سياسةمستجداتمقالات الرأي

إسبانيا وإسرائيل وطوفان الأقصى: ثمانية قرون من الإرث العربي الإسلامي

بقلم : عبدالحي كريط

دخلت العلاقات الإسبانية الإسرائيلية منعطفًا حاسما في تاريخ علاقتهما الدبلوماسية بعد عملية  السابع من أكتوبر “طوفان الأقصى“ وبدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وتفاقمت الأزمة بين تل أبيب ومدريد بعد دعم حكومة سانشيز لغزة وتشكيكها في احترام تل أبيب للقانون الإنساني الدولي في حربها على القطاع المحاصر.

وتعد إسبانيا إحدى الدول الأوروبية الأقرب إلى العالم العربي الذي تتقاطع معه من خلال الدائرة المتوسطية جغرافيا ومن خلال ثمانية  قرون من الإرث العربي الإسلامي في الأندلس تاريخيا.

ولم يكن الوجود العربي الإسلامي في إسبانيا أمرا عابرا في طيات الزمن وثبج التاريخ، بل إنه يشكل إرثا حضاريا نادرا من طراز رفيع، ميز حقبة تعد من أعظم الحقب إشعاعا و إزدهارا في تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية.

وعادة ما يشعر العرب والإسبان على حد سواء بروابط إقليمية وثقافية جعلت من إسبانيا حلقة وصل ثقافي ودبلوماسي وتاريخي بين کل من العرب وأوروبا.

ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة منذ 7 أشهر كان الموقف الإسباني يتماهى مع مواقف دول مثل البرتغال وبلجيكا وإيرلندا، كما ينسجم مع نبض الشارع الأوروبي الذي اجتاحته المظاهرات المطالبة بوقف الحرب على غزة.

وتوترت العلاقات بين إسبانيا وإسرائيل منذ الحرب العالمية الثانية، ومرت بعدة محطات من التصعيد أبرزها:

 عارضت إسرائيل انضمام إسبانيا للأمم المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب علاقة مدريد بألمانيا النازية.

 لم تقم إسبانيا علاقات رسمية منذ قيام الكيان إلا في عام 1986.

 في 2006، وعقب إندلاع الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني ظهر رئيس الحكومة الإسبانية آنذاك الاشتراكي خوسيه لويس رودريغيث ثاباتيرو بالكوفية الفلسطينية وانتقد إفراط حكومة إسرائيل باستعمال القوة ضد اللبنانيين.

 في 2014، تبنى البرلمان الإسباني (الكونغرس) بالإجماع قراراً غير ملزم يدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

 عارضت إسبانيا على لسان وزير خارجيتها خوسه مانويل ألباريس عقب اندلاع الحرب في أكتوبر الماضي تعليق الاتحاد الأوروبي المساعدات للفلسطينيين.

 خلال الحرب الحالية، قدمت إسبانيا، التي تتولى رئاسة مجلس الإتحاد الأوروبي، اقتراحا بعقد مؤتمر للسلام في غضون 6 أشهر.

 26 أكتوبر الماضي، طالبت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية إيوني بيلار الدول الأوروبية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ومعاقبتها بسبب استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمدنيين في غزة.

 في 25 نوفمبر الماضي، أعلنت بلدية برشلونة قطع العلاقات مع الدولة العبرية بشكل كامل حتى وقف إطلاق النار.

 في 15 نوفمبر الماضي، تعهد سانشيز بأن تعمل حكومته للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعا إلى وضع حد لآلة القتل الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة.

 في 24 نوفمبر وأثناء زيارته لمعبر رفح، قال رئيس الوزراء الإسباني إن “تدمير غزة غير مقبول” و “العنف لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف”.

 قررت الحكومة الإسبانية زيادة  المساعدات التي تمنحها للفلسطينيين إلى 100 مليون يورو أخرى عكس بعض الدول الغربية التي أوقفت مساعداتها

 وزيرة المساواة الإسبانية إيرين مونتيرو اتهمت الولايات المتحدة بـ”التواطؤ” مع “جرائم الحرب” التي ترتكبها إسرائيل بغزة.

 في 1 ديسمبر، قال سانشيز إنه يشك في أن إسرائيل تحترم القانون الدولي بالنظر إلى عدد الضحايا في غزة جراء القصف الإسرائيلي.

 أعلن سانشيز عزم إعتراف إسبانيا بشكل رسمي بالدولة الفلسطينية على حدود 67 في 28 ماي المقبل.

 وجه وزير الخارجية في حكومة نيتنياهو يسرائيل كاتس انتقادات لاذعة ومسيئة لنائبة رئيس الوزراء الإسباني “يولاندا دياز” التي لم تكتف بالدعوة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية بل “لتحرير فلسطين من النهر الى البحر“.

علاقة معقدة وتأثير ثمانية قرون 

تعد العلاقة بين إسبانيا وإسرائيل، علاقة تشوبها الكثير من التناقضات فقد كتب أحدهم في صحيفة “El pais” الإسبانية أن قيام دولة إسرائيل كان خطأ تاريخياً يجب إزالته، وفي استطلاع  للرأي العام في إسبانيا قال 10٪ إن زوال إسرائيل هو الحل الأفضل بالنسبة إليهم للنزاع في الشرق الأوسط.

ويعرف الإسبان، عموماً، إسرائيل عبر التقارير الإعلامية، وعندما يسمع المواطن الإسباني العادي كلمة إسرائيل فهي تعني له فقط دولة نزاع وصراع وإستطاعت الجالية العربية المتواجدة بالمملكة الأيبيرية أن توصل صوتها إلى صانع القرار الإسباني بمونكلوا.

خاصة عند الحكومات الاشتراكية التي كانت دائما عليها الكثير من الضغوط من جناحها اليساري والرأي العام للتحرك في اتجاه الإعتراف بالدولة الفلسطينية.

عكس اليمين الإسباني الذي عبر صراحة دعمه لحكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة واعتبرت أن حكومة الاشتراكيين خلقت “مشكلة لإسبانيا” وبأن سانشيز “متهور في السياسة الخارجية”.

كما أن إسبانيا لجأت إلى الدول العربية خلال حقبة ديكتاتورية فرانكو (1939-1975) بهدف الالتفاف على عزلتها في الغرب.

خاصة مشاركة فيلق المغاربة في قوات فرانكو  والتي تركت بصمة واضحة في تاريخ إسبانيا الحديث، ونادرا ما يجري الحديث عن مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) التي استعان فيها الجنرال فرانكو بفيلق مغربي أطلق عليه الإسبان “فيلق الموت المغربي”، لحسم الحرب لصالحه.

ويشير عدد من المصادر التاريخية إلى أن الفيلق المغربي أسهم بشكل كبير في انتصار فرانكو على معارضي الملكية في إسبانيا، بالنظر إلى صلابة عناصره واستماتتهم فكانوا الورقة الرابحة التي حسمت أحد أعنف الحروب في تاريخ إسبانيا الحديث.

وهذه الأحداث في القرن العشرين الماضي ساهمت بشكل أو بآخر في تقارب وجداني بين إسبانيا والعالم العربي، وكأن الدماء الموريسكية لازالت حية في وجدان تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية رغم مرور خمسة قرون على سقوط الأندلس.

وكما يرى الراحل أنطونيو غالا، بأن الأندلس هي جزء من الحضارة العربية، وأن محاولات الإسبان لإخراج العرب والمسلمين منها هي عبارة عن حرب بين الإنسان ونفسه، كما يرى أنه لا يمكن فهم إسبانيا بمعزل عن الإسلام، ودون النظر إليها بعيون الإسلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube