فضاء الأكادميينمستجدات

بعد تجميد الاتّصالات مع السّفارة، كيف ستنزل ميركل على ركبتيْها لطلب العفو؟

د. محمد الشرقاوي
أستاذ تسوية الصراعات الدولية وعضو لجنة الخبراء في الأمم المتحدة سابقا.

ينطوي قرار الرّباط تجميد التّعامل مع السّفارة الألمانية على رسالتيْن متوازيتيْن: إحداهُما خارجية بتوجيه “تنبيه” أو “سؤال ملحّ” إلى برلين بعبارة اختزلتها لغة موليير بأنها malentendus profonds أو “قضايا سوء فهم عميق” دون إبلاغ سفيرها في الرباط. وأمرت رئيسَ الحكومة سعد الدين العثماني وبقية الوزراء ومديري الهيئات المختلفة ب”تعليق كافة أشكال التواصل والتفاعل والتعاون في جميع الحالات وبأيّ شكل من الأشكال مع السفارة الألمانية وهيئات التعاون الألمانية والمؤسّسات السياسية التابعة لها.” هي رسالة أثارت استغراب برلين والعواصم العالمية الأخرى لكونها تنمّ عن مفارقة لا تستقيم مع منطق العلاقات الدولية المعاصرة بمسعى الرباط لفرض القطيعة على السفارة الألمانية، والحفاظ على علاقات جيدة مع حكومة أنجيلا ميركل في آن واحد وكأن هناك فصلا ماديا وسياسيا بين السفارة الألمانية والحكومة في برلين. وأبلغ مسؤولو وزارة الخارجية الألمانية سفيرة المغرب زهور العلوي بأنّهم “لا يجدون سببا منطقيا” لتعثر العلاقات الجيدة بين بلدهم والمغرب. وقال أولريش ليشت رئيس اللّجنة المكلّفة بشؤون الأمم المتحدة في البرلمان الألماني إن على رأس القضايا المزعجة للرباط الانطباع أن ألمانيا تعمل ضد طموحات المغرب بشأن الصحراء، وأنه “ينبغي توضيح الدافع الحقيقي لنشر الرسالة، أو ما كان يجري في الأروقة.” وتكمن الرّسالة الثانية في تركيب خطاب قومي داخلي يتوخّى نبرة “الصرامة الدبلوماسية“، ويمجّد الدبلوماسية المغربية بأنها تلقّن برلين “درسا قاسيا” ستخشى منه دول أخرى مثل إسبانيا وهولندا وبلجيكا. فانتعشت حماسة بعض “المؤثّرين” من أصوات الشعبوية الجوفاء بمحاولة تقزيم دور ألمانيا في السياسة الدولية، وأنّ الرباط تمسك بورقات “قوية“، مثل الهجرة والتعاون الاستخباراتي، لممارسة الضغط على سياسات الاتحاد الأوروبي في بروكسيل. وقد يجد المسؤولون في الرباط بعض النشوة اللحظية وإشباع الذات بفعل هذا المديح الذي يغطي عن أسئلة أخرى حول تحدّيات المرحلة. وإذا جارينا تلك الإسقاطات الانفعالية، يصبح الألمان “شعبا مغلوبا على أمره” بفعل جبروت “تلك القيادات التي تحكم ألمانيا” كما قال أحدهم. وستُصاب المستشارة ميركل بانهيار عصبي بعد انهيار زعامتها في الاتحاد الأوروبي بفعل “ضربة المقص” الاستراتيجية، والتكتيكية، والجيوسياسية، وبقية النعوث السخية لألمعية دبلوماسية الرباط في هذه المرحلة. ستُصاب السيدة ميركل حتما بعقدة اليأس، وتدخل مصحة الاضطرابات النفسية الحادة لو انقطعت عنها إمدادات الغاسول، والصابون البَلْدي، والسّردين، والليمون، وبقية صادارت المغرب الأساسية لدعم ركائز الاقتصاد الألماني. هي اجتهادات هلامية واستشرافات تائهة لا تُقنع المغاربة، ناهيك عن الرأي العام الألماني أو الأوروبي.

أسئلة_السببية_المركّبة!

أسهبت الاجتهادات الإعلامية في تحديد قائمة الأسباب التي أثارت تجميد التعامل مع السفارة الألمانية. وتباينت الترجيحات بشأن حزمة من الاعتبارات المحتملة، وإنْ حدث أغلبها قبل فبراير المنصرم، مما يجعلها أمورا ثانوية في تأجج هذه الأزمة الدبلوماسية:

أوّلا، انزعاجٌ قديمٌ من دعوة مندوب ألمانيا في الأمم المتحدة كريستوف هوزگن لعقد جلسة في مجلس الأمن في الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي في ضوء أحداث الگرگرات، وتحلّل جبهة البوليساريو من اتفاق الهدنة الذي رعته الأمم المتحدة منذ 1991، واعتراف حكومة ترمب بسيادة المغرب على الصحراء. وقال وقتها “نريد التشديد مجددا على النقطة التي دأبنا على المناداة بها خلال العامين الماضيين: بالنسبة لنا، حل النزاعات بطريقة سلمية يعني الالتزام بالقواعد وتنفيذ قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي.” وفي الرابع عشر من يناير الماضي، كانت تصريحات السفير الألماني في الرباط گودز-شميت بريم إيجابية للرباط عندما دافع عن جدوى خطة الحكم الذاتي. وقال وقتها إن “من الصعب إيجاد حل أكثر واقعية”.

ثانيا، احتجاج الرباط على رفع علم “الجمهورية الصحرواية” أمام مبنى برلمان ولاية بريمن الألمانية. وعلقت أنتيه غروثر نائبة رئيس البرلمان التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني بالقول: “الحرية لآخر مستعمرة في أفريقيا“. وهذه ليست هذه المرة الأولى التي تميل ولاية بريمن إلى تجسيد موقف لا يناصر المغرب.

ثالثا، رفض الحكومة الألمانية تسليم محمد حاجب، المدان سابقا بتهمة تورطه في “الإرهاب” في السجون المغربية، إلى السلطات في الرباط . هو اجتهادٌ تبريريٌ آخر يحيد عن مجرى الأحداث، ولا يتّسق مع المنطق بأنّ قضية متهم واحد قد تجرّ العلاقات المغربية الألمانية إلى منحدر من هذا المستوى.

رابعا، توجس الرباط من نشاط “تجسّس” في ضوء سفر باحث ألماني إلى الصحراء وصدور تقرير منظمة الشفافية الدولية التي يوجد مقرّها في برلين. وتم تقييم وضع المغرب ب40 نقطة من أصل 100 بتراجع نقطة عن عام 2019. وازداد معدل الفقر من نسبة 17.1٪؜ عام 2019 إلى 19.8٪؜ عام 2020. وخلص التقرير الذي صدر في الثاني عشر من الشهر الماضي إلى أن المغرب يعاني “مستوى خطيرا ومنهجيا من الفساد“، وأنه “تفاقم خلال فترة انتشار كورونا”. وانتقد الدولة المغربية بعدم الحسم في معضلة الفساد، وأنه “باستثناء الكلمات الفارغة لسوء الحظ، لم تكن هناك إشارات إيجابية للإرادة السياسية لمحاربة الفساد بشكل فعال.

زاد في انزعاج الرباط وجود الألماني ماركوس بليير على رأس هذه المنظمة، وربطها فحوى التقرير الجديد بعمله السابق عندما كان يتولى منصب نائب المدير العام في وزارة المالية الألمانية ويشرف على التعاون الدولي وإجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب

خامسا، قرار منظمة فريق العمل للإجراء المالي Financial Action Task Force في أواخر الشهر الماضي إدراج المغرب والسنيغال وبوركينا فاسو وجزر كيمان ضمن “القائمة الرمادية“، كناية عن الدول التي تخضع لرصد إضافي من أجل معالجة أوجه القصور في استراتيجياتها لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وحددت ثمانية مناحي لتطبيق خطة العمل. وتسعى هذه المنظمة التي تضم في عضويتها 39 دولة واثنين من التكتلات الإقليمية، هما المفوضية الأوروبية ومجلس التعاون الخليجي، لمراقبة تحركات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وتحفيز الإرادة السياسية اللازمة في شتى الدول لإدخال إصلاحات تشريعية وتنظيمية وطنية. وقد تم تأسيس هذه المنظمة في باريس عام 1989 بمبادرة من قمة الدول السبع الرئيسية لمراقبة تبييض الأموال، واتسعت مهمتها إلى مراقبة تمويل الإرهاب منذ عام 2001. ومما زاد في انزعاج الرباط وجود الألماني ماركوس بليير على رأس هذه المنظمة، وربطها فحوى التقرير الجديد بعمله السابق عندما كان يتولى منصب نائب المدير العام في وزارة المالية الألمانية ويشرف على التعاون الدولي وإجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وارتفعت بعض الأصوات في مراكز القرار في الرباط بسؤال المقارنة حول الغاية من تركيز منظمة فريق العمل للإجراء المالي ومنظمة الشفافية الدولية على المغرب دون جيرانه إلى الشرق، وكيف تنسل الجزائر من رادار الرصد والمراقبة الدولية. وقد أظهر معهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم أن “بين الدول الأكثر استيرادات للأسلحة الرئيسية بين 2015 و 2019 هناك ثمان منها وهي السعودية، ومصر، والجزائر، والعراق، وقطر، والإمارات، والصين، والهند، توجد على مستوى عال جدا من تفشي الفساد في مجالها الدفاعي.” ويذكر مؤشر الكرامة الدفاعية الحكومية أن “وجود خطر الفساد في المجال العسكري يعني أن هناك صفقات أسلحة رئيسية تتم إلى دول من المرجح أن تنعش أعمال الفساد حيث تكون الرقابة والمحاسبة عديمة الوجود على المؤسسات العسكرية.

سؤال المقارنة بالجيران ضمن تقييم منظمات دولية من هذه النوع سؤال طبيعي ومرتقب خاصة في هذه الظروف الإقليمية المحتقنة، وزيادة التوتر بفعل ما تراه بعض العواصم تقلبا في ميزان القوة بعد اعتراف حكومة الرئيس ترمب بسيادة المغرب على الصحراء، وتوجس الجزائر مما تعتبره تطبيعا بين الرباط وتل أبيب ووصول التأثير الإسرائيلي قرب حدودها، أو “وجود مؤامرة خارجية” كما صرح رئيس وزراء الجزائر في 12 من ديسمير الماضي. وقد ترائى للرباط وجود “خيط ألماني” يجمع بين مواقف ألمانية تعتبرها معادية لها، و”استهدافا” للمغرب بشكل مباشر بالنظر إلى سياق التحديات المشتركة مع بقية عواصم المغرب الكبير.

في المقابل، تريد الرباط تقليص نشاط المؤسسات الألمانية الخمس التي تؤيد النشطاء الحقوقيين والباحثين الأكاديميين وتمول عددا من الأبحاث الميدانية والندوات. وتسعى رسالة وزارة الخارجية بعد استعادة التعامل مع الألمان في المستقبل للتحكم في قنوات الاتصال مع خمس مؤسسات ألمانية ذات مكاتب دائمة في المغرب، وهي مؤسسة Friedrich-Ebert-Stiftung، ومؤسسة Konrad-Adenauer-Stiftung، ومؤسسة Friedrich Naumann Foundationمن أجل الحرية، ومؤسسة Hanns Seidel Foundation، ومؤسسة Heinrich Böll. وبالقياس مع الانزعاج من تقارير منظمة الشفافية الدولية ومنظمة فريق العمل للإجراء المالي الشهر الماضي، يصبح نشاط هذه المنظمات أمرا غير مستحب في تقديرات الرباط بموازاة التوافق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة على اعتماد فلسفة حقوق الإنسان ضمن أركان السياسة الخارجية للدول الغربية في حقبة الرئيس جوزيف بايدن.

خطاب الأنفة المغربية!

ستُصاب المستشارة ميركل بانهيار عصبي بعد انهيار زعامتها في الاتحاد الأوروبي بفعل “ضربة المقص” الاستراتيجية، والتكتيكية، والجيوسياسية، وبقية النعوث السخية لألمعية دبلوماسية الرباط في هذه المرحلة. ستُصاب السيدة ميركل حتما بعقدة اليأس، وتدخل مصحة الاضطرابات النفسية الحادة لو انقطعت عنها إمدادات الغاسول، والصابون البَلْدي، والسّردين، والليمون، وبقية صادارت المغرب الأساسية لدعم ركائز الاقتصاد الألماني. هي اجتهادات هلامية واستشرافات تائهة لا تُقنع المغاربة، ناهيك عن الرأي العام الألماني أو الأوروبي.

قد يقول قائل إن المغرب يمارس سيادته واختياراته في تدبير سياستها الخارجية، وله الحقّ في اتباع شتى السبل الممكنة. ووصل الدفاع عن رسالة وزارة الخارجية إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني حدّ الاعتداد بأنها “طريقة جديدة” لتعامل المغرب مع الدول الأخرى، كما قال الدكتور محمد تاج الدين الحسيني خلال ظهوره معي في حوار في قناة دولية الأسبوع الماضي. لكن طريقة نشر الرسالة عبر الواتساب، ثم وسائل التواصل، دون علم السفير الألماني ووزارة الخارجية في برلين بدت إجراءا “غير دبلوماسيا” في أعين العواصم الأجنبية. وتنم النبرة التبريرية في نص الرسالة عن نزعة انفعالية وكأنها تتوخى القطيعة مع ألمانيا بقرار تجميد عقود وأنشطة سفارتها في الرباط. ويبدو أن من حرّر الرسالة كان في حالة غضبة على الألمان جملة وتفصيلا، فقرر قلب الطاولة بشكل انفعالي على كافة أنشطة مؤسساتهم في المغرب، ولم يترك النافذةَ مفتوحةً لإدارة تلك الخلافات بالسبل الدبلوماسية وفي أروقة مغلقة. قد يكون لهذا الأسلوب فهم رمزي ودلالة سياسية داخل السياق المغربي وفق تراتبية السلطة وتبعية الهامش للمحور وفق أدبيات الحكم. وقد يكون وليد أعراف سياسية تقليدية تستمد وجودها من دولة الأختام السلطانية أكثر من دولة الدبلوماسية الحديثة. وقد تعتري توجيهَ هذه الإجراءات برمزيتها وغاياتها المنشودة نحو عواصم غربية صعوباتٌ في الاستقبال والتفسير. فاكتفى المسؤولون الألمان باستغراب ضمني ولبق بالقول إنهم ” لا يجدون سببا منطقيا” للقطيعة. وينطوي هذا الوضع بين الرباط وبرلين على مدى التوازي أو الجمع بين الرؤية من الداخل إلى الخارج والرؤية من الخارج إلى الداخل عند اتخاذ أي خطوة سلبية إزاء دولة بأهمية ألمانيا وحجم استثماراتها ومساعداتها وأنشطتها مع المجتمع المدني المحلي.

دبلوماسية_التفاعل_الإيجابي!

هل دخلت الدبلوماسية المغربية مرحلة الانفعال المتسرّع إزاء ألمانيا؟ ليست هناك مؤشّرات تؤكّد عكس هذه الملاحظة، ولا تنبؤ عن تفكير هادئ في بدائل دبلوماسية قبل نشر الرسالة ودون إبلاغ السفارة الألمانية بشكل مباشر. كان من الممكن استدعاء السفير الألماني إلى وزارة الخارجية في الرباط للتباحث على الفور مما يمنح المغرب موقفا أقوى من النواحي الدبلوماسية والاعتبارية في أعين العالم. وكان من الأجدى تحويل الأزمة إلى مكسب سياسي لصالح المغرب بالسفر إلى برلين للتباحث وجها لوجه مع وزير الخارجية الألماني بمنطق العمل الدبلوماسي الميداني، ثم زيارة البرلمان في ولاية بريمن وإلقاء خطاب أمام أعضائه من أجل تحقيق بعض الودّ السياسي واستمالة بعض الأعضاء غير المؤيدين للموقف المغربي مثل نائبة الرئيس أنتيه غروثر. كان من الممكن أيضا أن توحي زيارة برلين بفكرة إلقاء محاضرة في أهمّ مركز تفكير، والتفاعل مع أبرز الباحثين والمؤثرين الحقيقين في الرأي العام الألماني، والدفاع عن أن فكرة الحكم الذاتي الموسع هي أفضل صيغة للتسوية في الوقت الراهن في ظل تعثر مساعي الأمم المتحدة. هناك خيارات دبلوماسية كان من الممكن أن تحقق قدرا من الزخم السياسي والإعلامي عند تلاقي الطرق بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية العامة المغربية. يعزز سجل التعامل مع الأزمات الدولية المعاصرة حقيقة أن لا دبلوماسية فعالة دون التفاعل الإيجابي أو Positive engagement، وهو أكثر الاستراتيجيات فعالية إدارة العلاقات الدولية المعاصرة. يقول جيم مورفي وزير أوروبا والشؤون الخارجية ووزارة الكومنولث في بريطانيا سابقا في كتاب بعنوان ENGAGEMENT: Public Diplomacy in a Globalised World “التفاعل: الدبلوماسية العامة في عالم مُعوْلم” إن “أحد التحديات الكبيرة التي يواجهها الدبلوماسيون يتمثل في أن يصبحوا أكثر إبداعًا وجذبا للاهتمام، والاستماع، والمشاركة، والشرح، والتنافس ضد ضجيج آلاف الأصوات الأخرى.” وهذه قاعدة ذهبية تؤكدها الاختراقات الكبرى التي حدثت في إدارة الأزمات العالمية منذ الحرب العالمية الثانية، مثل التفاعل المباشر بين المستشار الألماني كونراد أديناور والرئيس الفرنسي شارل ديغول في مارس عام 1950 عندما خاطب المستشار أديناور جلساءه الفرنسيين قائلا إن “من شأن إقامة اتحاد بين فرنسا وألمانيا أن يمنح حياة جديدة وتوهجا زاخر إلى أوروبا التي تعاني المرض الشديد.” مثال آخر غيّر مسار العلاقات بين الغرب والشرق عندما زار الرئيس نكسون ووزير الخارجية كيسنجر الصين الشيوعية وتفاعلهما المباشر مع الرئيس شو إنلاي عام 1972. يقول ريتشارد هاس رئيس المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية ومسؤول السياسات في وزارة الخارجية في حقبة الرئيس بوش الإبن في كتاب بعنوان Terms of Engagement: Alternatives to Punitive Policies “شروط التفاعل: بدائل السياسات العقابية” إن التفاعل يعني “اتباع استراتيجية السياسة الخارجية التي تعتمد إلى حد كبير على الحوافز الإيجابية لتحقيق أهدافها.” ويستعرض أصنافا مختلفة من استراتيجيات التفاعل بناءا على من يشارك ونوعية الحوافز المستخدمة وطبيعة الأهداف المنشودة. ويوضح الفرق بين تفاعل “مشروط” وآخر “غير مشروط” بقوله “قد يكون التفاعل مشروطا عندما يستلزم سلسلة من المبادلات في المواقف عن طريق التفاوض، مثلا عندما تقدم الولايات المتحدة حوافز إيجابية للتغييرات التي تقوم بها الدولة المستهدفة. وقد يكون التفاعل غير مشروط إذا قدم تعديلات في سياسة الولايات المتحدة تجاه بلد ما دون توقع صريح بأن عملا أو خطوة متبادلة سيتبعان ذلك.” وثمة قيمة دبلوماسية إضافية عند الجمع بينهما باعتبار أن “التفاعل المشروط موجه نحو الحكومة، فيما يعمل التفاعل غير المشروط مع المجتمع المدني في الدولة أو القطاع الخاص على أمل تعزيز القوى التي ستسهل التعاون في نهاية المطاف“، كما يخلص هاس. ليس التفاعل الإيجابي مع الدول الأخرى ترفا سياسيا أو محلّ تقديرات السيادة أو الاستثناء، بقدر ما هو ضرورة استراتيجية في ظل تيار العولمة وتداخل المنظومات الاقتصادية وغلبة النيوليبرالية وتشابك المصالح بين الدول. واذا اعتمدنا منطق السياسة الدولية بتحليل بارد غير منحاز، فإن واقع الحال يقول إن دور ألمانيا رياديٌ في رسم سياسات الاتحاد الأوروبي، الآن أكثر من أي وقت سابق، بعد خروج بريطانيا عبر بوابة البريكست. وتزداد أهمية برلين أيضا في أعين الرئيس بايدن وفريق سياسته الخارجية وسط اتسّاق وجهات النظر بين واشنطن وعواصم أوروبية أخرى حول تعزيز الشراكة الأطلسية بين أوروبا وأمريكا. ومن تجليات هذا الإتساق والتنسيق قرار حكومة بايدن مجاراة موقف الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بفرض عقوبات على سبع شخصيات في محيط الرئيس الروسي بوتين.باختصار، تظلّ ألمانيا قوة أوروبية وقوة دولية بامتياز، فصداقتها أهمّ من عدائها وإنْ استخفّ بها “مؤثّرو” الرأي العام المغربي. والحقيقة الأهم أنّ أهميّة الحوار والتّفاعل المباشر مع برلين تؤكّد سيادة المغرب وسيادة ألمانيا، وأنهما طرفان متوزيان يلتقيان في حكمة الدبلوماسية والاستشراف بعيد النظر. ومن يدعو للقطيعة الدبلوماسية معها أو “تلقينها” درسا مغربيا في الندّية كمن يحث مسؤوليها ومشرّعيها في البرلمان وأقلامها المؤثرة على تبني معادلة صفرية إزاء المغرب في منطقة استراتيجية جنوب البحر المتوسط بموازاة التعاملات الموازية وتلاقي المصالح مع الجزائر وتونس. لكن قد يكون تحليلي خاطئا أو بصري ضعيفا بالمقارنة بوعّاظ السياسة والتنويرالدبلوماسي ومنجّمي الكرة البلورية بمن سيخسر هذه المعركة غير الدبلوماسية، بانتظار أن تستوعب ميركل الدّرس وتنزل على ركبتيْها طلبا للعفو والمغفرة!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube