عبد الحميد جماهري
لا يليق بأي كان أن يحشر نفسه في زاوية الشأن الداخلي لأي حزب، في ما يتعلق بحياته الخاصة. هذا مبدأ له حظه من القداسة، فيه احترام القناعات والاختيارات.. والقداسة تأتي من احترام »السلامة الفكرية»..للمنتمي لحزب سياسي. وله حظه من الكياسة، أيضا، لأن المنتمي إلى حزب، لا يهمه شأن الحزب الآخر الداخلي، إلا فيما يشكل شراكة في الاستفزاز الديموقراطي»، تارة، أو في التباين والتمايز البرنامجاتي أو السوسيو -ايديولوجي، تارة أخرى، وعادة ما يكون اللجوء إلى ذلك في سياقات معروفة، إما بمستلزم البند الانتخابي والتنابز الفكري والمناسباتي، أو في حالة الخلاف الذي يهيكل المناخ العام والذوق السياسي العام… إلخ
. ولهكذا موقف، حظه من السياسة، لأنه يضع الفروق التي يمكن على قاعدتها التمييز ودفع الرأي العام إلى تكوين فكرة أو موقف، عندما يلتزم الجميع بقواعد لعب ناضجة لا يكون فيها التدخل في الشأن السياسي الداخلي أمرا مبتذلا…هذه الثوابت لا تظل جامدة في قيامها عندما يتعلق الأمر بتدبير الشأن العام، أي بالقرارات التي يمكنها أن تؤثر سلبا أو إيجابا، ولا سيما سلبا على المعيش اليومي أو على ظروف الفهم السياسي وظروف تلقيه، وظروف العرض السياسي وظروف طلبه..من هذه الزاوية، التي تبدو مريحة، أو على الأقل، ممكن تسويغها بمتقضيات النقاش العمومي، لا يمكن إغفال الثلاثية التي هزت الحزب الذي يقود الحكومة وذات الصلة بالجو الوطني ومؤسساته والعلاقة التي تؤطر المواطن بالحقل السياسي:الأول:يتعلق باستئناف العلاقات مع دولة إسرائيل، وهو موقف كان لتدخل الأستاذ عبد الإله بنكيران دور في وضعه في طبقة مريحة من ثلاجة الخلاف السياسي الداخلي، عندما جمع، في تمرين يبدو ناجحا، بين منطق الدولة وفقه المضطر ( انظر مقالة في هذا الباب لهذا العبد الفقير لرحمة ربه…).كما أن الحزب دبره بواسطة نقابته الدعوية، حركة التوحيد والإصلاح، من خلال تأكيد» الموقف الدائم مما سماه التطبيع.وعلى عكس ما انتظره كل التيارات المرافقة أو المجاورة، لم يهتز الكيان سوى بدرجات خفيفة على سلم الزلزال المغربي المعتاد، والذي عصف بأحزاب كبيرة في شروط أقل قسوة من الحاضر …ويمكن هنا أن نلزم نفسنا بموضوعية أكبر، حقا، بدون الخوف من تهمة المحاباة، هو كون رئيس الحكومة السابق ناب عن الحزب الذي يقود الأغلبية في الرد على تيارات مجاورة،لا سيما في تونس وفي فلسطين رأت في مواقف المغرب خروجا عن الأمة وثوابتها»، وذهبت بالبعض الآخر إلى حد الدعوة إلى عزل المغرب، كما هو حال المقري عن حركة حماس» الإخوانية الجزائرية….ثانيا، كان لمسألة تقنين «الكيف»، وأغراضه، ما يشبه الضباب الكثيف الذي غطى على سماء الحزب الذي يقود الحكومة، ويبدو أن رئيس الحكومة قام بما يلزم حتى لا «”يشقف”» الكيف ما لم «”تشقفه”» العلاقات بين الرباط وتل أبيب.وكما سألني صديق من خارج المغرب: ما هي نسبة قوة الإشعاع النووي في كل نبتة عشب قنبية، حتى تكون قادرة على رجة لم تستطعها العلاقات إياها؟كان سؤالا ماكرا، وكان الجواب أقل ميلا إلى مجاراة في التتفيه.إنه أمر محكوم بالتنافس الداخلي، ضمن مربع الحكومة وأغلبيتها، كما له علاقة بخطوط الفصل السابقة عندما كان رئيس الحكومة هو الأستاذ عبد الإله بنكيران، ومن الممكن أن يرى المدافع عن مناهضة القانون أن في القضية «القنبية» ما هو متحكم فيه، على مستوى الحزب الذي يقود الحكومة أو بالنظر إلى التراث الحكومي للحزب بشأن القضية، وهي قضية متحكم فيها أكثر من أشياء يسير فيها بمنطق «الجميع ملزم بأن يتفق مع الدولة في القضية الكبرى»، كانت مباشرة أو غير مباشرة..ولربما تفهمت الأغلبية، بطريقة ناضجة، أنها لن تدفع رئيسها في الحكومة إلى درجة حادة قد تضعف سلطته داخل حزبه، إن هو واجه الأمين العام السابق، وهو تخمين لا شيء يدل عليه، وإن كانت الحكومة لم تقم بنفس الشيء عندما تعلق بنقط خلافية أخرى كانت السهام فيها موجهة إلى حلفاء آخرين… وهكذا سمح تدبير الحكومة بتأجيل النظر في الموضوع، الذي يسبب «الدوخة»، وصلت حدته إلى حد تدبيج الأستاذ عبد الإله بنكيران لتنبيه في حكم التجميد إن تم تبني قانون الكيف في الحكومة وفي حكم الاستقالة إن تم تصويت الفريق، الذي يشكل عصب الأغلبية عليه. وما زلنا طبعا في السقف الذي حددناه لأنفسنا من حيث الدخول في مناقشة قرارات تهم الحزب الذي يقود الحكومة.فالقضية الأولى تمت تحت السقف الملكي، وفي القصر الملكي عند التوقيع على الاتفاقية الثلاثية المغربية الأمريكية الإسرائيلية.. والثانية تتم تحت سقف رئيس الحكومة، ونحن بالتالي تحت مظلة الشراكة الدستورية بين السلطات المكونة للهندسة المؤسساتية في بلادنا… والأهم في ذلك هو كون رئيس حكومة سابق وأمين عام سابق هو المفاوض غير الرسمي في القضيتين، وقد صرح هو نفسه في القضية الأولى أنه تلقى مكالمة من المستشار الملكي السيد فؤاد عالي الهمة، وفي المرة الثانية هدد قيادة الحزب بمغادرة طوعية في حال تم تبني المشروع، وهو أمر كان للنقابة الدعوية فيه موقف آخر غير موقفه..سايرت فيه الدكتور العثماني كرئيس حكومة، وأقامت فتواها على قاعدة شرعية صحية فقهية…أما النقطة الثالثة فقد تمت تحت قبة البرلمان، وتهم سلطة البرلمان وتم الحسم فيها تحت المظلة الدستورية التشريعية…نحن في صلب النص الدستوري..مما يسمح لنا بالنقاش ثم التعليق ثم استخلاص ما يسعفنا به العقل البسيط الذي نملكه.في النقطة الثالثة، تعلق الأمر بالوجود المؤسساتي للحزب المعني، بما هو وجود دستوري ضمن الكيان الحزبي المغربي.وقد قيل الكثير عن الشكل الذي اتخذه رد الحزب عن مشروع قانون للانتخابات يحظى بالأغلبية الساحقة، مما لا ضرورة إلى إعادة الحديث فيه…وأول شيء هو أنه كشف أمرين اثنين في التقدير الآني:القدرة على تجاوز كل الخلافات التي تكون قد ظهرت أو تخيلها الفرقاء السياسيون عند التعامل مع العلاقة مع إسرائيل و»الكيف»، وتجاوزها بضربة تعبوية واحدة جمعت الفريق كله، بالرغم من استقالة أحد أقطابه ورئيس المجلس الوطني بعد عيٍّ« في تدبير الآلة التنظيمية، على حد ما ورد في متن استقالته. و العجز عن تدبير التوافق السياسي الممكن من زاوية مشاريع القوانين ذات الصلة بالانتخابات..فالمنطقي هو أن يقود الحزب الذي يشكل عصب الأغلبية توافقها ويحصنها… إلخ، بتدبير التوافقات( انظر مقالة في الموضوع حول التوافق وميزان القوى ).غير أن الذي صار هو أنه وجد نفسه في معركة مؤسساتية، فيها حزب مقابل الطبقة السياسية برمتها، وهي سابقة في ما يبدو في الحقل السياسي المغربي، وهنا أول مظاهر السباق الانتخابي أو المذاق الأولي لما قد يحدث غدا، عند تشكيل الحكومة إذا قدر لها أن تشكل؟ وهنا يفرض سؤال منطقي نفسه: هل سيكون هذا عرقلة في تدبير ما بعد الانتخابات وما تتطلبه من توافقات لتشكيل الحكومة؟هل يستطيع تدبير تبعات هذا الموقع، إن وجد نفسه أمام الطبقة الحزبية برمتها، أم أن قوانين أخرى، يصعب تخمينها الآن، ستتدخل في بناء الأغلبية المقبلة؟سؤال لا نغامر بجوابه وإلا قد نسقط في التدخل في الحلقة الذاتية الخاصة بالحزب..لقد منحت الفرصة، مع ذلك، وسيلة ناجعة للحزب، الذي يقود الحكومة، في نهاية ولايتها، لكي يستجمع قواه في امتحان قلما ينجو منه كيان حزبي مغربي في الحقيقة، ويفرض سلوكه، مهما قيل عنه في انتهاك الحجر الصحي، على الجميع الذين ساروا معه في اختراق الحجر الصحي لضرورات رهان القوة والحسم بالتصويت…كيف نقرأ هذا من زاوية التأثير على مجريات الفرز البرلماني؟ليست الصحافة قارئة للطالع، لكن الواضح أن الحزب يعتمد في المعركة على مناضليه ويجعل من وحدته الداخلية قدرا في مواجهة الانقسامية التي طبعت الحقل السياسي وتحدث عنها »جون واتربوري«…إنها المرة الأولى التي يوجد فيها حزب يقود الحكومة، من داخل المؤسسات، وبكل موارده البشرية وجها لوجه مع الطبقة السياسية برمتها، وهو »براديغم« غير مسبوق، لا يمكن القفز عليه في قراءة المشهد برمته، ثم ما سيليه مستقبلا.. خاصة وأن التوافقات … فلسفة مغربية في تدبير التناقضات، بالأحرى الخلافات.وقد يكون على الحقل السياسي المغربي، بناء على هذا المعطى وغيره ، أن يحسم قراره ويتفق على قواعد لعب نهائية تستقر بها الدينامية الديموقراطية، كما دعونا دوما..أخيرا، لقد صارت الأحزاب في الهندسة الدستورية الجديدة جزء من الدولة وكيانها وجهازها الدستوري، وبهذا يكون من الضروري قراءة حياتها من هذه الزاوية بدون إصدار أي حكم قيمة، وهي التي تعطي للدولة جزء من طاقمها، بناء على الأفق الدستوري الجديد، والأحزاب التي تملك مواردها الذاتية هي القادرة دوما على خلق البدائل السياسية، فليس هناك سياسة ممكنة بدون أحزاب. …ونقصد أنه في استحقاقات كثيرة نعيش سياسة بدون متن حزبي يلتف حوله حملة المشروع…
ختاما نحن ننظر إلى موقع الحزب الذي يقود الحكومة ، في تقاطع المؤسسات الدستورية حوله: المجال المحفوظ، المجال الحكومي والمجال التشريعي .. وهو أمر في تقدير هذا العبد الفقير إلى التوبة، له حظه من الجِدَّة في حياتنا. الذين يعرفون قاموس الضامة ، يعرفون عبارة »ثلاثة وضاما« بما تعنيه أن اللاعب »يآكل« ثلاث بيادق ، في الخط الذي يوصله الى «أعلى الواد» /الضامة، بما يعطيه حرية التنقل على طول وعرض الرقعة.. ولا يبدو أن الحزب الذي يقود الحكومة يخاف من كونه خارج الطبقة السياسية المتوافقة ، أو مصاب «بالاغورافوبيا»agoraphobie السياسية… ويمكن أن نقول ختاما ثانية:أمامنا مشهد سياسي يفرض علينا استحضار »انطونيو غرامشي« في قراءته، وليس تحول بعض قراء الفناجين إلى خبراء لاستطلاع الرأي… ، وتلك قصة أخرى سنعود إليها بما يقتضيه الأمر من تواضع وحس وطني ضروريين!