المعرفي للأفراد بعيدا عن المماراسات الإنتهازية القاتلة التي تعيشها نخبنا و البسطاء من مواطنينا على حد سواء. فالمواطن الفرنسي أو الهولندي أو الألماني أو الصيني أو الماليزي … نجدهم أقل تكوينا من المغاربة، و محدودي القدرة عندما يتعلق الأمر بتعلم اللغات أو مهارات جديدة حيث أن العقل المغربي لازال يشكل -على الأقل بالنسبة لي- أحد عجائب الدنيا نطرا للقدرة الفريدة على التعلم، حيث لن تجد مواطنا مغربيا يعيش خارج الوطن لا يتقن التحذث بتلاث إلى أربع لغات في المتوسط، الشئ الذي تعجز عنه الجنسيات الأخرى في الغالب. لكن و بالرغم من ذلك، يحوم الفشل حولنا بإستمرار و تتكسر مشاريعنا على صخور التخاذل و الخوف و انعدام الثقة و خرافات الدين و العرف التي أكل عليها الدهر وشرب بالإضافة إلى السيبة الفكرية التي تبخس التخصص و قيمة العمل و الريادة الجماعيتين، هذا دون أن ننسى بعض المساهمة من صناع القرار من خلال الإصرار على تشتيت أي حركية لا يمكن التحكم بخيوطها بحسب ما يلاحظ على الأعم مع حفظ شيئا من المسافة هنا تجنبا للسقوط في شباك نطريات المؤامرة.
أين يكمن الخلل يا ترى؟ هل هي التربية و مناهج التدريس و ما تنتجه من عقليات؟ أم هي السياسة و تأثيراتها التي تجعل من الكل يتعبد بديانة الريع و المصلحة؟ أم هي تأثيرات العرف و التدين التي يبني حولنا حدودا و حواجز لا يمكن تخطيها؟ أم أنها المقاربة الأمنية التي تجعلنا نعيش في حالة إستثناء أبدية؟ أم هي قلة التكوين و التجربة و الو عي الذاتي بالقدرات؟ أم أنها السيبة التي تجعل للكل حقا في التعبير و المساهمة، و إنتقاد كل شخص من المقدم إلى الملك، و كل شئ من زيت الزيتون إلى علم الفيزياء الذرية؟
مما لا شك فيه أن المزيد من الأسئلة يمكن أن تطرح، لكن تبقى الإجابة عنها رهينة بمدى إستعداد كل الأطراف لخوض نقاش هادئ يأخذ بالدراسة مكامن الخلل في منظومة العمل الجماعي بالخارج و سبل الإرتقاء بها لتحقيق الريادة. فالدعوة عامة و لنخبنا واسع النظر.