كتاب حرة بريسمصطفى المنوزيمقالات الرأي

سرديات رمضانية / وقائع ومواقع ـ الحلقة الثانية

توقيع مصطفى المنوزي

الحلقة الثانية :
يقول ويردد أجدادنا السوسيون الأمازيغ ” آريتمتات أكضيض ، آرضسان وزان ” بما معناه بالعربية الفصحى “بينما يموت العصفور يسخر الأطفال ” . وهذه الواقعة أستشهد بها لنقد ما جرى بالرباط بمناسبة ذكرى رحيل المغفور له محمد الخامس ، فلم يجد كل من أمين عام حزب العدالة والتنمية وأمين عام حزب الأصالة والمعاصرة مكانا لتبادل ( في الحقيقة لتمرير وبعث رسائل ) إلى جمهور مواقع التواصل الإجتماعي ، سوى فضاء صومعة حسان وبالقرب من بوابة ضريح الراحل محمد الخامس ، تبادلا عبارات تهم ” توقيت سجال العلاقات الرضائية ” والحال أن هذا الموضوع لم يكن المكان مناسبا ولا توقيته ، لأن اللحظة لحظة ترحم واستحضار روح ومناقب الراحل بن يوسف ، وإستحضار ذاكرة نساء ورجالات المقاومة وأعضاء جيش التحرير والحركة الوطنية ، والذين ، عندما خيرتهم الإدارة الفرنسية ، فضلوا عودة محمد الخامس وإسترداد عرشه من الخائن لوطنه وعائلته الدمية محمد بن عرفة ، فضلوا ذلك على الحصول على إستقلال شكلي والإنفراد بالسلطة وفق ما جرى في بقية الدول المجاورة والمماثلة في شمال إفريقيا وشرق المتوسط .

هذا نموذج للمعطيات المفيدة والمنتجة والتي كان ينبغي على ” رجال دولة هذا الزمان ” أن يستحضروها مع احترام حرمة المقام وتأهيل المقال . لقد كان حريا بهما وبغيرهم من المسؤولين أن يستنطقوا الذاكرة التشريعية المشتركة لحزبيهما ، وبصماتهما في العلاقة مع الأمن القانوني وحكامة المبادرة التشريعية ، خاصة وأن الدولة وعقلها الأمني وفرا كل السبل والوسائل لكي يحتلا صدارة البطولة الإنتخابية ، فيما يشبه تنافسية النداء والنهضة على غرار التجربة التونسية ، والتي لم يفلح زواج المتعة السياسية بسبب تردد وتخلف ركن الإرادة بين الطرفين رغم أصوليتهما وخضوعهما للوصاية الأبوية للدولة . وأضعف الإيمان دعم توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة كمشترك وطني والتزامات للدولة في شخص ممثلها الدستوري ، فكثير من الشهداء والمقاومين وضحايا العهد البائد لم تتشرف شوارع ومرافق الوطن ولم تحظى بإطلاق أسمائهم ، كما أن جلهم لم يحظوا بقبور ودفن كريم .

إن السخرية البليدة إستهتار بأخلاقيات الطقوس وبروتوكول تخليدالذكريات الوطنية ، وهي محاولة للتحريف والتضليل بغاية مأسسة النسيان ، ثم إن الإباحية السياسية والتهريج المبالغ فيه ، محاكاة لما يجري في حلقات ” الإضحاك القسري ” لا ينفع دائما لأن سؤال المسؤولية السياسية كما الشرعية التاريخية يطرحان نفسهما بإلحاح ، على الأقل على مستوى إتيقا التذكر . ولأن المناسبة شرط فإنه ينبغي معاينة بأن العناية يجب أن تشمل مراجعة كل التشريعات والإجراءات ذات الصلة بالأرشيف والذاكرة والتاريخ والحق في معرفة الحقيقة ، وهي قضايا حقيقية لا تنقض الصيام ولا تدنس حرمة المكان كما تفعل ، عن قصد ، السجالات الشعبوية القاتلة للجدية والمقوضة للمسؤولية السياسية ، والتي تميع المد الإصلاحي وتجهضه على طريقة مرتجلات الكاميرا الخفية الموجَّهة والتي تروم الإضحاك الجبري على الذقون والعقول ، مع كامل الإحترام وجميل العزاء للفقيد محمد الكغاط وكل من ضحى وقضى من أجل التمثيل الحقيقي والصادق ، والمنتج للفن الراقي غير التكلفي والتكسبي .

اقرأ الحلقة الأولى لنفس المقال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube