حيمري البشيرمأساة إنسانية

نضال كان من الشباب القلائل الذين انخرطوا في المعارك ضد الأحزاب والجمعيات المساندة للبوليساريو

لازالت مواقفه محفوظة في ذاكرتي ،وقد فجرها يوم جاءت أميناتو حيدر بدعوة من منظمة دنماركية FN لإلقاء عرض حول طبيعة الصراع في الصحراء .فكان خلال اللقاء الذي حضره قلة من الناشطين الجمعويين والسياسيين المغاربة بسبب الحصار المفروض عليهم .منذ البداية طرح على الحضور أسئلة مفاجئة للمنظمين واستخدم اللغتين معا الإنجليزية والدنماركية لكي يصل المقصود لأمنة حيدر وللذين وجهوا لها الدعوة .كانت مضطرة لمترجم لينقل لها ماأراد الراحل إيصاله .سألها مباشرة .أنت تتنقلين بجواز سفر مغربي وتدخلين للمغرب وتخرجين متى شئت فكيف تدعين أنك مضطهدة سياسية داخل المغرب وأنت تتمتعين بالحرية الكاملة في ممارسة نشاطك كفاعلة حقوقية في الأقاليم الجنوبية؟هذا سؤال أول ،ثم فاجأها بسؤال ثاني محرج ، الذين وجهوا لك دعوة لتضليل الرأي العام الدنماركي لا يعرفون بأنك مولودة خارج الأقاليم المتنازع عليها ،فهل تحاولين من خلال الأنشطة التي تقومين بها خارج البلاد ،أن جمهورية الوهم التي تحلمون بها تضم كذلك مسقط رأسك داخل المملكة الشريفة .كانت مداخلة الراحل صادمة لأمنة حيدر ،لأنها لم تكن تنتظر من شاب تلك الأسئلة المحرجة،فاستمر الجدل معها ،من دون أن تكون لها الجرأة أن تجيب عن أسئلته ،فحصل تراشق بينها وبينه ،لأنه كان مصرا على سماع الجواب ،فماكان من لجنة التنظيم أن اتخذت قرارا بإخراجه من القاعة ،دون أن يستمع لأجوبتها حول الأسئلة المحرجة التي طرحها عليها.بين رحمه الله عن وطنيته وارتباطه بالمغرب هذه الوطنية كسبها من خلال حضوره معي في لقاءات في المغرب في العاصمة الرباط،ورغم أنه كان يجد صعوبة في فهم النقاش باللغة العربية الفصحى إلا أنه كان دائما يستفسر ويسأل ،ليواكب النقاش .كنت دائما أنظر إليه البديل المنتظر ليقود المعارك السياسية دفاعا عن المغرب وقضاياه الأساسية في المجتمع الدنماركي وبالخصوص قضية الصحراء التي نعاني منها بسبب التشردم وبسبب سنوات عجاف مررنا بها في غياب دبلوماسيين محنكين يعتمدون على الكفاءات التي ازدادت وترعرعت وتكونت في الجامعات الدنماركية،وتحمل ثقافة سياسية ولغة التواصل ،والتي هي قادرة على اختراق الأحزاب والمنظمات الدنماركية التي تساند شردمة البوليساريو.الراحل كان قلبه دائما مرتبط بالمغرب ،يعشق كل ماهو مغربي ،وشغوف بمتابعة التألق المغربي في جميع المجالات وبالخصوص في كرة القدم .حبه وعشقه للمغرب جعله يزور عدة مدن مغربية ومن بينها مدينة مراكش ،التي زارها قبل وفاته رحمه الله والتي اختار ركوب الكوتشي وهي العربة التي يجرها حصان.كان الرجل الذي يقود العربة عنيفا اتجاه الحصان مما دفع الراحل ليصيح في وجه صاحبه باللغة الدنماركية ،قف،ونطق بكلمة غير لائقة ،وبدا في معاتبته لأنه عنف الحصان.فطالب من الجميع النزول وعدم مواصلة الرحلة وقال كلام لا يقال في صاحب العربة.وامتنع عن مواصلة الرحلة.سلوكه الإنساني دليل على قلبه الرحيم على الحيوان قبل الإنسان.ومن الملاحظات التي بقيت راسخة في ذاكرتي أنه كان رحيما بكل أصناف الحيوانات،والأطفال الصغار كذلك ،بحيث في العديد من المرات سجلت اهتمام الأطفال الصغار به لأنه كان له قلب رحيم بالحيوان قبل الإنسان.كان رحمه الله يسعد كثيرا بمداعبة الصغار،وفي نفس الوقت عندما يخاطب الكبار يخاطبهم باحترام.ومن الخصال التي كان يتمتع بها كذلك مساعدته للآخر وهي ملاحظة سجلها عليه كل المعلمين الذين درسوه خلال سنوات التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي ، ترك رحمه الله يوم وفاته صدمة في قلوب الطلبة والطالبات الدنماركيين الذين عاشروه خلال فترة الدراسة ،وقد حضروا الجنازة في المسجد وكذلك في المقبرةوقدموا عزاءهم للأسرة في هذا المصاب الجلل الذي حل بالأسرة وبهم لأنهم فقدوا إنسانا عظيما هذا ماعبروا عنه لي شخصيا ولوالدته ولأخويه.مات نضال رحمه الله في ظروف غامضة وبقيت الشرطةتتذرع بظروف كرونة لم نتوصل بتقرير عن الحادث،ولم نتوصل بدعوة لحضور المحاكمة التي من حقنا ،وتم إصدار حكم بتبرئة السائق الباكستاني الذي تجاوز السرعة المحددة ،لم يكن هناك شهود لإثبات الجريمة قيل أن السائق كانت رحلته الأخيرة للعودة إلى البيت،وحتى المحامي الذي كلفناه بالقضية ،خان القضية ولم يحضر جلسة المحاكمة وامتنع عن تسليمي التقرير والتجأت لقسم خاص بمتابعة القضايا المعروضة في المحاكم ،واستطاعوا الحصول على تقرير مفصل لكن استئناف الحكم الصادر كان غير ممكن بسبب فوات الأجل .عندها اكتشفت أن لافرق بيننا وبينهم في العدالة ،فالإنصاف يغيب عندنا كما يغيب عندهم .ولكن إذا غابت العدالة هنا فهناك الإنصاف والاقتصاص سيكون عند الخالق.الأقبح هو أن الذي أزهق روح شاب مسلم ،هو مسلم باكستاني ،بل شيطان لا يحمل ذرة إيمان سنقتص منه يوم لقاء الله ،لن نغفر له الجريمة التي ارتكبها في إزهاق روح إنسان عزيز علينا.رحم الله الفقيد الذي رحل يوم جمعة ويوم عيد ،وهي بشارة خير .

حيمري البشير كوبنهاكن الدنمارك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube