بايدن وزعزعة استقرار العالم: بين مصالح اللوبيات والتغيرات الجيوسياسية
بشهد العالم خلال فترة رئاسة جو بايدن سلسلة من الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية التي أعادت صياغة المشهد الدولي. من انسحاب الولايات المتحدة المفاجئ من أفغانستان إلى الحرب الروسية الأوكرانية، بدت سياسات بايدن مدفوعة بمصالح استراتيجية ظاهرها التوازن العالمي وباطنها تعزيز نفوذ اللوبيات، خاصة في قطاعات الأسلحة والطاقة.شكل انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في عام 2021 نقطة تحول كارثية في السياسة الخارجية الأمريكية. ترك هذا القرار فراغًا أمنيًا وسياسيًا استغلته حركة طالبان، ما أدى إلى فقدان واشنطن مصداقيتها كحليف استراتيجي. كما شجع قوى إقليمية مثل الصين وروسيا على ملء الفراغ، مما أدى إلى زيادة التوترات في آسيا الوسطى وأعاد ترتيب الأولويات الجيوسياسية.أثار قرار بايدن بدفع أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي مخاوف روسيا، مما أدى إلى اندلاع واحدة من أخطر الحروب في العصر الحديث. تحول الصراع إلى مخطط متعدد الأبعاد لعزل روسيا عن الاقتصاد العالمي ووقف صادراتها من الطاقة. تحملت ألمانيا وفرنسا وإنجلترا أعباءً اقتصادية كبيرة نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا، حيث ارتفعت أسعار الطاقة بشكل غير مسبوق وأثرت سلبًا على القطاعات الصناعية والزراعية. انعكست تداعيات الحرب على الدول النامية التي عانت من نقص الحبوب وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، مما فاقم معدلات الفقر والتضخم. رغم أن روسيا كانت تأمل في حرب خاطفة، إلا أنها وجدت نفسها عالقة في مستنقع طويل الأمد أثر بشدة على اقتصادها واستنزف مواردها.ساهمت الحرب الأوكرانية إلى جانب توترات أخرى في تعزيز نفوذ لوبيات الأسلحة والطاقة داخل الولايات المتحدة. حققت شركات تصنيع الأسلحة أرباحًا ضخمة نتيجة تدفق المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، بما في ذلك صفقات الصواريخ بعيدة المدى التي سمح بايدن باستخدامها قبيل انتهاء ولايته. أدى تعطيل صادرات الغاز والنفط الروسي إلى فتح الباب أمام الولايات المتحدة لتعزيز هيمنتها كمصدر رئيسي للطاقة لأوروبا. استفادت شركات الطاقة الأمريكية بشكل مباشر من هذا التحول، لكن ذلك جاء على حساب المستهلكين الذين عانوا من ارتفاع غير مسبوق في أسعار الوقود عالميًا.في الشرق الأوسط، تواصلت التوترات تحت إدارة بايدن دون رؤية واضحة للحلول. تفاقمت الأوضاع في قطاع غزة نتيجة غياب أي مبادرة أمريكية فعالة لوقف التصعيد بين الفلسطينيين وإسرائيل. اشتدت المواجهة بين إيران وإسرائيل وسط صمت أمريكي، مما جعل المنطقة على حافة انفجار جديد قد تكون له تداعيات كارثية.في الداخل الأمريكي، أدت السياسات الاقتصادية للإدارة إلى ارتفاع معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة. كان المستهلك الأمريكي الضحية الأولى، حيث تراجعت القوة الشرائية للأسر وارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والسلع الأساسية.أحد أبرز الأحداث المرتبطة بالصراع الروسي الأوكراني كان تدمير خطوط الغاز الروسية مثل “نورد ستريم”. هذا العمل ساهم في عزل روسيا عن سوق الطاقة الأوروبي، لكنه أيضًا أظهر كيف تحولت موارد الطاقة إلى أدوات ضغط جيوسياسي بين القوى الكبرى.مع اقتراب موعد تسليم السلطة إلى الرئيس الجديد دونالد ترامب، تثار تساؤلات حول مستقبل الأزمات التي خلفها بايدن. هل سيعمل ترامب على تهدئة الأوضاع وإعادة ترتيب الأولويات، أم أن هذه الأزمات ستستغل لتعزيز النفوذ الأمريكي على حساب الاستقرار العالمي.أصبحت فترة بايدن رمزًا لتحولات عميقة على الساحة الدولية، حيث اختلطت المصالح الاستراتيجية بضغوط اللوبيات الاقتصادية. وبينما ينتظر العالم عودة ترامب، يبقى السؤال: هل يمكن للولايات المتحدة إصلاح ما أفسدته سياسات بايدن، أم أن هذه الأزمات ستظل جزءًا من مشهد عالمي متقلب
.د ادريس الفينة