كتاب حرة بريسمصطفى المنوزي

سرديات رمضامية / وقائع ومواقع ـ الحلقة الرابعة


توقيع مصطفى المنوزي

شاءت الأقدار أن يلقى ربه كثير من الشخصيات الوطنية والتقدمية أغلبها إختار أن يكون معتدلا في مواقفه وبعضها فضل أن يكون متعاونا مع الدولة لحساب حزبه ، أو خديما للدولة بموافقة حزبه ، وقد نشطت الحقيقة السوسيولوجية ، ومعها الحقيقة الإعلامية أيضا ، في تصنيف الشخصيات إلى خدام النظام وآخرين خدام الدولة إلى غيره من النعوت تنتمي إلى قاموس الوصم والتخوين ؛ وتبعا لمقاربتنا فإننا نفضل ونستحسن التمييز بين التحلي بشخصية الاصلاحي بنفس ثوري ، وبين زعم الثورية بنفس اصلاحي ، فليس يمتهن المساومة الا هذا الأخير ، في حين الإصلاحي مضطر للتسوية علانية بتحمل المسؤولية في واضحة النهار ، وتبدو نتائج الاختيار جلية خارج منطق الرهان الاطلاقي على الحتمية الثورية التي تبرر في العمق للجبرية السياسية والقدرية الثقافية . وعندما يتم التصريح بشعار ما فوق ما يحتمله السقف الليبرالي ، والحال أنه يعمل في مجال حقوق الإنسان التي كان يعتبرها سابقا بأنها ثقافة بورجوازية ، تجهض التراكم والفعل الثوريين . من هنا ينبغي الوعي بأن المعركة مفتوحة في وجه فلول الاقطاع والتقليدانية وأن كل تحالف مع الأصوليات والرجعية إجهاض لكل تراكم في وعاء التحديث والتقدمية ، لأن مطلبنا هو التغيير الديمقراطي وليس التغيير الفوضوي أو الإنقلابي أي المرتهن بالوسائل الإنتهازية و غير ديمقراطية . إنه من حقنا إن ننتقد دون أن نحاكم بعضنا البعض ، ونصب أعواد المشنقة بإسم الشعب أو الجماهير ، فنحن بالنقد داخل الوحدة ، ليطرح إشكال المحاسبة خارج وعاء التعاقد أو الإنتماء المشترك للخط السياسي أو الإطار التنظيمي . إن الاصلاح اصعب من الانقلاب والثورة ! ولذلك اخترنا الصعب ، وإن بدا سهلا فهو ممتنع ومكلف ، وهو موضوع يحتاج إلى كثير من المسؤولية والعقلانية والموضوعية ، بعيدا عن أي عاطفة وحماس غير منضبط لقوانين الجدل والتراكم الكمي المفضي إلى التحول الكيفي .
حقا أن العقل الامني يشتغل بمنطق تدجين الكفاءات وتقييد الارادات ، لكن الدور التاريخي للحركات التحررية والدمقراطية لم يكن ابدا المراهنة على مناصرة أصولية ضد شقيقتها الاصولية ، بإسم تكتيك اللعب على التناقضات الثانوية ؛ مما يستدعي اقتصاد المجهود واذخاره في منحى ضبط الحماس وتأطير الفضاء العمومي بما يتاح من امكانيات قانونية وانفراج سياسي من شأنها المساعدة على التمكين وتصفية البيئة الحقوقية ، من أجل تحصين التعبير السلمي وتوفير شروط عدم التعسف في استعمال القوة العمومية أو الشطط في استعمال السلطة والقانون حتى ، ولكي نعرف من نحن ، اي المفترض فيهم الاصلاحيين ، علينا تحديد انتظاراتنا بعقلانية ، دون تضخيم في سؤال ” الشعب يريد ” بفضالة أو وكالة وهمية ، ويكفينا لململة جراح التجربة المريرة بإرساء ضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ، وتدابير عدم الإفلات من العقاب ، وبالأسأس رد الاعتبار للمسؤولية الاجتماعية ، وبناء دولة المجتمع القوية والأمنة بدل المخيفة والأمنية .
هذا هو جدول عملنا ، نحن الحقوقيون ، وفيما يخص غيرنا من الفاعلين أو المثقفين ، فينتظرهم عمر إضافي لاستدراك ما فاتهم من فرص وتقويم المسار والمسير ، سنكون لهم مرافقين ، لكن عليهم التأهب والتأهيل ، فمن أجل تفكيك البنيات التقليدية لابد من استحضار التناقضات البينية وشروط الحروب الأهلية ونزعة التواطىء وكذا التنافسية غير الشريفة بين « عقود » التحالفات الوقتية الصورية ، والمهم عدم تجاهل اشكالية الولاء للخارج كعقدة تاريخية ، دون أن نغتر بنوايا الدولة وزعم النظام القطيعة أو فسخ العلاقة مع الحلفاء التقليديين ، والذين هم منهمكون في صراعاتهم المستحدثة لما بعد عهد كورونا السيء الذكر ؛ وإلا فالتحليل سيظل محافظا ، وسنكرر ارتكاب الاخطاء القاتلة بعبث وابتذال .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube