من له مصلحة في إثارة فزاعة الإستئصال أو الإنقراض حتى ؟
ليس من الضروري أن نشترط “الأخلاق المطلقة ” عند التعامل مع خصومنا الفكريين الحزبيين ، ولكن من زاوية الأخلاقيات ( أي الإتيقا ) كما يحلو للمثقفين الليبراليين الحقيقيين إضفاءها على السلوكات ، فإنه وجب اعتماد بعض من الصواب السياسي والذي يحتفظ للسياسة بنبلها بحكم ضرورتها وجدواها كحرب لا مناص منها ، لأن السياسة ومعها القانون والقضاء وسائل لتلطيف الصراع وتأطيره في صيغة تنازع أو منازعات بدل نزاع . لذلك فإن السياسة تدخل ضمن الحروب البديلة ، وإن كانت تبدو ساخنة في غالب الأحيان ، فهي عنيفة لفظيا لكنها سائلة رغم حدتها وشدة وقعها . وهنا لن نسائل أطر حزب الحمامة على أخلاقهم وإنما نكتفي بالإستفهام عن صواب خطابهم من الناحية السياسية ، وذلك من خلال طرح سؤال طارئ أو عارض لكن له جدواه ، ما الدافع إلى معاتبة ” مصادر ” تعيين اليساريين على رأس مؤسسات الحكامة ، مع التحفظ على مفهوم اليسار وعلى مصطلح مؤسسات الحكامة ، لأن مفهوم اليسار لا يشمل فقط التقدميين والديموقراطيين والإشتراكيين والشيوعيين والحداثيين بل قد يشمل ايضا أنصار البيئة والديموقراطيين الإجتماعيين واللبراليين الحداثيين الإصلاحيين و غير المحافظين الخ ، كما أن مصطلح مؤسسات الحكامة لا تعني قط مؤسسات الإستشارة ، وبالتالي نطرح سؤال يهم المفهوم والمصطلح معا ، أي يسار تعني الإشارة / الرسالة ، وأي مؤسسة حكامة يقصد بالضبط ؟ فإذا كان المقصود باليسار هم الأطر الأتحادية ، فهل كل المعينين في مؤسسات الحكامة اتحاديون ؟ وإذا كان يشير بالبنان إلى المجلس الإجتماعي والإقتصادي أو المجلس الأعلى للتربية والتعليم أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، فتلك المؤسسات لها طابع إستشاري وليست مؤسسات حكامة ، فدور الحكامة حسب الدستور المغربي تهم على سبيل المثال كل من الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري و الهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها و مجلس المنافسة ، وفعلا يمكن أن يحسب رؤساء هذه الهيئات على اليسار بالمفهوم المشار إليه سابقا ، ولكن ليسوا بالضرورة منخرطين تنظيميا بالمعنى الحزبي أو العضوي المذهبي ، فلماذا اعتمدت الرسالة / الإشارة وتعمدت التماهي في مفهوم اليسار وقصدت اللَّبس في مصطلح مؤسسات الحكامة ؟
إنه يبدو أن المسؤول عن أي احتكار ( إن كان له محل وبالمعنى الإيجابي ) هو الدولة في شخص مهندسيها الأمنيين وهم من يقترح الأسماء المفيدة للتوازن ، سيما أن المؤسسات معا ( الخاصة بالحكامة أو الخاصة بتقديم الإستشارة ) لا تملك الصلاحية التقريرية فهي مجرد آليات لتجسيد ملامح المقاربة التشاركية ، كمدخل لترسيخ الديموقراطية التشاركية ، والتي يفترض فيها أن حكمة المشرع الدستوري أقرها من باب التوازن والإحتياط لتحفيز التنافسية مع آليات الديموقراطية التمثيلية ، وبالتالي نتساءل عن جدوى الرسالة / الإشارة أمام وعي باعث الرسائل / الإشارات ( الباعث ليس بالضرورة هو الساعي ، قياسا ناقل الغضب ليس بغاضب ) بأن لا يعقل أن نتصور الجمع بين الديموقراطيتين في يد واحدة ومن طرف حزب او تحالف حزبي حاكم واحد ، ولأن الناطق بإسم المرسل يتحلى بنوع الصواب السياسي المقبول ، فهو يعلم علم اليقين بأن المشرع الدستوري ( في شهر يوليوز من ذلك الصيف القائض ) ابتدع آلية التشاركية والحكامة لكبح أي محاولة لليهيمنة على مستوى المشاركة السياسية من داخل الحكومة ، فالدولة يزعجها اللايقين ، ولذلك فكثير من آليات الحكامة الحقيقة لا زالت لم تنصب بعد ، وعلى سبيل المثال مجلس الدولة كأعلى هيأة قضائية في مجال الطعن في القرارات الإدارية للدولة والقرارات التاديبية المتعلقة بالموظفين السامين وعلى الخصوص المرتبطة بالحكامة القانونية والقضائية وكذا بالوضعية الفردية للقضاة ، وكذلك المجلس الأعلى للأمن كآلية رقابية واستباقية ضابضة ومؤطرة للحكامة الأمنية ، خاصة وأنه تمتد إليها الرقابة القضائية والبرلمانية والحكومية بتمثيلية رؤساء السلط الدستورية الثلاث ، ناهيك عن التلكؤ في تفعيل آلية الدفع بعدم الدستورية ، وبصرف النظر عن تعثر الديموقراطية الجهوية أو مطلب دولة الجهات ، وهنا علينا التساؤل عن جدية رغبة وإصرار الحمائم وغيرتهم على المؤسسات وهم لا يملكون في مجلس الحكومة إلا الحقائب التدبيرية دون السيادية ، فهم يقبلون بالتعددية القسري دون الطوعية . ليبقى السؤال الجوهري في آخر التحليل هل الرسالة / الإشارة أمنية تروم التحذير من كل ما من شأنه الإخلال باستراتيجية ما ، لا يمكن اختزالها في العلاقة مع القضية الوطنية أو كأس العالم ، فالعقل الأمني قرر إيقاف دعم الحركات المذهبية المحافظة أو الدينية المتطرفة أو الشعبوية والإرهابية ( وهابية كانت أم إخوانية أو داعشية ) ، وبالتالي لماذا استهداف يسار منهك بالقمع والإقصاء أو الإدماج الطوعي أو القسري ؟ فهل للتحولات الجيوستراتيجية الإقليمية والعالمية علاقة بالخطاب المحدث وليس الحداثي ( من باب التذكير كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) ؟
مرة مطلوب من جميع الوطنيين الإنتباه إلى كذا ( بالون اختبار ) فمصير الوطن والدولة شأن جميع المغاربة ، وما دامت الرسالة / الإشارة مكسوة بالمجاز ، لأن أثر الحكامة ليس هو وقع الإستشارة ، فإن الخطاب الإنتخابي كما الخريطة الإنتخابية خاضعة لإرادة القلم / المقص الأمني ، وقد حان الوقت للإستفسار والإستيضاع عن مصير قوى حية وديموقراطية وتعبيراتها المدنية والمجتمعية ، علقت الأمل العظيم على ” إمكانية ” الديموقراطية التشاركية ” كقاعة انتظار يترقبون تداولا مستحيلا على السلطة ، عوض أن تكون جسرا يضمن العبور الآمن للديموقراطية ، وحتى لا يظل توجسنا كوطنيين كفوبيا أن نلقى نفس مصير حركة ظفار والتي لا يعرفها ( او يتجاهله ) أغلب أطر شبيباتنا الحزبية التقدمية أو بعض القياديين حتى !
مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن