تصفية البيئة الحقوقية شرط لأي تعبئة وطنية لمواجهة الخارج
تقديم لا مناص منه
” إن ما تشعر به الدولة المغربية ، احيانا ، في شخص رئيسها وموظفيه السامين ، من غبن سياسي وتهميش ، على صعيد العلاقات الدولية ، هو نفسه ما يشعر به الاشخاص الذاتيون وكذا الاعتباريون ، على الصعيد الوطني الداخلي في علاقتهم مع الدولة ومع فلول الإستعمار وتوترات الجوار ، فالمغرب دولة ومؤسسات لعب دورا رئيسا في ملف الوضع في ليبيا ، إثر التحولات التي عرفتها ما كان يعرف بالجماهيرية الليبية لما بعد الربيع العربي ، بدليل توافقات الصخيرات؛ واليوم، رغم كل ذلك فقد تم إقصاء المغرب من عديد من المبادرات الإقليمية والأممية ” .
وبخصوص موضوع ” مشاعرنا ” الحقوقية وطنيا ، نذكر بأنه كان لبعض الحقوقيين دور كبير في اخراج ثمرة التسوية السياسية ، المكناة بالعدالة الانتقالية على الطريقة المغربية ، للوجود ، ولكن هذا لا يبرر تقديس التجربة او أسطرة مهندسيها ، في ظل عدم استكمال تنفيذ التوصيات المنبثقة عن المجهود الكبير التشاركي المبذول من نضال وصياغة وتفاعل ايجابي ومرافقة ومقاومة لأعداء التغيير والقطع مع ماضي الانتهاكات ، جسيمة كانت او اقل جسامة ، فالمنتدى المغربي من اجل الحقيقة والانصاف هو الذي بادر الى تأسيس الفكرة والمقاربة أصلا ، انطلاقا من استراتيجيته و ارضيته التوجيهية الى مواصلة الكفاح والصمود من اجل التفعيل الديموقراطي والتشاركي والتقييم والتقويم النقديين ، عبر تكريس توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لسنة 2001 ، مرورا بالاتفاق الاطار المبرم بين هيأة المتابعة واللجنة الحكومية والتي حولت التوصيات الى نظام اساسي لانشاء هيإة الانصاف والمصالحة ، عين على رأسها الفقيد ادريس بنزكري الرئيس ما قبل الأسبق للمنتدى ، وهو بالمناسبة من اقترح حزب يتولى تأطير عمليات تفعيل الشق السياسي التوصيات ؛ وبذلك وجب الاقرار أن المسلسل أطلقه المنتدى مدعومابالحلفاء الحقوقيين والديموقراطيين، واذا كان لابد من الإشادة ،فينبغي الاعتراف بدور أسر وذوي حقوق ضحايا الاختفاء القسري والاعدام خارج نطاق القانون والقضاء والاعتقال التعسفي ، قبل التنويه بارادة الدولة ومهندسيها وموظفيها ، ولنكن منصفين تجاه الجميع لكي يكون التاريخ بجانبنا حقيقة وعدلا ، انسجاما مع القاعدة الماثورة ” لا تكرار في نفس الشيء ، وإن الحكم على الأمور من خواتمها ” . وهذا ما تبينت مؤشراته من خلال الإعلان على أن العملية السياسية التي رافقت العهد استكملت دورتها ، وعوض إطلاق جيل جديد من الإصلاحات وتسييد مقتضيات ضمانات عدم التكرار اقترانا مع سن استراتيجية الحد من الإفلات من العقاب ، اختار العقل الأمني طي صفحة الماضي بمقاربة غير منصفة وغير تشاركية ، وباسم تكريس هيبة الدولة تعثر المفهوم الجديد للسلطة والمفهوم الحديث للعدالة ، وعادت الفوبيا لكي تتطاوس في المشهد الحقوقي ، ونخشى أن نرسخ منطق الدولة الأمنية المخيفة بدلا عن الدولة الآمنة القوية ، وبذلك نعيش مؤشرات عودة رجال السكتة القلبية ، وبسبب تردد الدولة وارتباكها ، في العلاقة مع حلفائها التقليديين ، سادت المقاربة الأمنية ، في جبة القوة السائلة ، لمعالجة الملفات الشائكة والعالقة ، وهو أمر سيكلف الوطن سياسيا وماديا ، وبالتالي سنخلف الموعد مع التاريخ وتتيه بوصلة المقاومة والتصدي لمناورات ومؤامرات الخارج باسم ضرورة التدخل الإنساني بذريعة حماية حقوق الإنسان والشعوب ، في ظل منعطف خطير مقترن بهشاشة مقومات الجبهة الوطنية الداخلية مع ضغط بيِّن للتحولات الجيوستراتيجية يروم الفاعلون الدوليين عبرها إعادة تسطير خريطة التقاطب والإصطفاف أي العودة إلى ما قبل واقعة سقوط جدار برلين لكن بقواعد لعب جديدة ومختلفة .
مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن