مقالات الرأي

عَلَّمَ بالقلم عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ


بين قوسي، (2021حيث كان العالم يخلد الذكرى السنوية لليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف 10 ديسمبر من كل سنة، وأنا من وراء القضبان حيث كنت أؤدي عقوبة سجنية بتهمة حرية الرأي والتعبير على إثر تدوينة لي على الفيسبوك بخصوص جائحة كورونا كتبت مقالي هذا من داخل زنزانتي).

حرية الرأي والتعبير بين القلم والألم:

ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بباريس في 10 ديسمبر 1948 على أن:(لكلِ شخص حق التمتع بحرِية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرِيته في اعتناق الآراء دون أي تدخل وفي استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية) المادة 19.

أصبحت حرية الرأي والتعبير التي تم تكريسها رسمياً في إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان العنصر الأكثر إثارة للجدل في الديمقراطية التمثيلية الحديثة على الصعيد العالمي وفي الوقت الذي يتعرض فيه هذا الحق الإنساني الأساسي للتهديد في عدد متزايد من البلدان ووفقاً لـمعهد (أنواع الديمقراطية) شهدت 32 دولة تراجعاً كبيراً في هذه الركيزة الديمقراطية في العام الماضي وبالمقارنة كان عدد هذه الدول قبل ثلاث سنوات 19 فقط وعلى مدى العقد الماضي كانت ثمانية من المؤشرات الديمقراطية العشرة الأكثر تراجعا مرتبطة بِحرية الرأي و التعبير، وفي بلدنا بدأت تختبر حدوده فقد وصلنا إلى مفترق طرق حرج فحرية التعبير أصبحت مهددة بشكل متزايد خاصة في الآونة الأخيرة مع تزايد عدد المُستبدين ومعهم تمت الملاحقات القضائية لوسائل الإعلام المستقلة والناشطين الاجتماعيين حيث بدأت السلطة الحاكمة بمهاجمة وسائل الإعلام المستقلة ونشطاء المجتمع المدني وقامت بمحاولة استقطاب المجتمع من خلال ازدراء المعارضين ونشر معلومات كاذبة.

إن حرية الرأي والتعبير تعني باختصار ضمان حق الفرد في الإعلان عن أفكاره بالكلام أو الكتابة أو الفن دون قيود ومن أبرز مكوناتها حريات الإعلام والصحافة والاعتقاد والتظاهر إضافة إلى حرية تناقل المعلومات عبر الحدود فهي اليوم إحدى الركائز الأساسية للأنظمة الديموقراطية في كل بقاع العالم علما بأن حرية التعبير المشار إليها أعلاه ليست مطلقة بل لها محددات تهدف إلى منع تهديدها للقيم الديمقراطية، ففي حقيقة الأمر تعد حرية الرأي والتعبير جزء لا يتجزأ من الديمقراطية باعتبار أن التعبير عن الرأي ليس متحررا أو مطلقا كما يعتقد البعض فحريتنا كمجتمع مغربي مثلا هي مقيدة أخلاقيا ودينيا وليست مطلقة تبيح التحرش والزنى والفجر والفسوق فباحترام الفرد لحرية الاّخرين سيجعله يمارس حريته الرأي بوعى ومعرفة وقدرة على تحمل المسؤولية كما لا يجوز للدولة بفرض القيود إلا بنص قانون واضح ودقيق بحيث يسمح لأي فرد متى تكون أفعاله وأعماله مخالفه للقانون والأعراف.
مشكلة حرية الرأي والتعبير في المغرب بدأت تتحول من مشكلة داخلية في المقام الأول إلى قضية عامة هذا التغول يطرح على المراقب المتابع أسئلة كثيرة أولها النظرة المخزنية (بنية الدولة المغربية التقليدية برموزها وطقوسها) لأصحاب القلم؟ ثانيها نظرة النخب الثقافية والصحفية لنفسها وفكرة الدور عندها؟، ما لم يستوعبه المخزن هو أن التمرد عند البعض فيروس غير قابل للمعالجة وأن خرق الفراغ جريمة يبحث عنها عدد كبير من الأحرار في المغرب وخارجه وأن تدجين المؤسسات والأحزاب أحيانا أسهل من تدجين المواهب الفردية هنا تبدو معضلة صاحب القلم غير القابل للاحتواء ليس فقط بعلاقته مع الدولة وإنما أيضا بعلاقته مع الناس فحرية الرأي و التعبير حنين ومشروع ومن يحتقر رقابة الحاكم لا يمكن أن يخضع لقيود المحكوم، ورغم كل الإجراءات التعسفية والضربات القاتلة وملاحقات مواقع الإنترنت بل والطلب لمحطات تلفزيونية غربية عدم دعوة رموز معارضة سياسية أو أقلام ناقدة كما حصل في إسبانيا مؤخرا يظهر مدى الخوف من عملية تشكل السلطة الرابعة في المغرب، ويمكن القول إن هذا الحصار المدروس ضد حرية الرأي والتعبير هو المؤشر الأهم على قوتها واتصالها بالناس والفعل الاحتجاجي أي عزمها على ألا تكون شريكا في المنظومة السائدة، وبهذا المعنى لا يمكن أن ترضخ الكلمة الحرة لمصالح وضوابط وقيود مادامت لا تشكل عدوانا غير أخلاقي أي وسيلة تشهير وتزوير بحق الأشخاص والمؤسسات.

بصفة عامة وبإلقاء نظرة على موروثنا الثقافي يستوقفنا منه رصيد ضخم حول القلم وأدواره ومواقفه تارة كسيف قاطع وأخرى كبلسم شاف وتارة أخرى كمسترزق يلهث وراء التكسب أو مداح لا يفتر عن نظم القصائد العصماء وفي أحيان كثيرة كمغص في حلقوم الحاكم أو صاحب سلطة ومنهم من صنفه تبعا لأدواره التي لعبها عبر حقب زمنية إلى قلم من ذهب أو خشب أو ورق، وحتى لا تكون أحكامنا مطلقة يجب الإقرار بأن القلم في الدول الديمقراطية والبلدان المنفتحة عن الحريات ما زال يحتفظ ببريق وله صولات وجولات في بناء الوعي الجماعي.


عبد الإله شفيشو/فاس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube