مقالات الرأي

ملف الصحراء: العودة إلى نقطة الصفر بعد 45 عاما من التيه

ذ. مصطفى حمدون ـ برشلونة

ظل تناول ملف الصحراء الغربية حكرا الأجهزة المغربية في غياب مساهمة النخبة السياسية الا من باب الإستشارة او وضعهم في الصورة من طرف إدارة الملف عبر مدهم بالمعلومة أو االتعليمات إن صح التعبير، و من اجتهد أو فكر في الموضوع خارج هذا الإطار يحاسب ويحاكم، فسيج الملف بصفة القداسة و اعلنت حالة الاستثناء و رفعت شعارات من قبيل الاجماع الوطني، كل هذا اثر بشكل سلبي على واقع الحريات العامة و الديمقراطية في المغرب.
دخول الحرب الأولى لم يسفر عن اي نتيجة او تقارب في الموضوع بقدر ما كان سببا في انهاك قدرات شعوب المنطقة و اضاعة فرص ثمينة لتحقيق التكامل و التعاون المفضي إلى بناء قوة مغاربية منافسة على ضفاف الابيض المتوسط، الأقلام بدورها جمدت، و تقاعدت النخب عن مهمة الاجتهاد أمام خوصصة الدولة لملف الصحراء الغربية و حصرها ضمن صلاحيات الأجهزة الأمنية ليدخل الملف بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار سنة 1991 الى مرحلة جديدة من المفاوضات السرية و العلنية بوساطة الامم المتحدة في مسلسل حلم التوصل إلى حل سياسي متوافق عليه بين جبهة البوليساريو والنظام المغربي، هذه المرحلة من عمر الصراع دامت 29 سنة دون تحقيق اي تقارب يذكر في مواقف الطرفين حيث ضاع حلم المغرب في تحويل إدارته للصحراء الغربية الى سيادة كما تحطمت رغبة البوليساريو في الاستقلال عبر الحوار، و ضاعت فرص تاريخية لحل النزاع من خلال المقترحين :
عقد الاستفتاء الذي اثار تخوف الأجهزة المغربية و تحفظه عن اللوائح و الصيغ التقنية لتنظيمه مع وجود تخوف للدولة من موقف صحراويي الداخل االتي لا تستطيع الدولة ضمان وفائهم ، و هذا ناتج عن فساد سياسة إدماج العائدين من الشعب الصحراوي في الحياة العامة و نهج مقاربة ريعية تميزت بتقديم الامتيازات و الاغراءات، بالإضفة إلى الاهتمام بالارض بدل الانسان، لذلك خابت أمال الأجهزة حتى في ضمان اصوات العائدين و عرجت نحو مقترح بديل.
المقترح الثاني : (الحكم الذاتي )
شكلت هذه المبادرة نقلة نوعية في المشهد السياسي المغربي و مكنت من مشاركة واسعة للاراء حيث وصفها الرأي العام الدولي بالواقعية، الا أنها ايضا لم تنتج تقاربا و حلا للنزاع لانها لم تحضى بمباركة حلفاء البوليساريو في المنطقة ومن جهة كما أن المغرب تكاسل وتخلف عن توفير الشروط الذاتية والموضوعية لتهييء مغرب الجهات الموسعة عبر تقسيم ترابي مناسب و تغيير دستوري يتسع للجميع و إرادة سياسية مشجعة و اكتفى بالالتواء وربح الوقت و خلق التصدع في صفوف الخصم من حهة أخرى، ليتبين في الاخير ضعف تقديرات الطرفين في الموضوع و عدم استقلالهما في إدارة الملف و ان هناك أطراف إقليمية تعرقل التطور الطبيعي للملف .
اذن نحن امام ضياع 45 سنة من الانفاق و الدمار و ارتكاب الأخطاء الجسيمة لنعود في الاخير الى نقطة الصفر لكن باختلاف الواقع حيث :
تقلص هامش استقلالية الطرفين و تباين في مواقف الأحزاب المغربية و تخلفها عن إرادة النظام المغربي بالإضافة إلى تشكل جبهة البوليساريو في الداخل (تأسيس أميناتو حيدر لإطارها بالعيون)، إلى جانب محاولة العائدين الانفلات من الموقف الرسمي المغربي احساسا بالاحراج بعد الإلغاء الرسمي لاتفاق اطلاق النار و بداية الحرب الثانية وأخذا بعين الإعتبار التغيرات الإقليمية التي تقف وراء ابتداء الاتحاد الاوروبي بعد الأزمة الاقتصادية لتوجيه الملف خدمة لمصالحه على حساب شعوب المنطقة المغاربية، فقد بات من الضروري عدم تجاهل الجزائر كقوة في المنطقة و أصبح التخلي عن استعمال الاصطدام و اعمال العقل و التحلي بالواقعية و الاستعداد للتنازل الإيجابي في أفق خيار جديد ياخذ بعين الاعتبار كل التحولات الاقليمية .

ا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube