فضاء الخبراءمستجدات

طريق الحرير

منذ سنة 2013، أعلن الرئيس الصيني “جنبين” عن إعطاء الانطلاقة لمشروع ضخم أطلق عليه “طريق الحرير ” ، يهدف إلى إنشاء طريق برية وخطوط سككية ضخمة، تربط الصين بأوروبا مرورا بكازخستان ، روسيا، بلاروسيا، ألمانيا، بولونيا، فرنسا والمملكة المتحدة، وتعمل الصين جاهدة على حشد المزيد من الدول في هذا المشروع الضخم المتوقع أن يضم 68 دولة، تمثل 4.4 مليار من سكان العالم، ويطلق عليه بلغة شكسبير one belt one road : حزام واحد، طريق واحد.
لمعرفة أصل التسمية، يجب أن نعود 1000 سنة إلى الوراء، حينما كانت القوافل التجارية تنطلق من الصين في اتجاه مدينة Venise الإيطالية محملة بالسلع والبضائع، وكان الحرير يعتبر أنفس هذه البضائع وأبهضها ثمنا ، وهو الذي أكسبها شهرة باسم “طريق الحرير “.
الآن، تحولت القوافل التجارية إلى حاويات ضخمة، وتم استبدال الدواب بقطارات فاءقة السرعة، وطرق سيارة تمتد لآلاف الكيلومترات، وإن تغيرت السبل فالهدف ثابت، زعزعت السوق الخارجية بالمنتوج الصيني.
رصدت الصين ملايير الدولارات لإنجاح هذا المشروع الذي له أ بعاد اقتصادية أعلن عنها علنا، و أبعاد جيوسياسية لا تحتاج إلى ذكاء ثاقب لاستيعابها، كما وضعت سنة 2049 كحد أقصى لتحقيق هذا المشروع، ولأن المارد الصيني لا يختار التواريخ اعتباطا، فإن هذه السنة تصادف الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، ومناسبة للاحتفال بدخول أحفاد الماوتسي تونغ إلى دائرة الكبار.
كدولة عظمى حققت معدل نمو تجاوز 7% في 25 سنة الأخيرة ، وكقوة اقتصادية ماضية قدما في بسط نفوذها وإزاحة الولايات المتحدة الأمريكية من ريادة العالم، كما تشهد على ذلك الأرقام الرسمية و توقعات البنك الدولي( في سنة 2017 مثلا وصل الناتج الداخلي الخام الصيني إلى 23120 مليار دولار متجاوزا نظيره الأمريكي 19360 مليار دولار ) فإن الصين تطمح في بسط نفوذها اقتصاديا ، و اختراق أسواق الغرب المحصنة كأوروبا، مما سيسمح لها بتعزيز هيمنتها اقتصاديا ،خاصة أمام منافسها التقليدي المشخص في الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا كان المواطن الغربي يلعب “الشطرنج” و يبحث عن Échec et mat لإسقاط خصمه، فإن نظيره الصيني يلعب لعبة GO الأكثر تعقيدا و يسعى إلى بسط نفوذه و تضييق الخناق على خصمه كي يفوز باللعبة.
إن الطموح الكبير للصين لا يمكن أن يكون إلا مشروعا، فقد حققت منذ الثمانينيات معدل نمو برقمين، و تمكنت صادراتها من الوصول إلى أبعد نقطة في المعمور، مساهمة بشكل مباشر في ضخ ملايير الدولارات في خزينة الدولة، حيث أنه على سبيل المثال، فقد وصل احتياط الصين من العملة الصعبة إلى 3820 مليار دولار خلال سنة 2014, وهذه السيولة الضخمة ساهمت بشكل كبير في بسط نفوذ الشركات الصين عالميا نتيجة سياسة حكومية، تتمثل أساسا في مواكبة كل من من يساهم في حياكة النسيج الاقتصادي، عن طريق تقديم دعم مالي يعطيها تنافسية أكثر على الصعيد العالمي.
شاركت كبريات الشركات الصينية المتخصصة في مجال الأشغال العمومية، في معظم الصفقات العمومية التي تندرج ضمن الأوراش الإصلاحية الكبرى للمملكة، وبالرغم من تطبيق الأفضلية الوطنية، المنصوص عليها في البند 155 من المرسوم رقم 349-12-2 المتعلق بالصفقات العمومية، كما تم تغييره وتتميمه بالمرسوم رقم 69-19-2 ، فإن عروض الشركات الصينية، كانت أكثر تنافسية في العديد من الصفقات، وذلك راجع بالأساس إلى الدعم الذي تتلقاه من طرف الحكومة الصينية.
عودة إلى الموضوع الأساسي لهذا المقال، فإن العامل الرئيسي وراء مشروع طريق الحرير، ينقسم إلى شقين: شق مالي وآخر لوجستيكي.
بالنسبة للعامل المادي، فإن توفر الصين على سيولة مالية ضخمة تقدر بملايير الدولارات، شجعها على تقديم عروض مغرية يصعب رفضها، إذ أنها تقدم المشروع و مصدر التمويل، مقابل قروض بفوائد مشجعة، وقد ثم إنشاء صندوق لتمويل هذه المشاريع أطلق عليه “Silk road fund ” وفي حالة ما إذا عجزت الدولة عن تسديد أقساط الديون، فإن الصين تستغل تلك المنشآت لمدة طويلة الأمد تصل ل 99 سنة في بعض الأحيان، كما حصل مع سيرلانكا بالنسبة لميناء Hambantota، وفي هذه الحالة، يتجاوز الربح الإستراتيجي ما تم رصده في المشروع.
من جهة أخرى ، فإن الشق اللوجستيكي كان سببا مباشر في إعطاء الانطلاقة لطريق الحرير، وذلك لأن مراكز الثروة،و معظم الصناعات الصينية على وجه الخصوص ، تقع على الجهة الشرقية للبلاد،المتاخمة للواجهة البحرية المعروفة ببحر الصين الشرقي، كما أن معظم السلع المصدرة تقطع آلاف الكيلومترات برا كي تصل إلى ميناء “شنغهاي”، ومن ثم تعبر البحر انطلاقا من بحر الصين، مرورا بقناة السويس، وصولا إلى أوروبا في رحلة تستغرق شهرين تقريبا، وبالرغم من أن النقل البحري غالبا ما يكون أقل تكلفة من النقل البري، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بعدد مهم من الحاويات، فإن تحليل لوجستيكي معمق، نأخد فيه مصفوفة كل العوامل Matrice des facteurs التي تدخل في هذه السلسلة اللوجستيكية، ككلفة،مدة وضريبية النقل….وجود أو عدم وجود توترات في المياه الإقليمية ،كلفة النقل السككي …إلخ ، وباعتمادنا على نظام معلوماتي متطور، سنخلص إلى أنه في هذه المسألة، فإن طريق الحرير يعتبر الحل الأنسب لتصدير السلع و البضائع الصينية.
ولأنه في المجال الماكرو اقتصادي، يختلط الحابل بالنابل، فقد ساهم طريق الحرير، في الحد من المضايقات التي كانت تتعرض لها الصين من طرف الفليبين، واليابان التي تعتبر الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة.
لقد مكن طريق الحرير من ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فزيادة على الأبعاد الاقتصادية، ساهم في خلق نوع من التوازن من البنية التحتية بين الجهة الشرقية للصين التي تتركز فيها معظم الصناعات، وبين الجهة الغربية التي عرفت قفزة نوعية في حجم الاستثمارات العمومية من طرق، قناطر و سكك حديدية اللازمة لمشروع طريق الحرير.
من الناحية الجيوسياسية، استغلت الصين مشروعها الضخم من أجل بسط نفوذها عسكريا، وذلك بحجة تأمين طريق الحرير، فقامت بإنشاء أول قاعدة عسكرية خارج الصين، وقد وقع الاختيارعلى دولة “الجيبوتي”، باعتبار موقعها الجغرافي الممتاز، الواقع في محور البحر الأحمر، المحيط الهندي، والبحر الأبيض المتوسط، مما مكنها من اعتلاء المرحلة الرابعة عالميا لاستقبالها أكثر من 000 30 سفينة سنويا، ولأنه في العلاقات الدولية تأتي المصالح أمام كل شيء، فقد كان من المستحيل أن ترفض “الجيبوتي” عروض الصين المغرية.
قد يتساءل البعض، وما علاقتنا بطريق الحرير هذا؟ و مادخلنا في سياسات الصين الخارجية؟
للجواب على هذا السؤال، علينا أن نعود قليلا للوراء، ونقوم بتشخيص دقيق للنسيج الاقتصادي الصيني.
في الماضي ليس بالبعيد، كانت قوة الاقتصاد الصيني تكمن في اليد العاملة التي كانت تشتغل ب 100 دولار للشهر، وكأي دولة عظمى مرت بمختلف مراحل التنمية، فقد راكمت الصين سيولة و رؤوس أموال ضخمة، وفي نفس الوقت، ارتفع سعر اليد العاملة، وهي مسألة حتمية، ليصل لمعدل 1000 إلى 1200 دولار للشهر، مما حذا بالمقاولات الصينية، الباحثة دوما عن فرص الربح، إلى نقل معاملها إلى دول أخرى، يكون سعر اليد العاملة فيها أكثر تنافسية، في إطار استراتيجية جديدة تعتمد على نقل وحدات الإنتاج. La délocalisation.
ولأن الصين تتمتع بدهاء ميكيافيلي ، وتطبق نظرية “الأخ الكبير ” لجورج أورويل في كتابه الشهير 1984, Big brother’s theory بحذافيرها ، بيد أنها تقوم بمراقبة لصيقة لشركاتها العملاقة، ومن أجل توسيع دائرة الدول المنخرطة في مشروعها، فإنها اشترطت على تلك الدول التي تود استقبال رؤوس الأموال الصينية، أن تنخرط في مشروع طريق الحرير، كشرط أساسي من أجل احتضان الاستثمارات الصينية.
إن المغرب، بحكم موقعه الجغرافي الممتاز، و استقراره الأمني في المنطقة، وتوفره على ميناء ضخم ” طنجة المتوسط ” يشكل من الناحية اللوجستيكية، بوابة نحو إفريقيا ،وهو مطالب باستغلال هذه المؤهلات، للانخراط أكثر وأكثر في مشروع طريق الحرير، الذي سيحقق دفعة قوية لاقتصادنا ، سيجلب لنا استثمارات أجنبية، وسيساهم في خلق مناصب الشغل مباشرة و غير مباشرة.
لقدت لعبت الزيارة الملكية في سنة 2016، دورا كبيرا في تعزيز علاقات التعاون مع الصين، وساهمت في رسم خريطة الطريق للعمل مع هذا العملاق الآسيوي، فالمطلوب إذن هو تعبئة شاملة، من أجل المشاركة في مشروع طريق الحرير، والاستفادة قدر المستطاع من علاقة اقتصادية يحكمها منطق رابح- رابح.
تتوفر جمهورية الصين الشعبية على مقعد دائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، و تطوير علاقة شراكة بمستوى رفيع مع هذا البلد، من شأنه أن يخدم مصالحنا و يكون خير سند لنا خاصة في القضايا الاستراتيجية.
إن علاقاتنا الخارجية كانت ولاتزال متشبتة بحلفاءنا التقليديين الذين تربطنا بهم علاقات تارخية تمتد لعقود من الزمن، تتجاوز ماهو اقتصادي، لكن هذا لا يمنع من البحث عن حلفاء جدد، بما يضمن مصالحنا، ويعزز مكانتنا كدولة أبت إلا وأن تشق طريق التنمية، مع تحقيق التوازن طبعا، والميل أحيانا إلى كفة ما ، إن كان الدافع هو مصلحة الوطن الذي يبقى فوق كل شي.

رياض برايدة
مهندس دولة في اللوجستيك
باحث في الشأن الاقتصادي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube