مقالات الرأي

التطبيع من زوايا مختلفة

محمد بونوار كاتب مغربي مقيم بالمانيا

التحالف الجديد الذي يظم الولايات المتحدة الامريكية والمغرب واسرائيل هو جزء من النظام العالمي الجديد ، ولكل عضو في هذا المثلث منافع وأرباح وأطماع سياسية ، تكلمنا في المقال الاخيروقلنا  أن الولايات المتحدة تحت غطاء  أمنها القومي وخصوصيات مواطنيها والذي يعني بعبارة بسيطة الاستحواذ على ترواث دول الساحل وضمان طريق تسويقها ، مع العلم أن هناك دول عظمى دائمة العضوية في الامم المتحدة ولها حق الفيتو أيضا تتربص بهذه الثرواث الافريقية : الصين وروسيا .

دولة اسرائيل ، تجري وراء الاعتراف الرسمي من طرف الدول التي لازالت لم تعترف بها ، وكذا  الدخول في الاستثمارات الذكية ، والذي يعني الاستثمار من خلال المعرفة المتقدمة مع الاعتماد على اليد العاملة الرخيصة في الدول التي ترحب بربط العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية و…..

المغرب ، وهو الرابح الاكبر نسبيا مقارنة مع تصنيف دول هذا المثلث الجديد والذي يدخل فيما يسمى بالنظام العالمي الجديد ، والارباح المغربية ، أو الاستفاذات التي حققها المغرب والتي  يمكن تلخيصها في النقط التالية :

1 – استرجاع الصحراء بشكل نهائي نسبيا .

2 – قفزة نوعية في التنمية الوطنية عموما ، والمنطقة الجنوبية خصوصا .

3 – الفوز بمرتبة قوة اقليمية في شمال افريقيا ، ومنطقة الساحل ، والقارة الافريقية وهو مايسمى بلغة السياسة – قوة اقليمية وجيوسياسية ، مع التذكير بما عاناه المغرب من تعصب بعض الدول الافريقية بما فيها الجارة الجزائرية والتمويل المادي الذي خصصته لجبهة الانفصال  لئلا يحصل المغرب على الصحراء بشكل نهائي .

4 – امكانية استرجاع الاراضي والجزر التي لازالت تحت الاستعمار الاسباني ، وهنا لابد من تسمية الامور بمسمياتها ، وأعني مدينة سبتة ومليلية وبعض الجزر المطلة على السواحل المغربية .

5 – كسب مرتبة متقدمة على الصعيد الدولي ، ولو أنها لازالت بعيدة شيئا ما  ، والتي تسمى شراكة تفضيلية بين المغرب وأروبا ، مع جلب الاستثمارات الاجنبية انطلاقا من التحالف الثلاثي الموقع نهاية سنة 2020 ، والذي يحوي التطبيع مع دولة اسرائيل .

وعلى ذكر اسرائيل ، بعض الشخصيات الفلسطينية تعيب على المغرب جراء الوقيع على اتفاقية التبادل التجاري والاقتصادي والسياحي  بقوة شديدة ، وتصف هذه العملية بالخيانة العظمى ، وقد ذهبت الى ماهو بعيد حيث أقرت أن جبهة البوليزاريو تعاني من الاستعمارالمغربي  كما تعاني فلسطين من الاستعمار الاسرائلي .

حقائق واٍكراهات

الجميع يعرف أن معاهدة أوسلو سنة 1994 بين السلطة الفلسطينية واسرائيل ، سمحت بتولي السلطة الفلسطينية ادارة الضفة الغربية وقطاع غزة ، فقامت السلطة الفلسطينية بتسجيل المواليد الجدد واصدار بطاقات هوية لمن بلغ سن 16 سنة مع اصدار جوازات سفر من قبل السلطة الفلسطينية ، لكن هذه الوثاءق الرسمية لا تصبح سارية المفعول الا بعد ارسالها الى الجانب الاسرائلي وتسجيلها من جديد ، ولا يمكن للفلسطينين الخروج او الدخول عبر المعابر الحدودية التي تسيطر عليها اسراءيل اذا لم يكونوا مسجلين لدى الادراة اليهودية .

هذا النظام يمكن تسميته بالاكراهات التي تفرضها اسراءيل على الفلسطينين ، لكن هناك حالات أخرى خاصة في القدس الشرقية حيث يتهافت بعض الفلسطينون وراء الحصول على الجواز الاسراءلي ، مع العلم أن المقابلة الخاصة بالتتقييم تكون باللغة العبرية ، ولازالت كل سنة تقوم مئات من سكان القدس المحتلة بتقديم طلبات الجنسية الاسرائلية وذالك نظرا للاستفاذات  سواء في السكن ، أو في الدراسة ، أو في العمل ، أو في السفر ، أو في المشاركة السياسية .

في أي دولة هناك ثلاثة عناصر تشكل ما يسمى بالدولة :

1 –  النخبة السياسية والتي تتخذ القرارات

2 – النخبة المثقفة والتي تقوم بالتوجيه والتحسيس ونشر الوعي  على جميع الاصعدة ، ولها دور الرابط أيضا بين النخبة السياسية والطبقة الشعبية والتي تسمى بالمجتمع .

3 – العنصر الثالث وهو المواطن – نواة المجتمع –  والذي يبقى منقسم بين الاستراتيجيات السياسية المتبنية من طرف النخبة السياسية وبين المبادء والتي تختلف في درجاتها حسب الوعي وحسب المفاهيم المنتشرة في المجتمع .

هنا لابد من الوقوف على بعض الامور حتى تتضح فكرة التطبيع وقبول القرارات التي تتخذها النخبة السياسية –  بمعنى الحاكمة –

كثير من الجمهور يرى أن الصواب في اتخاذ القرارات من طرف النخبة السياسية  هو الرجوع الى الاستفثاء ، وهنا أريد أن أذكر الجميع أن فكرة الاتحاد الاروبي مثلا لم تلقى ترحيبا كبيرا في البداية ، وهناك دول مثل سويسرا والنرويج واٍيسلندا  لم يقبل مواطنوها الدخول في السوق الاروبية ، لكن الى جانب ذالك وجب التذكير بأن الاتحاد الاروبي أقر بالاجماع عملة موحدة اسمها – أورو – دون الاستشارة مع مواطنيها مخافة من نتائج الاستفثاء ، ما عدا دولة هولندا والتي حاولت اٍشراك المجتمع في اتخاذ قرارتبني العملة الجديدة ، وقد أسفرت النتائج عن عدم قبول العملة الجديدة من خلال استفثاء وطني ، لكن رغم ذالك أقرت الطبقة السياسية  الهولندية عكس ما جاءت به النتائج ، وذالك لخدمة مستقبل هولندا .

الخلاصة من هذه الامثلة ، أن بعض القرارات التي تتخذها النخبة السياسية ، لا تمر عبر التصويت ، أوالاستفثاء ، لكن يتم تطبيقها بدون استشارة المواطنين ، وهذا المثال هو ما جرى في موضوع التطبيع  الذي جمع المغرب واسرائيل من جهة ، وبين التحالف المغربي الامريكي من جهة ثانية .

اٍسرائيل تعتبر هي العدو الاول في العالم العربي وذالك لسبب معروف حيث أخذت أرض فلسطين بالقوة ولازالت تعاملهم معاملة غير عادلة وغير انسانية ، ورغم الشكاوي التي قدمتها السلطة الفلسطينية لدى هيئة الامم المتحدة فان ذالك لم يساعدها على استراجاع أراضيها .

منذ سنة 1948 ، وسياسة المد والجر هي السمة الغالبة بين الفلسطينين واسرائيل ، وقد عرفت هذه الفترة  حروب ومعاهدات واتفاقيات ، تارة مباشرة وتارة عبر دولة ثالثة ، لكن بدون استفاذة مريحة أو مربحة .

جربت الدول العربية والاسلامية جميع المقاطعات ضد دولة اسرائيل ، وخاضت حروبا  ، ولم تلو عل شيئ يذكر ، لكن مع مرور الزمن بدأت بعض الدول تبرم اتفاقيات سرية ومعاهدات تجارية وراء الستار ، ولا أرى المناسبة مواتية للدخول في هذا الموضوع لئلا يزيغ تركيز القارئ عن زوايا التطبيع والذي هو لب هذا المقال المتواضع .

المغرب له علاقة خاصة مع اليهود ، وذالك لاسباب كثيرة ، منها نسبة كبيرة ممن يتقلد مناصب في النخبة السياسية  في اسرائيل ولدوا في المغرب ، وترعرعوا فيه ودرسوا مع أقرانهم في المدارس المغربية ، واكتسبوا  الثقافة  المغربية عن قرب ، وتعايشوا مع أبناء المغرب في جو عادي وبدون مشاكل ، وهو الامر الذي يجعلهم يحنون الى الاماكن التي ولدوا فيها وترعرعوا  في طبيعتها .

هذا التطبيع الذي دشنه المغرب يمكن احتسابه من  زوايا متعددة في مقدمتها التطبيع الانساني ، ثم التجاري ، ثم الثقافي ، وأخيرا التطبيع السياسي ، وهنا أريد أن أذكر الجميع أن المغرب يمكن أن يكون ورقة ضغط على اسرائيل من خلال اليهود من أصل مغربي حتى تحصل السلطة الفلسطينية على مكاسب أكثر مما تحقق منذ قيام الصراع  .

من جهة ثانية ، تعمدنا في هذا المقال الى سرد الاستفاذات التي سوف يحققها المغرب من خلال هذا التحالف الثلاثي الذي يجمعه بالولايات المتحدة الامريكية  واسرائيل ، مع التذكير القوي بما عاناه المغرب من جفاء سياسي عارم على الصعيد العالمي والعربي والاسلامي والافريقي لمدة تقارب 45 سنة ، بمعنى أخر  منذ سنة 1975 ، تاريخ استرجاع الصحراء .

وما يبرر هذا المنحى هو افتتاح عدد من القنصليات الاروبية والافريقية في ظرف وجيز بالصحراء المغربية  ، علاوة على  مواقف  دول عديدة  غيرت من تصريحاتها و سياستها تجاه النزاع المفتعل .

وفي الختام أريد أن أقول أن التطبيع يعطي للمغرب قوة جيوسياسية  جديدة ، ويمكن أن تكون بادرة حسنة  ذات فتح جديد على جميع الاصعدة ، بما فيها النزاع  الفلسطيني – الاسرائلي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube