ضد التيار

الدروش: *العثماني والوقاحةيقتل الميت ويمشي في جنازته*

في مشهد كاريكاتوري لا يخلو من الوقاحة السياسية، خرج سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية السابق الفاشل المتخبط المتواطئ، لتقديم واجب العزاء في وفاة أحمد الزفزافي، والد قائد حراك الريف ناصر الزفزافي. خطوة اعتبرها كثيرون صفاقة سياسية ونفاقًا فاضحًا، لا تليق برجل كان على رأس حكومة وقّعت على واحدة من أكثر البيانات السياسية وقاحةً في تاريخ المغرب الحديث، حين اتهمت قادة الحراك بالانفصال، والتخريب، وتنفيذ أجندات أجنبية، وهي تُمهّد الطريق عمليًا لإدانة قاسية بـ 20 سنة نافذة ضد شابٍ رفع مطالب اجتماعية مشروعة.العثماني، الذي يحمل صفة “الطبيب النفسي”، يبدو اليوم بحاجة ماسة إلى جلسة علاج عميقة في مبادئ الأخلاق السياسية والاتساق الشخصي. كيف يمكن لرجل شارك في شيطنة الحراك وشرعنة قمعه، أن يتحوّل بقدرة قادر إلى “مُعزٍّ متأثر” بوفاة أحد أبرز رموز الحراك الشعبي؟ بأي وجه يقدم العزاء في رجل كان يُتابع ابنه من الزنازين، وسط تواطؤ حكومي وسياسي عرّى حقيقة الدولة ومؤسساتها المنتخبة؟ وأين الاعتذار؟ أين نقد الذات؟ أين إعادة الاعتبار؟ لا شيء سوى النفاق والتضليل والانتهازية الباردة.تحالف النفاق: من العدالة والتنمية إلى الاتحاد الاشتراكيالمهزلة لا تقف عند العثماني، بل تطال كل أحزاب الأغلبية التي وقّعت على بيان العار:العدالة والتنمية، الحزب الذي تغنّى طويلاً بخطاب المظلومية، سقط سقوطًا أخلاقيًا مدويًا حين اختار الاصطفاف مع السلطة ضد الشعب، والتصويت على سياسات تجريم الاحتجاج.الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب المهدي بنبركة الذي دفع ثمن مواقفه بدم قادته، أصبح بوقًا لتبرير القمع. يا للسخرية، حزبٌ بمرجعية يسارية يُصادق على تجريم حراك اجتماعي؟التجمع الوطني للأحرار، الذي يتقن فقط لغة “البيزنس” والمقاولات، ساهم بدوره في تسويق الرواية الأمنية وسكت عن المأساة الحقوقية في الريف.الحركة الشعبية، التقدم والاشتراكية، الاتحاد الدستوري، أحزاب وظيفية لا تهمها العدالة ولا التنمية، كانت وما تزال واجهة شكلية لنظامٍ لا يؤمن إلا بالضبط والسيطرة.لا ذاكرة قصيرة في الريفيريد العثماني ورفاقه أن يراهنوا على “النسيان الجماعي”، وأن تمر جراح الريف كأن شيئًا لم يكن. لكن الحقيقة أن الريف، بكل ما يحمله من تاريخ المقاومة والكرامة، لا ينسى. لن تنسى أمهات المعتقلين لحظة خذلان، ولا بيانات التخوين، ولا جلسات المحاكمة التي تواطأ فيها السياسي مع الأمني والقضائي.إن أي مصالحة حقيقية لا يمكن أن تمر من دون اعتذار سياسي علني، ومن دون مساءلة حقيقية للأحزاب التي تخلّت عن مسؤوليتها التاريخية، وجعلت من البرلمان والحكومة أدوات لتأثيث مشهد القمع.خاتمة: لا عزاء في الكذبإذا كانت النخبة السياسية المغربية، وعلى رأسها العثماني ومن معه، تظن أن شعب الريف يمكن استغفاله بالابتسامات الباردة والزيارات المحسوبة، فإنها تُراهن على وعي لا تملكه. لأن من خرج في الشارع ذات يوم مطالبًا بمستشفى ومدرسة وفرصة عيش كريم، لن تخدعه أوراق التعزية، ولا كلمات النفاق السياسي.الزفزافي الأب رحل، لكنه ترك خلفه قضيةً ستظل عالقة في ضمير هذا الوطن، وصوتًا لن يُخمده لا القمع ولا التواطؤ الحزبي، ولا رئيس حكومة فاشل أخلاقيًا وسياسيًا.

*من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى

**عزيز الدروش محلل و فاعل سياسي*

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID