لماذا ينخرط الشباب في الدنمارك في المساجد ويقاطعون الأحزاب السياسية؟
ملاحظة يشاطرني الرأي فيها كل المتابعين لواقع الشباب من أصول مسلمة والمزدادين في الدنمارك.هي ملاحظة إيجابية ولكن في نفس الوقت سلبية لأنهم يقاطعون الأنشطة السياسية ،والإنخراط في الأحزاب السياسية الدنماركية.وأعتبر شخصيا عزوفهم عن السياسة والمشاركة في الإنتخابات ومقاطعتهم لها سواءا كانت بلدية أوبرلمانية أو أوروبية أكبر خطأ يرتكبونه،وعزوفهم هذا يشكل فرصة للأحزاب السياسية اليمينية لاكتساح الإنتخابات والتحكم في السياسة وتمرير برامجهم والتي تزيد من تشديد قوانين الهجرة ومصادرة حقوقهم في المجتمع الدنماركي .إن مايجري في فرنسا في الآونة الأخيرة إنذار للمسلمين ليس فقط في فرنسا ولكن في كل الدول الأوروبية.إن الإجراءات التي باشرها وزير الداخلية الفرنسي بإغلاق المساجد وترحيل الأئمة وقد شمل قرار الترحيل أئمة مزدادون في فرنسا ،وجّهت لهم تهمة بالتطرف ومعاداة السامية .بالإضافة إلى إجراءات اتخذتها الحكومة الفرنسية في عهد الرئيس ماكرون بمنع الحجاب في المدارس والثانويات،وحضر النقاب في الشارع العام ،ولوكنت مع الحضر لأننا نعيش في مجتمعات أوروبية هذه الظواهر تعتبرغريبة بالنسبة لغالبية الشعوب الأوروبية.وكمغاربة إن ظاهرة الحجاب في المجتمع المغربي عادية وليس كل النساء المغربيات يلتزمن بالحجاب بل هناك من اختارت الحجاب وهناك طائفة من النساء لا تلزم بذلك .سأكون إلى حدما مع الحجاب في المجتمعات الإسلامية ولكن سأكون مع منع النقاب في المجتمعات الأوروبية.ولكن الذي يثير الإنتباه في المجتمع الدنماركي وسط الشباب المسلم المزداد في الدنمارك عزوفهم عن السياسة والإنخراط في الأحزاب بصفة عامة سواءا كانت يسارا أويمينا أومعتدلين ،أوعلمانيين ومقابل ذلك هناك انخراط مكثف في المؤسسات الدينية،ألا يشكل هذا العزوف عن ممارسة السياسة والمشاركة في الإنتخابات سواءا بلدية أو برلمانية خطأ كبير يرتكبونه ،وعزوفهم هذا يخدم مصالح اليمين ويشكل فرصة لديهم لاكتساح الإنتخابات سواءا بلدية أوبرلمانية وتمرير برنامجهم السياسي المعارض للمهاجرين،وتشديد قوانين الهجرة ومصادرة حقوقهم في المجتمع الدنماركي ؟ إن مايجري الآن في فرنسا سينعكس على باقي المجتمعات الأوروبية الأخرى ومن بينها الدنمارك وباقي الدول الإسكندنافية الأخرى .وهي رسالة واضحة فإغلاق المساجد وترحيل الأئمة والمتشددين والمتطرفين الذين يعارضون الحوار ويتمسكون بالحجاب والنقاب في مجتمع علماني ،يدفعون بتأجيج الصراع في المجتمع إن مايقع حاليا في فرنسا قد يتمدد لباقي الدول الأوروبية.لأن السياسيين سواءا في فرنسا أوغيرها من البلدان ،لايبحثون عن الحوار بين الديانات السماوية،بل يعتبرون انتشار المساجد واكتضاضها بفئة الشباب وعزوفهم عن الممارسة السياسية وانتشار ظاهرة الحجاب في المجتمع العلماني ،من بين الأسباب تدفع بعض السياسيين،لاتخذ مواقف معارضة للمسلمين في المجتمعات الأوروبية.وتعرقل مسألة الإندماج في المجتمع ،بل أصبح البعض منهم يطالب بالذوبان عوض مصطلح الإندماج في المجتمع.مما يزيد من الإحتقان في المجتمع ،ويزداد أكثر عندما يفقد الشباب المتخرج من الجامعات كل فرص العمل ،بسبب انتمائهم الديني ،وهذا عامل قد يدفعهم أكثر للتطرف،والإنتقام من المجتمع الذي يعيشون فيه.هذه حقيقة مايجري في فرنسا وغالبية الدول الأوروبية ومن بينها الدنمارك.إن تصريحات خرج بها سياسي من الحزب الإشتراكي ،تدفع لمزيد من الكراهية والحقد والتطرف في المجتمع .والذي يتحمل جزءا من المسؤولية فيما يقع المؤسسات الدينية والتي لا تشجع الشباب على الإنخراط في الأحزاب السياسية والإنفتاح أكثر على المجتمع والمشاركة بكثافة في كل الندوات وموائد الحوار للدفاع عن الإسلام وقيمه المثلى .نسعى دائما كفعاليات في المجتمع وكإعلاميين يمتلكون منابر إعلامية إبداء وجهة نظرنا مما يجري في المجتمع الذي نعيش فيه،وكما انتقدنا مسألة الإنخراط فقط في المؤسسات الدينية والعزوف عن الإنخراط في الأحزاب الدنماركية .ننتقد بعض الخرجات الإعلامية لبعض السياسيين ،الذين يطالبون بالذوبان في المجتمع والإنسلاخ الكلي عن الهوية الإسلامية،ومنهم من يخير المسلمين بالرحيل إلى بلدانهم.وإذا كان الدنمارك قد جعلنا فعلا نطمئن على مستقبلنا من خلال حرية التعبير الممنوحة والمنابر الإعلامية التي نملك سلاح بين أيدينا لتعبئة الشباب وتوجيهه ،إن من مصلحة الشباب المسلم المزداد في الدنمارك،والذين بلغوا من النضج والعلم ،مايفتح لهم آفاقا ليكون لهم دور في المجتمع الدنماركي،وتشبثهم بالدين والقيم الإسلامية،لا يتعارض مع انخراطهم في الحياة السياسية.ووجهة نظر الشباب المسلم في مجتمع غالبية سكانه مسيحيين مهم لبناء الحوار الحضاري والذين نحن في أمسّ الحاجة إليه في الوقت الراهن .إن ترك الفراغ في المجتمع لا يخدم الإستقرار الذي نبحث عنه جميعا .نقطة أخرى لا بد من الإشارة إليها ،هو غياب التواصل بين الإعلام والمؤسسات الإسلامية في الدنمارك،وهذا عامل يعرقل الدور الفاعل والإيجابي لهذه المؤسسات في المجتمع الدنماركي ،والتي قد تساهم بدورها في دفع أكبر عدد من الشباب في الإنخراط في العمل السياسي لمواجهة التطرف الحقيقي الذي يقوده الحاقدون عن الإسلام من السياسيين في المجتمع،من خلالخرجاتهم الإعلامية ومواقفهم التي لا تخدم الإستقرار في المجتمع الذي نعيش فيه ،بل تؤجج أكثر الصراع والكراهية اتجاه المسلمين .إن الحل بين أيدينا لإسكات كل الأصوات الحاقدة والتي تستهدف بالدرجة الأولى المسلمين خصوصا عندما ترفع شعار الإنصهار عوض الإندماج في المجتمع الدنماركي ،ومسألة الإنسلاخ عن الهوية ،يتعارض مع حوار الثقافات السائد في العديد من المجتمعات .إن مسألة الإنصهار عوض الإندماج الذي يطالب به البعض تضييق على حقوق المسلمين في الدنمارك.لا نرغب ولا نريد أن يصل لهيب مايقع في فرنسا ،إلى الدنمارك،ومن أجل استباق الأحداث،علينا أن نأخذ العبرة،ونتجنب المشاكل ،ويكون حضورنا قويا داخل الأحزاب السياسية ومن داخل هذه الأحزاب ندافع عن حوار الحضارا وعن القيم المشتركة التي تجمعنا مع باقي مكونات المجتمع الدنماركي .إن الدفاع عن الحقوق يتأتى من داخل الأحزاب السياسية ،وحقوقنا ومصالحنا ستكون مصونة إذا أقنعنا من نختلف معه بالحوار الحضاري والقيم المشتركة التي تجمعنا ولا تفرقنا.إن ما يجري في فرنسا وتصريحات بعض السياسيين الدنماركيين اتجاه المسلمين في الدنمارك.تفرض تحرك من طرف المساجد لنزع فتيل الفتنة والإنقسام ليس فقط المساجد التي يجب أن تتحمل المسؤولية ،بل جمعيات المجتمع المدني والتي خرجت لشوارع المدن للتنديد بما يجري في غزة .ونصيحة للشباب المسلم من الجنسين عليكم بالإنخراط المكثف في الأحزاب السياسية والمشاركة في الندوات التي تنظمها الأحزاب السياسية للتعريف بحقيقة الإسلام وتوضيح الرؤيا الصحيحة عن هذا الدين وقيمه المثلى عوض الصورة التي يريد تسويقها الحاقدون عن الإسلام .إن الريح العاصفة التي تهب على فرنسا الآن ستصلنا لا محالة،وعلينا أن نهيأ أنفسنا لمواجهتها والدفاع عن الإندماج وليس الإنصهار في المجتمع،لنجعل الدنمارك بلدنا ويهمنا استقراره والدفاع عن القيم المشتركة التي تجمعنا مع مكونات المجتمع .نحن أمام وضع حساس وصعب ومختلف،ومستقبل الأجيال المسلمة في الدنمارك بين أيدينا جميعا ،بين أيدي المؤسسات الدينية ،والتي يجب تغيير خطابها ودفع أكبر عدد من الشباب بالإنخراط في الحياة السياسية،داخل الأحزاب السياسية الدنماركية كل حسب قناعته ومن داخل هذه الأحزاب نحمي وندافع عن مصالحنا في المجتمع الدنماركي
حيمري البشير كوبنهاكن الدنمارك