هل يمكن المزاوجة بين ممارسة الإعلام والسياسة؟
سؤال يمكن أن يسبب حرجا للعديد من المهتمين والممارسين لمهنة الإعلام والصحافة ،وانطلاقا من البلدان التي نعيش فيها والتي تجعل القيم الديمقراطية وحرية التعبير من بين المواد الأساسية التي لا يمكن لأي إنسان أن يعيش من دونها ومن دون أن يمارسها في حياته العادية واليومية ،حتى داخل أسرته الكبيرة ،المجتمع وأسرته الصغيرة.والتي قد نجد من يحمل أفكارا مختلفة ،ويمارسون النقاش الديمقراطي ،بعيدا عن العصبية والتوتر .فموالاة الأحزاب السياسية دائما تكون بناءا على برامجها ومواقفها من كل القضايا الخارجية والداخلية.على سبيل المثال لا الحصر .النقاش قد يكون حامي الوطيس فيما يخص الحرب في أوكرانيا ،والدعم الذي خصصته الدولة الدنماركية على حساب الشعب الدنماركي الذي أصبح يعاني من الإرتفاع المهول في أسعار الكهرباء والغاز والمواد الغذائية بصفة عامة.ومع مرور الوقت بدأ الموقف يتوحد ،بسبب اندثار مايسمى بمجتمع الرفاهية والذي كانت تراهن عليه الأحزاب السياسية في برامجها منذ سنوات للفوز في الإنتخابات .كإعلامي وكاتب صحفي أصبحت أجد حرجا كبيرا في التعبير عن مواقفي في منبر إعلامي ممول من طرف وزارة الثقافة.وإن كنت أومن بقيم اليسار والحزب الحاكم الذي حضرت عدة مؤتمراته .فإنني أمارس النقد الذي يخوله لي الدستور ،في إطار مايسمى بحرية التعبير ،وهي ممارسة ومشروعة في كل المجتمعات الغربية.الإعلامي والصحفي يجب أن يحمي هامش الحرية ويمارس حقه الديمقراطي حتى من خلال قناة ممولة من أموال الشعب .من حقي أن أنتقد سياسة رئيسة الحكومة ولو أني دائما أسعد بفوز الحزب في الإنتخابات للإستمرار في قيادة البلاد منذ عهد بول نيروب وهيلة تورنيغ شميدت واليوم ميتة فردريكسن .وكنت دائما أحترم مواقف السياسيين في أحزاب أخرى بناءا على قبولهم بالتعدد الثقافي ،وهذا مصطلح يحمل الكثير من المعاني ،حتى ولو لم يكن شامل يعطي كامل الحقوق للمهاجرين الذين جاؤوا عن طواعية للعيش في المجتمع الدنماركي أو نزحوا كلاجئين بسبب الحروب التي عاشتها عدة مناطق في العالم ويوجد على رأسها العديد من بؤر التوتر في الشرق الأوسط ،فلسطين لبنان العراق ،سوريا ،ليبيا وأفغانستان .ماميز السياسيين الذين استطاعوا تدبير شؤون الدولة في الدنمارك بمختلف مشاربهم السياسية خدمة الشعب الدنماركي .وتواضعهم في حياتهم الخاصة.وأحمل ذكريات عن بول نيروب راسموسن الإشتراكي .ولارس لوكة راسموسن الذي قضى معنا في رحلة جماعية أسبوعا كاملا في تركيا .رحلة شارك فيها مواطنون يحملون جنسيات مختلفة لكنهم اختاروا العيش في الدنمارك .في هذه الرحلة جسدنا فعلا ارتباطنا بالدنمارك ،وكنا كالجسد الواحد لنقدم صورة وضاحة بأننا نتقاسم قيم الرفاهية والديمقراطية .
أعتقد كإعلامي وكمواطن أحمل جنسية البلد الذي أعيش فيه ،أمارس نشاطي الإعلامي وأقول وجهة نظري مما يجري في الساحة،ولا أخفي دعمي لأحزاب اليسار وبالخصوص الحزب الديمقراطي الإشتراكي ،عندما تتخذ رئيسة الحكومة موقفا منحازا ،حول ما يجري في الشرق الأوسط وبالخصوص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .أمارس حقي في معارضتها لمواقفها المنحازة والغير العادلة فيما يخص هذا الصراع .هذه المواقف نابعة من تشبعي بالقيم الديمقراطية .لن يلومني أحد إذا ماعبرت بكامل وعيي لجانب الشعب الفلسطيني الذي مازال يتطلع للحرية والإستقلال وبناء الدولة الفلسطينية بكل مقومات الدولة .
للصحفي والإعلامي دور حساس ومؤثر وعليه أن يتحلى دائما بالقيم الإنسانية والديمقراطية .حتى يبقى شعلة مضيئة وينال احترام الأصدقاء والخصوم الذين يؤمنون بالديمقراطية
حيمري البشير كوبنهاكن الدنمارك