مستجداتمقالات الرأي

صلاح الدين المنوزي: ما زلت اتحاديا

خمسون سنة على استشهاد عمر بنجلون مبادرات اتحادية في الدارالبيضاء و الرباط من اجل الذاكرة و التداول حول سؤال الافق ليست الذكرى الخمسون لاستشهاد القائد الاتحادي عمر بنجلون مناسبة بكائية ولا طقس وفاء شكلي، بل لحظة رمزية كثيفة الدلالة، تختبر فيها الحركة الاتحادية علاقتها بذاتها، وبماضيها، وبالأسئلة الصعبة التي يؤجلها العمل السياسي حين ينشغل باليومي والعابر.عمر بنجلون لم يكن مجرد اسم في سجل الشهداء، بل كان مشروعاً سياسياً وفكرياً اغتيل في لحظة صراع حاد حول معنى الديمقراطية، وحدود الجرأة، وثمن الكلمة الحرة. اغتياله يوم 18 دجنبر 1975 في الدار البيضاء لم يكن استهدافاً لشخص، بل لمحاولة ربط الفكر بالفعل، والنضال بالمؤسسة، والسياسة بالأخلاق.استحضر هنا زيارتي له بمكتبه بالدارالبيضاء، و بتكليف من المكتب الإقليمي للشبية الاتحادية لتأطير نشاط اشعاعي للشبيبة الاتحادية. لم يتردد في قبول الفكرة و اقترح كمحور للقاء الصراع الطبقي في المغرب بدل موضوع التشكيلة الاقتصادية و الاجتماعية الذي اقترحناه.اليوم، وبعد نصف قرن، نقدر عاليا المبادرات الاتحادية في الدار البيضاء والرباط لتخليد ذكرى استشهاد لأنها تستحضر اساسا عطاءات القائد الاتحادي. و هذا الاستحضاره لا يتم في الفراغ. فالدار البيضاء، مدينة الاغتيال والنقابة وجريدة المحرر و انتفاضة 23 مارس، تحضر باعتبارها رمز الميدان، حيث السياسة فعل يومي ومواجهة مفتوحة. أما الرباط، مدينة الدولة والمؤسسات، فتمثل الرهان الذي كان عمر بنجلون يؤمن به: الانتقال من المعارضة الجذرية إلى بناء دولة ديمقراطية حديثة، دون التفريط في المبادئ.الرمزية هنا واضحة: لا معنى للوفاء إن لم يكن جسراً بين الشارع والمؤسسة، بين الذاكرة والفعل، بين الماضي والمستقبل.المبادرات الاتحادية للدارالبيضاء و الرباط تحاول، إخراج عمر بنجلون من صورة “الشهيد المُجمَّد” إلى صورة المفكر السياسي، المثقف العضوي الذي كان يعتبر التنظيم، والتأطير، والوضوح الإيديولوجي شروطاً لا غنى عنها لأي مشروع تحرري. وهو استحضار يحمل في طياته نقداً ضمنياً للحظة سياسية تتسم بتراجع المعنى، وبتحول الأحزاب إلى آلات انتخابية فاقدة للبوصلة.غير أن السؤال الجوهري الذي تطرحه هذه الذكرى ليس:

كيف نُخلّد عمر بنجلون؟

بل: ماذا تبقى من مشروعه؟

هل انتصرت القيم التي استشهد من أجلها، أم تم استيعابها وتدجينها داخل منطق التوافقات الباردة؟

في زمن تآكل الثقة في العمل الحزبي، المتوخى من تخليد ذكرى استشهاد عمر بنجلون هو لاستعادة الروح اتحادية التي تأسست على الجرأة الفكرية، والاستقلالية، وربط الديمقراطية بالعدالة الاجتماعية. لكن الذاكرة، حين لا تتحول إلى فعل نقدي، تصبح عبئاً بدل أن تكون قوة.الوفاء الحقيقي لعمر بنجلون لا يكمن في وضع أكاليل الزهور، ولا في تكرار الخطب، بل في إعادة طرح الأسئلة التي كان يزعج بها خصومه وحلفاءه معاً:

ما معنى أن تكون اتحاديا؟

ما حدود التنازل؟

وأين تنتهي البراغماتية ليبدأ التفريط؟

خمسون سنة بعد الاغتيال، يتحول عمر بنجلون من ذكرى إلى مرآة. مرآة تعكس ما كنا عليه، وما صرنا إليه، وما كان يمكن أن نكونه لو انتصر المشروع على الاغتيال

.صلاح الدين المنوزي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID