– *فيديو المهداوي عنوان آخر لـ«الأنوميا»*

*كلمات*
.. في المسخ المدمر
—————————
*فيديو المهداوي عنوان آخر لـ«الأنوميا»*
أحمد ويحمان
لا جديد تحت الشمس… سوى مزيد من الانكشاف.و«الأنوميا» التي سبق أن توقّفنا عندها مرارًا، تعود اليوم أكثر وقاحة وفجورًا، عبر فضيحة جديدة ليست حادثًا معزولًا، بل حلقة أخرى في مسلسل الانهيار المعياري الذي تعيشه البلاد، حيث تتفسّخ الدولة قطاعًا قطاعًا، وتختلط الأدوار فتضيع الحدود بين الواجب والفضيحة، بين المسؤولية والجريمة .
إننا، بحق، بٱزاء المثل الأمازيغي : *«كّانْدّ الشُّوضاتْ إݣْنّا كِّنْدّ أكّال»* ؛ أي أن مصائب الداخل والخارج تتكالب على الوطن، فتجعله بين نارين :تخريب صهيوني يستثمر في الهوية والعقيدة عبر “البورغواطيين الجدد”، وتخريب داخلي يدوس على ما بقي من ثقة الناس في مؤسساتهم . لم يخرج المغاربة بعد من صدمة الترويج لـ“نبي” بن طريف بن شمعون و“قرآن” البورغواطيين (!!)، حتى جاءت فضيحة أخرى…وهذه المرة من صميم المؤسسات التي يُفترض أنها الحارسة للأخلاق، والحامية لشرف المهنة، والساهرة على النزاهة والمعايير، في مجال موكول له رسالة بناء وتوجيه الرأي العام وتشكيل وعيه ضمن المقومات الوطنية والتاريخية للبلاد .. وإذا بنا بالمغاربة يكتشفون — مرّة أخرى — أنه حتى في الإعلام والصحافة : *حاميها هو حراميها.*
!■ *مشهد انهيار أخلاقي غير مسبوق* إن الفيديو المسرَّب، والذي أصبح اليوم حديث القاصي والداني، لا يكشف “سلوكًا شخصيًا” ولا “زلة لسان” كما حاولت بعض الأبواق تبريره، بل يكشف نمطًا أخلاقيًا منحطًا داخل مؤسسة عمومية يفترض أن تكون مرجعية في أخلاقيات المهنة.لغة سوقية… تفاهة… انحطاط… تهديد… وابتذال لا يصدر إلا عن بلطجية أزقة، لا عن مسؤولين يُفترض أنهم مؤتمنون على “مدونة الأخلاقيات”. لا، بل إن تفاصيل الفيديو تكشف سرًّا ظلّ محجوبًا على مدى شهور عن السبب الحقيقي لحرمان الصحفي الأشهر في المغرب؛ حميد المهداوي من بطاقة الصحافة ! . إن الأمر لم يكن “إدارة تقنية” ولا “إجراء عاديًا”، بل قرارًا إراديًا اتُّخذ في الغرف المظلمة، لفتح الطريق لمحاكمته بالقانون الجنائي بدل قانون الصحافة، حتى يسهل التنكيل به وإسكات صوته. وهنا تتجلّى المفارقة الفاضحة :وزير العدل، خصمه في المحكمة، صاحب المقولة الشهيرة ” من تحتها ” هو نفسه من يصرح جوابا عن سؤال متابعة خصمه بالقانون الجنائي بدل قانون الصحافة : إنه لا يحوز بطاقة صحفي .. فلكي تتم متابعة الصحفي المهداوي بالقانون الجنائي يلزم حرمانه من حقه في بطاقة الصحافة ! لا يجب أن تبقى لديه صفة “صحفي مهني ” كي تتم ملاحقته كمتهم الحق العام لأنه “ليس صحفيًا”!! هذا اللغز الذي لف بالغموض ملف المهداوي طيلة شهور و شهور ستنكشف كل خيوطه ويفضح الله كل المتواطئين ب ” الجرم المشهود ” في حالة تلبس، وبالصوت والصورة !!!أية عدالة؟أي منطق؟أية أخلاق ؟أي دولة يمكن أن تسمح بهذا المستوى من العبث؟كل شيء في هذه الفضيحة يصرخ بأننا أمام مسخٍ مؤسسي مكتمل الأركان.
■ *حكومات المسخ… لا إصلاح ولا تقدّم*
إن الحكومة الحالية — منذ لحظة تنصيبها — لم تأتِ لإصلاح الفساد، بل لإرساء بنيته كسياسة دولة :- ضربٌ ممنهج لما تبقى من روح دستور 2011- انقلابٌ على مكتسبات زمن الإنصاف والمصالحة- قتلٌ تدريجي لحرية الصحافة .وصناعة “أنوميا” شاملة تجعل الانهيار الأخلاقي طبيعيًا .
■ *مؤسسات الحكامة… تحت السيف*
وكما دُفِعت الصحافة إلى حافة المسخ، ها هي مؤسسات الحكامة نفسها تُضرَب في رموزها، في حملة واضحة الهدف منها؛ تدمير ما تبقّى من توازن داخل الدولة. استهداف الراشيدي داخل الهيئة الوطنية للنزاهة .. تقليم أظافر الݣراوي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي .. الضغط على الشامي لإفراغ تقاريره من أي مضمون في مجلس المنافسة .. وحصار جطو، قبل التخلص منه، في المجلس الأعلى للحسابات لمنع ملفات ثقيلة من الصعود …المؤسسات التي كان يُفترض أن تكون صمّام الأمان الأخير… يتم تفكيكها واحدة تلو الأخرى.
■ *الأنوميا ليست فكرة… بل واقع يومي*
إن الفضيحة التي كشف عنها الفيديو المسرب ليست في “المشهد” وحده، وإنما الفضيحة في النظام الذي سمح بحدوثه.في مناخ كامل يطبع مع الانحطاط، ويجرّم من يكشف الفساد بدل من يمارسه .والسؤال الجوهري اليوم ليس :من صوّر الفيديو؟بل :لماذا أصبح هذا السلوك طبيعيًا داخل المؤسسات ؟ولماذا يُحاكم الصحفيون… ويحمى الفاسدون ؟
*آخر الكلام*
إن حماية حميد المهداوي — اليوم — ليست موقفًا من شخص، بل دفاع عن مبدأ.دفاع عن حق المواطن في أن يعرف، وحق الصحفي في أن يشتغل بلا تهديد، وحق الوطن في ألا يتحوّل إلى غابة تحكمها العصابات بدل القانون.
إن ما كشفه الفيديو ليس فضيحة مهنية وحسب .. إنه جرس إنذار وطني آخر :إذا لم تتوقف موجة المسخ هذه الآن، فلن يبقى في البلاد ما يمكن إنقاذه غدًا.
*هام قبل الختام* :ورد، في سياق هذه الوساخة، إسم الأستاذ جلال الطاهر، وهو مناضل اتحادي وصديق قديم، نتمنى أن يصدر توضيح من الأستاذ جلال يتبرأ من هذه القصة العفنة ومن أي دور له فيها ! نقول قولنا هذا وآخر دعوانا أن اللهم اسق عبادك وبهائمك !
—————————-
× باحث في علم الاجتماع السياسي




