اقواسمستجدات

يا شفشاون، يا نوارة…

بقلم: عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدار البيضاء

وأنا أغادر المدينة، لا يسعني إلا ان أؤكد حقا صدق كلمات نعمان لحلو في أغنيته الشهيرة عن شفشاون.

كنت قد كتبت مقالا بتاريخ 28 يونيو 2021 حول السياحة في النموذج التنموي الجديد وذكرت فيه أن ما يجعلني متفائلا على قطاع السياحة في بلادي هي الرؤية الواضحة المعالم التي أتى بها تقرير النموذج التنموي الجديد والتي أفضت إلى خلاصات مهمة تبعث الأمل للنهوض به والرفع من تنميته ليكون من دعائم وركائز الموارد المالية وقيمة مضافة في الناتج الإجمالي العام للدولة.
وأنا هنا في المدينة الزرقاء، مدينة شفشاون، أجوب شوارعها وأزقتها و أستمتع بأجواءها الشعبية و ألحظ المعاملة النبيلة و”تامغربيت” سكانها و عشقهم لتراثهم، لا يسعني إلا أن أكون مطمئنا على هذا القطاع في بلادي. فمدينة شفشاون الرائعة و التي تقع في شمال المغرب تم تأسيسها في عام 1471 ميلادية لتكون موطناً للمسلمين الذين تم طردهم من بلاد الأندلس.
تمتلك المدينة مجموعة متنوعة من المعالم السياحية المميزة التي تجذب إليها السيّاح من كل حدبٍ وصوب.
حيث نجد من أهم معالمها:
1- المدينة القديمة:
تعد المدينة القديمة أحد أبرز الأماكن السياحية في الإقليم، نظراً لجمالها وتصميمها الهندسي الراقي، الذي يبرز تأثره بالهندسة المعمارية الأندلسية الواضحة على المباني وجدران الأزقة.
فمدينة شفشاون القديمة يطلق عليها لقب “المدينة الزرقاء”، و الكثير من زوّارها يعتبرون طبيعتها الخلابة والاخاذة قطعة هدية من السماء، تتزين بها بلادنا. حيث تمتلك المدينة القديمة مجموعة من الأحياء العتيقة، و الأزقة التي تحمل اللون الأزرق.
2- ساحة وطاء الحمام:
تعتبر ساحة وطاء الحمام أحد أشهر المناطق السياحية في شفشاون، فهي تتوسط المدينة القديمة، لذا يعتبرها الزوّار والسكان الساحة الرئيسية للمدينة.
يجتمع بهذه الساحة المميزة زوّار المدينة، لكوْنها تضم مجموعة كبيرة من المقاهي المتنوعة، والمطاعم المحلية التي تقدم الطعام الشعبي، وهذا بالتأكيد يرضي الرحالة والسياح.
و من مميزات الساحة كذلك مراح واسع يجتمع فيه زائري المسجد الأعظم، سواء من سكان المدينة أو من سيّاحها، هؤلاء الذين يعتبرون أن السياحة في شفشاون كنزاً ثميناً.
3- الجامع الكبير في شفشاون أو كما يطلق عليه المسجد الأعظم:
يقع هذا المسجد في وسط ساحة وطاء الحمام ويحظى باهتمام كبير من قبل المرتادين و الزوّار، فهو ذو دلالة عظمى عند أبناء الشاون. ولعل ما يبرز و يميز أهميته: صومعته ذات الثمانية أضلع، وتصميمه المعماري الفريد، الذي يرجع إلى القرن السادس عشر، حيث تم تأسيسه على يد سيدي محمد بن مولاي علي.
4- ساحة الهوتة: مكان واسع، به يلتقي عشاق لعب الشطرنج و تقام فيه سنويا مباريات تكلل في الختام بمباراة بين البطل ضد مجموعة من اللاعبين في آن واحد.
5- حي السويقة: أقدم حي بالمدينة العتيقة
 هذا الحي العتيق الذي لا يمكن لزائر أن يتخطى زيارته، فهو من الأحياء التي يطغى عليها الطابع الأندلسي بشكل واضح. و أبرز ما يتميز به حي السويقة: ألوانه الهادئة التي لا تخرج عن الأبيض والأزرق، بالإضافة إلى النافورة الحائطية ذات الزخارف البارزة. وهو من أقدم الأحياء السكنية في مدينة شفشاون، لذا، استشعرت وكأن جدران الحي تتحدث عن تاريخ عظيم قد شهدته.
6- جامع سيدي علي بن موسى بن راشد:
حيث يوجد في الركن الأيمن من باب العين، الباب الذي يصل وسط مدينة شفشاون بالمدينة العتيقة. و يحتضن الجامع الذي يحمل اسم مؤسس مدينة شفشاون ضريحه وتقع بمحاذاته مقبرة منظمة قل نظيرها في ربوع مملكتنا الشريفة.
7- قبر السيدة الحرة:
هي بنت القائد المجاهد الشريف علي ابن موسى ابن راشد مؤسس مدينة شفشاون. ولدت في شفشاون من أم ذات أصل إسباني دخلت الإسلام وسميت الزهرة. و السيدة الحرة تعد من أشهر النساء في تاريخ المغرب. والمعلومات المتوافرة عن حياتها الخاصة والعامة، بصفتها حاكمة مدينة تطوان وزوجة حاكمها المنظري الثاني، و من بعده زوجة السلطان أحمد بن محمد الوطاسي، ورغم أنها تعد من النساء القلائل اللائي ظهرن في التاريخ المغربي على مسرح السياسة والحكم؛ فقد وليت الحكم والتدبير بتطوان فترة من الزمان خلال القرن العاشر الهجري، إلى أن أنزلها من كرسي الحكم فيما بعد واحد من آل المنظري.
و المعلومات المتوافرة في بعض الكتب التاريخية التي أرخت لحياة السيدة الحرة، لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى السنة بالضبط التي هاجرت فيها، بعد الإطاحة بها بعد مضي ما يزيد على ثلاثين سنة من حكمها لمدينة تطوان، إلى مدينة شفشاون مسقط رأسها، المدينة التي أسسها والدها علي ابن راشد. ولما حلت السيدة الحرة بمدينة شفشاون استوطنتها بصفة نهائية، ولم تقصد زوجها السلطان أحمد بن محمد الوطاسي بمدينة فاس، وعاشت بها بقية عمرها إلى أن توفيت. وضريحها معروف ومشهور بمدينة شفشاون، بزاوية سيدي الحسن بالقرب من القصبة. و الملاحظ أنه لا توجد به أية لوحة تشير إليه تكريما وتقديرا لها كإمرأة حاكمة و لمكانتها العائلية كإبنة لولي مدينة شفشاون ومؤسسها، ولدورها التاريخي والسياسي في تاريخ المغرب أيام حكم الدولة الوطاسية.
8- متحف القصبة:
بعد الدخول إلى المتحف نجد حديقة لطيفة تحتوي على بركة ومجموعة من الأشجار. و بعد التجول في الحديقة، يمكنك الدخول إلى رواق السيدة الحرة و كذا الحصن الذي يمتاز بتصميمه المحلي المميز، مما يسمح للزائر التعرف على أساليب العمارة في المدينة، خاصةً بين محبّي التعمق في تفاصيل أي مدينة يقومون بزيارتها.
وبالقرب من رواق السيدة الحرة، نجد السجن التاريخي الذي يشهد على حبس أخ الزعيم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي حينما قاد ثورة الريف ضد المستعمر الغاشم الإسبان.
و نجد كذلك المتحف الإثنوغرافي لمدينة شفشاون حيث يشغل الركن الشمالي الغربي من هذه المعلمة الأثرية التي يرجع تاريخ بنائها إلى 1471م على يد الأمير مولاي علي بن راشد، مؤسس الإمارة الراشدية بشفشاون. وقد شكلت هذه القصبة النواة الأولى للمدينة ومركز الحكم بها.
9- المسجد الاسباني:
يعد المسجد الاسباني أحد أبرز وجهات السياحة في شفشاون، فعلى الرغم من كونه ليس مسجداً مجهزاً لأداء شعائر الصلاة، إلا أنه يستحق الزيارة، نظراً لموقعه المتميز في مدينة شفشاون. فهو يقبع على ربوة عالية تطل على مدينة شفشاون، من كل مداخلها.
يلقب ب”جامع بوزعافر”: مسجد شيد أوائل الثلاثينات من القرن العشرين، لكن لم يرفع فيه الآذان يوما، وإلى حدود الساعة يرفض الشفشاونيون الصلاة فيه.
و ​​يسمى “جامع بوزعافر” نسبة إلى الشارب الطويل للمهندس الإسباني الذي بنى المسجد.
و تتضارب الحكايات عن سبب ترك الصلاة فيه، وأقوى رواية أن الجبليين منعوا الصلاة فيه لأنه بني من طرف الإسبان المحتلين آنذاك. طريقه جبلية وعرة، تبدأ من النقطة السياحية “رأس الماء” إلى أعلى جبل “لوبار”.
و بني هذا المسجد بأمر من ضابط إسباني حكم إقليم شفشاون اسمه فرناندو كاباث. كان يتقن العربية، ورغبة منه في مزيد من التقرب إلى سكان المدينة المسلمين أمر ببناء المسجد ليستلطفهم ويكسب ودهم، لكنه لقي تمنعا ورفضوا دخوله تعبيرا عن مقاومتهم للاستعمار الإسباني.
مع مرور الوقت، تحوّل المسجد إلى محج للسياح المغاربة والأجانب الذين يرغبون في مشاهدة شروق الشمس أو غروبها من أعلى الربوة، إذ يوفر مشاهد بانورامية متعددة لمدينة شفشاون بجهاتها الأربع. 
والسؤال الذي يحيرني، كيف لمعلمة كهذه لا تستغل سياحيا؟ لما لا يتم تحويلها إلى فندق أو مقهى واستثمارها بما أن لها موقعا بانوراميا جميلا؟ والأكثر من ذلك سيستفيد منه شباب المنطقة عوض أن يبقى مسجدا مع وقف التنفيذ.
10- – شلال رأس الماء:
تقودك السياحة في شفشاون إلى زيارة شلال رأس الماء، هذا الملاذ لكل سائح يودّ التعرف على الحياة اليومية لسكان المدينة الزرقاء. كذلك ينتشر الباعة الجائلين، الذين يقدمون الهدايا التذكارية إلى السياح برسوم رمزية. و المكان الذي يقع به شلال رأس الماء يتميز بالهدوء، فهنا ينعم الزائر بالاسترخاء الذي يحتاجه في رحلته و الاستمتاع بأكبر قدر من الهدوء و كذا بالمياه الباردة والعذبة.
11- شلالات أقشور: وجهة طبيعية مذهلة
تقع هذه الشلالات على بعد 30 كم من شفشاون حيث تعتبر من الأماكن التي تستحق الزيارة. فهي من المحطات الرئيسية السياحية التي تمتاز بها شفشاون و يقصدها آلاف الزائرين من داخل المملكة ومن خارجها. فنجد أن أبرز ما يميزها ويجعلها أحد أشهر الأماكن السياحية في شفشاون؛ هو موقعها المتميز بين الجبال الشامخة والتي تقع على ارتفاع عالٍ، مما يجعلها تطل على المنطقة بأكملها، في منظر بانورامي مذهل و يتمكن بذلك زوارها من النزول الى المسبح الذي يقع أسفلها والاستمتاع بالراحة والاسترخاء بين أحضان طبيعتها.
فعلا، السياحة في شفشاون خطفت قلبي، ربما لكونها مدينة عتيقة وربما أيضاً لتمتعها بطبيعة جبلية خلابة، وربما كذلك لشعبها الودود الذي يستقبل زوّار المدينة بكل ود واحترام.
و من أجل إثراء مقالنا هذا، أود استذكار مكنيات بعض المناطق السياحية في مغربنا الحبيب فنجد:
⁃ طنجة العالية: لؤلؤة شمال المغرب ⁃ الحسيمة: جوهرة الريف
⁃ فاس: مدينة العلم
⁃ مكناس: مهد المرابطين
⁃ الناظور الفاتح: درع الحدود
⁃ وجدة العروس: مدينة القيم الشرقية
⁃ الرباط الصامت: قلب المغرب النابض
⁃ الدار البيضاء العالمية: رئة الاقتصاد ⁃ سطات القلعة: صومعة البلاد
⁃ مراكش الحمراء: مدينة الألف وواحد لون
⁃ بني ملال: مدينة الشعراء
⁃ أغادير الجواهر: مدينة التميز
⁃ العيون: مدينة التقاطع العرقي
⁃ الداخلة المتهورة: مدينة الشجاعة القبلية. والقائمة طويلة.
أردت أن أذكر بهذه المناطق لتميزها بالتنوع العرقي والثقافي الذي منحه الله تعالى لمملكتنا الشريفة و التي يمكننا أن نفخر بها اليوم.
لقد ساهمت كل منطقة ، كل بلدة ، كل قبيلة ، كل حي ، كل شارع ، كل كتلة بخصائصها وبحجمها في العمل على تنمية الصرح الإجتماعي لمغربنا الحبيب كانت نتائجه ذاك المزيج الإجتماعي الثقافي ، الصحراوي البربري، العربي ، الشرقي والغربي ، على مستوى عالٍ للغاية.
و سنظل تحت القيادة السامية للدولة العلوية شعبًا واحدًا وموحدًا ، من طنجة إلى الكويرة ، متسامحًا وشاملًا لديننا الحنيف الإسلام و للشرائع السماوية والحضارات الأخرى.
فأرضنا الزكية، أرض التحديات الحقيقية كما أشار والدنا المنعم صاحب الجلالة الحسن الثاني ، طيب الله ثراه. وهنا تكمن قوة أمة تحكمها سلالة عمرها قرن من الزمان وشعارها الخالد: الله- الوطن- الملك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube