ضد التيار

(الله يرحم الوالدين يا تل أبيب)


منير ابو هداية برشلونة

في وسط مدينة الدار البيضاء صيف 2013، قيضت ما يربو عن أسبوع رفقة شاب في ربيعه السابع و العشرين إسمه “خليد”. “خليد” شاب من طينة الشباب المغربي الحالم بمستقبل يكون أجمل كجمال أحلامه، وأحلى كحلاوة طموحاته.. تعاملي معه كان في إطار تجارة، لكن إنسجامنا تعدى ذلك إلى شبه صداقة مؤقتة و عابرة. إلتقيت به في قلب العاصمة الإقتصادية (كازا نيݣـرا)، كما كان يحلو له أن ينادي المدينة التي ولد فيها و ترعرع، حتى بلغ لحظة من حياته لم يعد يحتمل البقاء بين دروبها.. حلم الشاب “خليد” أصبح الهجرة، و لا شيء غير الهروب من الوطن.. لكن و بموازاة مع إجتهاده في البحث عن سبيل للرحيل، و المحاولة تلو المحاولة من أجل ذلك..لم يرتمي “خليد” في بحور السلبية و سوء الإختيارات ، بل كان هذا “الرجاوي” يتحرك يمينا و شمالا.. يبيع و يشتري… ، وفي سويقة باب المكانة أو باب گْناوة، هناك حجز له مكانا صغيرا عبارة عن (براكة) يعرض من خلالها بضاعته .. جوارب و مناديل و ملابس داخلية..أمام الداخلين إلى، و الخارجين من السويقة .. «… الحمد لله، الحالة صعيبة..ولكن كل نهار و باركتو !! »، هكذا رد على سؤالي، لما سألته :« هل بهذه (لبيعاوشريا) البسيطة تعيل أمك وإخوتك الصغار؟؟». دردشاتنا كانت تتم في الغالب، حول براد أتاي في المقهى المجاور .. مرة نخلص أنا، و غالبا ما كان يخلص هو، بعدما يوجه أوامره الصارمة إلى (القهواجي) بأن لا يمسك مني خلاص البريريد.. إنه “خليد” الملمُّ بتفاصيل المدينة البحر، الضابط لإيقاعاتها الصاخبة أحيانا و الهادئة مرة مرة ..يجول بك بين الوداد و الرجاء و عوالم الغش في التجارة و التشرميل بين الأحياء و إكتضاض الطرقات، يثني على من هاجر ويسب السياسيين من بنكيران إلى أندري أزولاي.. ذاكرتي المرهقة سقطت منها عدة لحظات قضيتها مع “خليد” ، الذي لولا لطف الله و هو، لكنت قد تشرملت في ليلة من اليالي عند ساحة (الكرة الارضية) وسط العاصمة الاقتصادية المملكة المغربية…، لكن ما علق بالذاكرة،هو ما حكاه لي .. و ما الحكاية سوى واقعة، تختزل المشهد و تغني عن كل مقال.. حكى الشاب العشريني بأن سياحا (فرنسيين) سيدتان و رجل حلوا ذات صباح بالسويقة التي كان ينشط فيها.. إتجهوا نحوه مباشرة، بعد أن دلهم أحدهم إلى “خليد” الذي يسكن في الزنقة التي يبحث عنها هؤلاء(الفرنسيون).. لقد جاؤوا خصيصا لزيارة بيتٍ يتواجد في قلب أحد الأحياء الشعبية الكزاوية .. من حظ “خليد” أن البيت المبحوث عنه، هو مجاور لمنزلهم مباشرة.. غمرت الفرحة إحدى (الفرنسيات!!) وإسمها كما يتذكر الشاب “كارميل” ، لما علمت بأنها تقترب من زيارة المكان الذي ولدت فيه منذ 57 عام. فعلى مدة أسبوعين، إبتعد “خليد” عن براكته و بيع الجوارب و مناديل … فشعبيته و درايته بالدار البيضاء، جعلت (الفرنسيين!!) يقترحون عليه البقاء معهم، و مرافقتهم خلال يوميات بمكوثهم بالمغرب.. و بمقابل مادي محترم، وعدوه. يتذكر “خليد” هؤلاء ((النصارى)) بكل خير.. (طهلاو فيا بالمعقول) .. لكن، هؤلاء الزوار الذين حسبهم عاشق الرجاء ((نصارى فرانسيس)) ، لم يكونوا سوى مغاربة يهود قدموا من تل أبيب عبر باريس، لزيارة مسقط رأسهم في كازا !!. ( الله يعمرها سلعة ) و صفهم “خليد”.. “خليد” ربط بشكل فريد بين خالته “مليكة” التي ((تكبرتْ عليهم)) لما إستقرت في باريس، وبين “كارميل” السيدة التي إبتهجت لما زارت مكان رؤيتها النور،و هي التي طلبت منه قبل العودة من حيث جاءت، هاتف لأحد معارفه،بشرط أن يكون خارج المغرب.. فلم يفكر الشاب الحالم بالهجرة، سوى في خالتو “مليكة”.. طارت الطائرة من مطار محمد الخامس نحو باريس، و طار “خليد” لحظتها بالفرح لما فتح (لونفولوب) الذي منحته له السيدة، وفيه مصطفة أعداد كثيرة من ورقات 50و 20 أورو. إستمر “خليد” في قصته، وهو يحكي.. مرت عدة شهور، تقريبا أربعة شهور على ذهاب (الفرنسيين)، كنت حينها أفكر في كبش العيد الذي كان يفصلنا عنه حوالي 10 أيام، رن (البورطابل ديالي)، فإذا بي أرى الرقم المتصل من فرنسا، تفاجأت!! ..فهاتفي ليس من عادته إستقبال مكالمات من الخارج وخاصة من فرنسا.. – ألو .. شكون معايا ؟؟ – السلام “خليد” أنا مليكة خالتك ..كي راك çava ؟؟… (…) المهم خليد رها إتصلت بي واحد السيدة من إسرائيل (تل أبيب)، و رسلت لي 200أورو..قاتلي نرسلها لك،باش تشري العيد . … قال لي “خليد” بأنه و تحت وقع البهجة..نسي شكرا خالته ، ليشكر بعفوية الساكنة في إسرائيل..و (الله يرحم الوالدين يا تل أبيب )… ثم أمضى الرجاوي و عائلته في ظروف حسنة العيد. لما غادرت الدار البيضاء و”خليد”، كان الأخير في إتصالات جادة مع “كارميل” من أجل عقد عمل في محلها التجاري في وسط الكيان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube