سرديات رمضامية / وقائع ومواقع ـ الحلقة الرابعة
![](https://www.horrapress.eu/wp-content/uploads/2023/04/WhatsApp-Image-2023-04-01-at-15.51.25-780x470.jpeg)
توقيع مصطفى المنوزي
شاءت الأقدار أن يلقى ربه كثير من الشخصيات الوطنية والتقدمية أغلبها إختار أن يكون معتدلا في مواقفه وبعضها فضل أن يكون متعاونا مع الدولة لحساب حزبه ، أو خديما للدولة بموافقة حزبه ، وقد نشطت الحقيقة السوسيولوجية ، ومعها الحقيقة الإعلامية أيضا ، في تصنيف الشخصيات إلى خدام النظام وآخرين خدام الدولة إلى غيره من النعوت تنتمي إلى قاموس الوصم والتخوين ؛ وتبعا لمقاربتنا فإننا نفضل ونستحسن التمييز بين التحلي بشخصية الاصلاحي بنفس ثوري ، وبين زعم الثورية بنفس اصلاحي ، فليس يمتهن المساومة الا هذا الأخير ، في حين الإصلاحي مضطر للتسوية علانية بتحمل المسؤولية في واضحة النهار ، وتبدو نتائج الاختيار جلية خارج منطق الرهان الاطلاقي على الحتمية الثورية التي تبرر في العمق للجبرية السياسية والقدرية الثقافية . وعندما يتم التصريح بشعار ما فوق ما يحتمله السقف الليبرالي ، والحال أنه يعمل في مجال حقوق الإنسان التي كان يعتبرها سابقا بأنها ثقافة بورجوازية ، تجهض التراكم والفعل الثوريين . من هنا ينبغي الوعي بأن المعركة مفتوحة في وجه فلول الاقطاع والتقليدانية وأن كل تحالف مع الأصوليات والرجعية إجهاض لكل تراكم في وعاء التحديث والتقدمية ، لأن مطلبنا هو التغيير الديمقراطي وليس التغيير الفوضوي أو الإنقلابي أي المرتهن بالوسائل الإنتهازية و غير ديمقراطية . إنه من حقنا إن ننتقد دون أن نحاكم بعضنا البعض ، ونصب أعواد المشنقة بإسم الشعب أو الجماهير ، فنحن بالنقد داخل الوحدة ، ليطرح إشكال المحاسبة خارج وعاء التعاقد أو الإنتماء المشترك للخط السياسي أو الإطار التنظيمي . إن الاصلاح اصعب من الانقلاب والثورة ! ولذلك اخترنا الصعب ، وإن بدا سهلا فهو ممتنع ومكلف ، وهو موضوع يحتاج إلى كثير من المسؤولية والعقلانية والموضوعية ، بعيدا عن أي عاطفة وحماس غير منضبط لقوانين الجدل والتراكم الكمي المفضي إلى التحول الكيفي .
حقا أن العقل الامني يشتغل بمنطق تدجين الكفاءات وتقييد الارادات ، لكن الدور التاريخي للحركات التحررية والدمقراطية لم يكن ابدا المراهنة على مناصرة أصولية ضد شقيقتها الاصولية ، بإسم تكتيك اللعب على التناقضات الثانوية ؛ مما يستدعي اقتصاد المجهود واذخاره في منحى ضبط الحماس وتأطير الفضاء العمومي بما يتاح من امكانيات قانونية وانفراج سياسي من شأنها المساعدة على التمكين وتصفية البيئة الحقوقية ، من أجل تحصين التعبير السلمي وتوفير شروط عدم التعسف في استعمال القوة العمومية أو الشطط في استعمال السلطة والقانون حتى ، ولكي نعرف من نحن ، اي المفترض فيهم الاصلاحيين ، علينا تحديد انتظاراتنا بعقلانية ، دون تضخيم في سؤال ” الشعب يريد ” بفضالة أو وكالة وهمية ، ويكفينا لململة جراح التجربة المريرة بإرساء ضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ، وتدابير عدم الإفلات من العقاب ، وبالأسأس رد الاعتبار للمسؤولية الاجتماعية ، وبناء دولة المجتمع القوية والأمنة بدل المخيفة والأمنية .
هذا هو جدول عملنا ، نحن الحقوقيون ، وفيما يخص غيرنا من الفاعلين أو المثقفين ، فينتظرهم عمر إضافي لاستدراك ما فاتهم من فرص وتقويم المسار والمسير ، سنكون لهم مرافقين ، لكن عليهم التأهب والتأهيل ، فمن أجل تفكيك البنيات التقليدية لابد من استحضار التناقضات البينية وشروط الحروب الأهلية ونزعة التواطىء وكذا التنافسية غير الشريفة بين « عقود » التحالفات الوقتية الصورية ، والمهم عدم تجاهل اشكالية الولاء للخارج كعقدة تاريخية ، دون أن نغتر بنوايا الدولة وزعم النظام القطيعة أو فسخ العلاقة مع الحلفاء التقليديين ، والذين هم منهمكون في صراعاتهم المستحدثة لما بعد عهد كورونا السيء الذكر ؛ وإلا فالتحليل سيظل محافظا ، وسنكرر ارتكاب الاخطاء القاتلة بعبث وابتذال .