مراد العمراني الزكاري

تحديات عولمة الشر .”من ربيع براغ الى المؤامرة الكبرى.”

بقلم : مراد العمراني الزكاري ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)

الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها اللاعب الغربي الأساسي فى إدارة الصراع على لوحة الشطرنج الكبرى ما بعد الحرب الباردة وسقوط الشيوعية، وبعد أن حددت المحاور الأربعة الجيواستراتيجية المهمة والتي تحقق لها المصالح الجيوسياسية لضمان السيطرة على رقعة الآوراسيا.
وبنجاح التمدد بالنفوذ السياسي والعسكري الأمريكي على المحيط الآوراسي الغربي عبر دول أوروبا الغربية، حان الوقت لفرض الهيمنة والتمدد بالنفوذ السياسب والعسكري الأمريكي فى منطقة الشرق الأوسط، بعد أن تم تجهيز مسرح العمليات، وفُتحت أبواب المنطقة على مصراعيها بحرب الخليج الثانية أحد إفرازات حرب الخليج الأولى، ثم الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق. فالتكتيكات متشابهة، والهدف الاستراتيجي واحد.
ومثلما طوعت إمكانيات الاتحاد الأوروبي ليمدد النفوذ الأمريكي على وسط وشرق أوروبا، فبنفس ديناميكيات الأجندة السياسية والاقتصادية للأورومتوسطية والاتحاد من أجل المتوسط، سيتم تطويع منطقة الشرق الأوسط لصالح اللاعب الغربي الأساسي، عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير.
ارتكز مشروع (بوش الابن) على أهداف نبيلة فى مواجهة التدهور الكبير فى الأوضاع العربية بمختلف مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يدفع إلى ضرورة البدء فى إصلاح هذه الأوضاع، قبل أن تتفاقم أكثر مما هي عليه.
استعان المشروع الأمريكي فى مجمله بفقرات ومعلومات استقاها من تقرير التنمية البشرية العربية الصادر عن الأمم المتحدة لسنة 2002، والذي يشير أغلبه إلى سلبيات المجتمعات فى العالم العربي.
تم الإعلان عن نص المشروع في مارس 2004، بعد أن طرحته الإدارة الأمريكية على مجموعة الدول الصناعية السبع، وقد اعتمدت آليات تنفيذه على ثلاثة محاور رئيسية:
المحور الأول: تشجيع الديمقراطية والحكم الرشيد، فظهرت منظمات المجتمع المدني غير الحكومية بدولاراتها البرتقالية، تحت غطاء نشر الديمقراطية، ودعم ظهور الصحف المستقلة، وتكريس جهود الشفافية ومكافحة الفساد.
عملت هذه المنظمات تحت حماية الاتفاقيات الدولية المذيلة بتوقيع المجتمعات المستهدفة، تسطر أهدافًا نبيلة، وشعارات براقة، ولم ينتبه أحد، آنذاك، أن هذه الشعارات ضمت بين جنباتها خطط اختراق طويلة المدى للمجتمعات العربية، عبر تنظيم ندوات، وزيارات، وتدريبات تستقطب الشباب، وتضمن الولاءات، وتجند العملاء، وكلما زادت الدولارات البرتقالية، اتسعت مساحة التوغل والاختراق داخل جدران الصحافة والإعلام، وطبقات النخب والمثقفين والأدباء والساسة والفنانين، الذين تحولوا بمرور الوقت إلى فئران تتسلل ببطء لتقرض جدران ومؤسسات الدول، وتختصم الشعوب مع حكامها ومؤسسات دولها لليلة الموعودة.
وبصورة أعمق، عملية استنساخ لتجربة «تفكيك الاتحاد السوفياتي»، أفصحت عنها الكاتبة البريطانية (فرانسيس سوندرز) في كتابها «من يدفع للزمار- الحرب الباردة الثقافية» عن دور المخابرات الأمريكية فى تجنيد الفنانين والكتاب، وكيف استطاعت المخابرات الأمريكية أن تشتري كتابًا وصحافيين ومثقفين وفنانين ومنشقين، وكيف أصدرت مطبوعات متنوعة لإسقاط الشيوعيين نهائيًّا، فيما عُرف بربيع أوروبا الشرقية، أو ربيع براغ.
المحور الثاني: بناء مجتمع المعرفة عبر مبادرة التعليم الأساسي، ومبادرة التعليم على الإنترنت، ومبادرة تدريس الأعمال إذ لم تكن التمويلات البرتقالية لبرامج الأمم المتحدة الخاصة بتطوير البنى التحتية لهذه المجالات سوى خطط تطمس الهوية العربية والقومية، ولم تكن عمليات تغيير أُطر المناهج التعليمية إلا لتتواءم مع تعاليم وقيم الغرب، وتدمج أجيالًا ناشئة بالفضاء الثقافي الغربي، ولم تكن مبادرة التعليم على الإنترنت سوى وسيلة لتكوين شبكات عنقودية على شبكات الإنترنت تستطيع التأثير فى مريديها، وتخصيم قطاعات عريضة منهم مع مؤسسات الدولة.
المحور الثالث: توسيع الفرص الاقتصادية، وتتضمن مبادرة تمويل النمو الاقتصادى، بإنشاء مؤسسة المال للشرق الأوسط، وبنك تنمية الشرق الأوسط، وإقراض المشاريع الصغيرة، وكذلك مبادرة التجارة التي تتضمن إنشاء مناطق تجارية بين دول الشرق الأوسط الكبير، والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وهى برامج لم تجنِ شعوب المنطقة من ثمارها سوى القليل، لكنها شهدت سيطرة اقتصاد السوق الحرة على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية.
هكذا قدم مشروع الشرق الأوسط الكبير إلى المجتمعات العربية «رسول المحبة» الذى يحمل الخير للأمة، فالديمقراطية والحكم الرشيد يشكلان الأُطر التي تتحقق داخله التنمية، والأفراد الذين يتمتعون بتعليم جيد هم أدوات التنمية، والمبادرة فى مجال الأعمال هي آلة هذه التنمية. لكن رسول العولمة الجديد لم يتحدث عن إشكالية المديونية وعبئها على الاقتصاد، ولم يقترح إعفاء الدول العربية من ديونها، كما تفعل الصين اليوم، عبر مبادرة الحزام الاقتصادي وطريق الحرير، ولم يتناول التشجيع على البحث العلمى بهذه الدول، لم يتناول التطور التكنولوجي وأهمية بناء مراكز أبحاث متطورة، ولم يتناول مسألة الحواجز الجمركية وحرية رأس المال، كما لم يتناول انعكاسات الضغوط السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة على الحكومات العربية لمنع أي تطور مناهض للغرب. وفي النهاية تسقط الدول في شباك القاتل الاقتصادي بقروض صندوق النقد الدولي، وحينما تعجز عن سداد مديونيتها تسقط رهينة في قبضة الاحتلال الناعم للعولمة الغربية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube