مقالات الرأي

يوميات من زمن كورونا

بين الحجر أو القهر

حرة بريس -بقلم أحمد الونزاني

سمعت سعاد عن وباء يفتك بالبشرية ينتشر إنتشار النار في الهشيم. من إحدى القنوات التلفزيونية و هي تعمل في إحدى العيادات الطبية ك عاملة نظافة في شقة من شقق الحي الشتوي بجليز. كانت تقضي أكثر من أربع ساعات في عملها ، تقوم بتنظيف قاعات العيادة الطبية و قاعة الإنتظار و كل ركن و حتى السلالم. تمرست سعاد على هذا العمل اليومياتي و تأقلمت بشكل كبير مع ساعات العمل التي كانت تقضيها في عملها و مع متطلبات الحياة العادية في مكان إقامتها و سكنها بأحد الأحياء البعيدة عن مكان عملها. و هذا كان يكلفها ثمن توصيلتين من الدار إلى العمل.
كانت سعاد تعاني في صمت رهيب فهي لا تتقاضى إلا اليسير من عملها. لكن مصاريف الحياة باتت ترهق كاهل حتى من يشتغلون في وظائف ذات امتيازات كبيرة فمابالك بامرأة أرملة تعيش مع ابنتين شبه عاطلتين و كل تكاليف و أعباء الحياة على كتفيها.
فكرت سعاد مليا ثم اهتدت إلى أن تبحث عن عمل إضافي لها بعد الظهر. لكنها كانت تخاف أن يكتشف صاحب العيادة الطبية ذلك الأمر و يتم تسريحها من العمل بسبب ذلك.
لكن المضطر لا حيلة له. و من حسن الصدف أن مهندسة أتت في استشارة طبية عند الطبيب الذي تشتغل في عيادته سعاد. فانبهرت المهندسة من نظافة المكان و سألت سعاد إن كان بإمكانها أن تعمل لديها بعد الظهر إذا أرادت ذلك. لم تصدق سعاد ما تسمع لكنها طلبت من المهندسة بطاقتها و عنوانها فقط دون وعدها بشيء.
و فعلا اشتغلت سعاد بورديتين في الصباح الباكر عند الطبيب في العيادة و بعد الظهر عند المهندسة في شقة من شقق الحي الشتوي بجليز أيضا لكن هنالك مسافة ميل تفصل بين العيادة و مكتب المهندسة.
كانت سعاد مجدة و متقنة لعملها صابرة بالرغم من قلة الدرهيمات القليلة التي تجنيها من عملها هذا بدون كلل و لا ملل. اشتغلت سعاد لأكثر من عشرين سنة هذا هو دأبها بنشاط و همة عالية. تشتغل بدون ضمان اجتماعي ولا تعويضات عائلية ولا تغطية صحية.
بلغت سعاد ما فوق الستين ربيعا و هي على عادتها مكدة و مجدة تشتغل من أجل العيش الكريم. تسدد فاتورة الماء والكهرباء و قسيمة الكراء الشهرية تعيش على الكفاف و العفاف.
عندما سمعت سعاد عن وباء كورونا أو كولونا كما تقول بابتسامة عريضة. بدأت تنتابها هواجس كثيرة عن مصيرها و مصير عملها كيف ستكون حياتها مع الحجر و الإغلاق التام. كيف ستضمن قوت يومها و عيشها. و هي التي تعيش على باب الله أي طالب معاشو كما تقول. بدت الحيرة و الخوف على ملامح وجه سعاد من المجهول القادم. تذكرت سعاد ابنتيها و بدمعة خفية و تنهيدة حبست أنفاس الزمن في داخلها : قالت سعاد لنا الله تعالى.
إذا كانت كورونا تحصد الأرواح فقط. ف الحجر الصحي و الإغلاق هو القهر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube